ها هي نار سوريا، تلتهم الهشيم اللبناني، وتقضي على السلام الهش في هذا البلد المفكك والمنهك بالحروب والفوضى السياسية والطائفية. ومثلما حذرت جميع الأطراف من خطورة ما يحدث في سوريا على لبنان، ها هي التخوفات من أن شرارة الحرب تلتهم شمال لبنان وقد تصل حتى بيروت، وتعود بلبنان هذه المرة إلى أسوإ ما عاشه في حروبه سنوات السبعينيات من القرن الماضي. الحروب الطائفية تنهك اليوم الجسد العربي، ومرة أخرى تسقط الأرواح بسبب الخلافات الطائفية. الأزمة السورية كشفت من جديد مدى هشاشة الوضع بالداخل اللبناني، ومدى ارتباط البلدين بعضهما ببعض ومدى تداخل المصالح بين طوائفهما. ليس المهم أن نبحث الآن عمن يقف وراء المؤامرة التي تريد إضرام النار في لبنان والزج به في معمعة الحروب الدائرة في المنطقة، وهل سببها استصدار دمشق لمذكرات ملاحقة لشخصيات لبنانية بتهمة المجموعات المسلحة في سوريا، ودعمها بالمال والسلاح؟ أم هي تبعات لقضية ميشيل سماحة المحسوب على النظام السوري وما نسب إليه من تعامله من دمشق؟ المهم أن يوضع حد فاصل بين ما يجري في سوريا وبين لبنان حماية لأمن هذا البلد الذي عانى كثيرا من الحروب، ومن الخلافات الطائفية، ومن العدوان الإسرائيلي الذي قضى على كل مؤهلات البلاد الاقتصادية، وأجبر سكانه على الانتشار في كل أنحاء المعمورة طلبا للرزق والأمن. قد يكون النظام السوري هو من نقل قبس النار إلى لبنان، كتهديد غير مباشر إلى فرنسا التي ستترأس في هذه الدورة مجلس الأمن الدولي، محذرا إياها من أية مغامرة في سوريا، خاصة وأن رئيسها فرانسوا هولاند الذي التقى أمس بأمير قطر في باريس لتباحث الأزمة السورية، خاصة وأن قطر تحاول أن ترمي بكل ثقلها لإقناع فرنسا والغرب بالتدخل العسكري في سوريا كحل لا بديل له لما يجري في سوريا من مجازر، محاولة قطع الطريق أمام أية تسوية سلمية قد يطرحها المبعوث الأممي لخضر الإبراهيمي. وسوريا تعرف جيدا أن إقحام لبنان في حرب طائفية في هذه الآونة لن ترضاه فرنسا، وقد تتصدى له بكل قوة، فحتى وإن تآمرت على نظام الأسد، فهي لن تسمح بخلط الأوراق في لبنان لما لها من سلطة أبوية وروحية على هذا البلد، ليس فقط لأنها ساهمت في استقلاله عن الدولة العثمانية وجعلته دولة للأقلية المسيحية في الشام، وإنما لما يربطها به من علاقات ثقافية واستراتيجية سعت باريس دائما لحمايتها. وفي انتظار أن ينأى لبنان بنفسه عما يجري في سوريا، تبقى البلاد تحت رحمة الطائفية، في غياب سلطة مركزية قوية بإمكانها فرض سيطرتها وسلطتها على الوضع في لبنان. الخوف كل الخوف أن يحدث ما لا تحمد عقباه في هذا البلد، وأن تدفع الطائفية العلوية في طرابلس ثمن جرائم النظام العلوي في سوريا.