عمّي يونس: “توفيق تمسّك بالرياضة رغم خوفي على مستقبله" تعالت، سهرة أول أمس، الزغاريد في بيت عائلة البطل الأولمبي والعداء الدولي توفيق مخلوفي، الذي حصل على الميدالية الذهبية في مسافة 1500 متر؛ حيث اكتظ المنزل المتواضع الذي يقطنه البطل بالمهنئين وتعالت هتافات أصدقائه منادية بحياة توفيق الذي أهدى سوق أهراسوالجزائر والعرب كافة أول ميدالية ذهبية في هذه الألعاب. في بيت متواضع بمدينة الأسود التي أنجبت الكثير من النساء والرجال الذين صنعوا للوطن أفراحه، تقطن عائلة توفيق مخلوفي الذي رفع أمس راية الجزائر خفاقة في سماء لندن. عمّي يونس .. الفخر ودموع الحنين عمي يونس، والد البطل وهو متقاعد من صفوف جيش التحرير والذي زرناه في منزله، وجدناه غارقا في فرحته بإنجاز ابنه الذي رفع علم بلاده عاليا في سماء لندن، لكن سرعان ما تحولت فرحة عمي يونس إلى بكاء حنين لابنه الذي لم يره منذ 7 أشهر، حيث أن توفيق لم يكن يطلع عائلته كثيرا على نشاطاته الرياضية مفضلا أن تبقى سرا. ويقول عمي يونس الذي اغرورقت عيناه بدموع الفرحة والحنين “ابني أعطى كل وقته للرياضة وللعدو منذ الصغر على حساب تعليمه، ولم أكن مرتاحا لذلك..لقد خفت عليه وضغطت عليه وعاقبته عدة مرات كي ينتبه بالدرجة الأولى إلى تعليمه، لكن توفيق كان يميل أكثر إلى رياضة العدو على حساب أي شيء آخر وكان لديه إحساس بأنه سيصل يوما ما إلى المرتبة الذي دعا بها له المرحوم جدّه والتي تحققت أخيرا”. وفي السياق ذاته، سرد لنا عمي يونس قصة عن توفيق أنه عندما ولد أخذه جده من أبيه في أحضانه ودعا له قائلا “سوف يكون لك شأن عظيم وسوف ترتقي إلى مكانة عالية” وبالفعل تحقق له ذلك سهرة أول أمس. أصدقاء توفيق أجمعوا على أنه “إنسان جد متواضع وذو تربية وأخلاق عالية وكان يحب العدو منذ الصغر؛ حيث لا تكاد ترى توفيق إلا وهو يجري في كل مكان من زوايا وشوارع مدينته سوق اهراس؛ الى أن جاءت اللحظة التي عرفوا فيها مغزى ذلك والهدف الحقيقي الذي كان يسعى إليه توفيق وهو تحقيق ميدالية ذهبية في الأولمبياد. من دروب سوق أهراس إلى سماء لندن تم اكتشاف البطل توفيق مخلوفي المولود بتاريخ 29/04/1988 بسوق اهراس من طرف المدرب المحلي والقدير رجيمي علي، الذي اختاره ليكون في فرع ألعاب القوى للحماية المدنية بسوق اهراس؛ حيث بدأ ممارسة رياضة ألعاب القوى سنة 2003 ضمن صنف الأصاغر؛ أين أظهر تفوقا ملحوظا جعل المدرب يوليه اهتماما خاصا وبفضل انضباطه ومثابرته تمكن من تحسين مستواه تدريجيا محققا نتائج وطنية ودولية وهو تحت ألوان الحماية المدنية لولاية سوق اهراس إلى أن بلغ صنف الأكابر وذلك سنة 2008. ونتيجة عدم توفر الامكانات الملائمة لمستواه محليا تم تحويله الى الجزائر العاصمة حيث الظروف كانت مهيأة أكثر من حيث المستوى العالي والامكانات المادية الضرورية، هذه العوامل سمحت له بتحقيق نتائج ممتازة آخرها فوزه بالميدالية الذهبية في مسافة 800 متر والميدالية البرونزية في مسافة 1500 متر خلال الألعاب الإفريقية التي جرت وقائعها شهر سبتمبر 2011 بعاصمة الموزنبيق مبوتو؛ حيث أبهر المختصين في ألعاب القوى بفوزه على عدائين كبار من كينيا ودول إفريقية أخرى معروفة في هذا الاختصاص. أما سيرة البطل الذاتية فعرف عنه أنه كان مؤدبا حسن السلوك والأخلاق، اجتماعي الطبع كسب مودة أصدقائه وكل من حوله، مطيع ومثابر في العمل وضع ثقته في مدربيه فبادلوه بالمثل فكان النجاح ثمرة مجهوداته ولم يكن ذلك بالأمر الغريب عن رجيمي علي، المدرب الذي اكتشفه والذي لاحظ من البداية أن توفيق مخلوفي لديه كل الصفات والميزات ليكون بطلا مستقبليا، وتحقق ذلك بالفعل بعد أن أولاه عناية خاصة وأخضعه لتدريبات منهجية علمية بفعل ما اكتسبه من خبرة الى أن وصل به الى المستوى العالمي أين تم وضع في خدمة الفريق الوطني لتمثيل الجزائر في المحافل الدولية. توفيق لديه 7 إخوة اثنان ذكور وخمس بنات وهو الثالث في الترتيب العائلي وتعشقه كل العائلة نتيجة أخلاقه الكبيرة والتي أوصلته الى أعلى المراتب. مدربه السابق السيد رجيمي قال لنا إن لديه مواهب رياضية أخرى تم اكتشافها وتبحث فقط عن من يوليها اهتماما لتكون في المراتب الأولى كما حدث مع توفيق. مقداد. م عمار براهمية: “تتويج مخلوفي حلم تحقق” “المسؤولون انتزعوا العداء مني” أوضح المدرب السابق لتوفيق مخلوفي، عمار براهمية، لوكالة الأنباء الألمانية أن تتويج عدائه في لندن كان “بمثابة حلم تحقق رغم كل الظروف الصعبة والعراقيل التي صاحبت مشوار هذا النجم القادم من عمق الجزائر”. ويتذكر براهمية بمرارة أحد أيام عام 2008 عندما رفض الاتحاد الجزائري لألعاب القوى التكفل بالعداء الواعد مخلوفي، ويقول: “إن بدايات مخلوفي كانت مليئة بالصعوبات والعراقيل. فهذا العداء قبل أن يصل إلى ما حققه اليوم عانى كثيرا سواء في الجزائر أو خلال المعسكرات التي كنا نجريها في ايفران بالمغرب”، وأضاف: “أذكر جيدا كيف أن اتحاد ألعاب القوى ونادي المجمع البترولي رفضا مساعدته حيث كان يضطر في بعض الأحيان للإقامة عند زميله المخضرم كمال بولحفان في فندق المهدي”. وتابع براهمية لذات المصدر “تحدى مخلوفي كل هذه العراقيل وكان يتفوق أحيانا على زملائه في الفريق كطارق بوكنزة وزرق العين، لكني أعتقد أن بدايته الحقيقية كانت خلال ألعاب البحر المتوسط عام 2009 بمدينة بيسكارا الايطالية عندما حل رابعا في نهائي سباق 1500 متر الذي توج به بوكنزة”. ودفعت مشاكل براهمية المتكررة مع مسؤولي الاتحادية الجزائرية مخلوفي للانضمام إلى الفريق العربي الذي يشرف عليه المدرب الصومالي جاما أدن ويضم بين صفوفه السوداني أبو بكر كاكي والقطري حمزة دريوش، ويؤكد براهمية “بصراحة انتزع مني مخلوفي في بداية العام لأن المسؤولين خيروه بين البقاء في فريقي أو قطع المساعدات التي تسمح له بالتحضير، فقرر الانضمام إلى مدرب آخر ساعده على النجاح أيضا، ولكن من غير المنطقي أن يقال إن تتويجه الأولمبي جاء نتيجة العمل لمدة ستة أشهر فقط”. ق. ر مخلوفي: تدربت بقوة للفوز بهذه الميدالية قال مخلوفي مباشرة بعد تتويجه بالذهب في سباق 1500 متر إنه يهدي ذهبيته الغالية إلى الشعب الجزائري والعالم العربي بأسره. وأضاف مخلوفي للصحفيين: “إنها إرادة الله.. الاثنين تم استبعادي من الألعاب وعدت”. ولاشك أن انتفاضته بعد الإصابة تعد رائعة بعدما تقدم ضمن كوكبة الصدارة ثم أنهى السباق بانطلاقة رائعة في اللفة الأخيرة. لكن فوز مخلوفي بسباق 1500 متر أثار عاصفة من الأسئلة بشأن قدرته على التعافي السريع من إصابته. ورد العداء الجزائري بالقول “كنت أعاني من إصابة في الركبة ونصحوني بعدم المجازفة بالمشاركة في سباق 800 متر لكني كنت أرغب في المنافسة”، واستطرد “أي شخص لديه روح المنافسة ويسعى للفوز ينسى الألم. تلقيت بعض العلاج وكنت احتاج إلى المزيد منها، لكني استطعت الركض في النهاية”. وأشار مخلوفي إلى أنه ظل مركزا على سباقه خلال الأزمة التي حدثت بعد أن استبعده الاتحاد الدولي وكان على يقين من أنه سيسمح له في النهاية بالمشاركة في سباق 1500 متر. وقال “كانت مشكلة بسيطة أثبت أنني كنت مصابا وحاولت بعدها التركيز على الاستعداد للسباق القادم كما أفعل عادة”. وجاء هذا التتويج لينهي عاما حافلا لابن سوق اهراس ونادي الحماية المدنية سابقا وهذا بعد أن أخفق من قبل في تخطي الدور قبل النهائي في بطولتي العالم 2009 و2011. وكان أفضل زمن شخصي له في بداية 2012 ثلاث دقائق و32.94 ثانية، لكنه استطاع بعدها تقليص هذا الزمن إلى ثلاث دقائق و30.80 ثانية. وعن ذلك قال مخلوفي: “لا تفوز بالميدالية الذهبية بسهولة فلقد تدربت بكل قوة لهذا الأمر”، وأضاف: “كنت في حالة سيئة في بداية العام لكني قمت بتغيير مدربي والطريقة التي استعدت بها لخوض البطولات. عملت بكل جد على مدار 15 عاما ولم أشاهد عائلتي إلا نادرا على مدار الأشهر السبعة الماضية”. وكان مخلوفي يتدرب تحت إشراف عمار براهمية الذي اكتشفه في مسقط رأسه وجلبه الى نادي مولودية الجزائر. وتابع: “عندما فزت في الدور قبل النهائي هنا منحني هذا الأمر شعورا كبيرا بالقوة والثقة في قدرتي على الفوز بالسباق”. وحتى سباقاته في الأولمبياد لم تخل من المد والجزر بين الإقصاء من الاتحاد الدولي وتناقل أخبار عن تناوله المنشطات، لكن كل ذلك لم يؤثر على معنوياته وقال صاحب الذهبية “لم أعر كثير الاهتمام لهذا الامر وفضلت التركيز على السباق النهائي”.