اعترف الباحثون المختصون في التراث الشعبي بمساهمة الأغاني الشعبية في صناعة الثورة والتأريخ لها، من خلال القصائد والأمثال التي يستند إليها هذا النوع من الإرث الثقافي المصنف ضمن الأساليب التعبيرية الشفهية التي صنعت رصيد الثورة الجزائرية وأثرت كتاباتها. أوضح المشاركون في ندوة ”التراث الشعبي والثورة: خمسون سنة من الأسئلة والحضور” المنظمة على هامش الصالون الدولي للكتاب من طرف الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي أن الإرث الشعبي الجزائري طالما كان مصدرا من مصادر كتابة التاريخ الثوري، كونها كانت مؤججة جوارح الشعب الجزائري اتجاه النضال الحماسي، كما أنها دعمّت المسكوت عنه في كتابة التاريخ ونقلت حقائق المعاناة التي عاشها الجزائريون إبان الحقبة الاستعمارية والتي لم يكشف الستار بعد عن الكثير من تفاصيلها. كما نوّه المتدخلون بدور المرأة في دعم الثورة عبر أغانيها ودعوا إلى ضرورة توظيف الأغاني الثورية والأشعار المصاحبة لها في ما يقدمه المؤرخون لجيل الاستقلال بوصفها من أغنى المصادر التاريخية لاحتكاكها الفعلي بالواقع الاستعماري، وهو ما أشار إليه الدكتور عمار يزلي في مداخلته ”أهازيج نسائية عن الثورة”، الذي قال إن المرأة الجزائرية ناهيك عن نضالها الثوري إلى جانب أخيها الرجل وظفت أهازيجها الغنائية في إيقاظ وعي الأمة ودعم بسالة مناضليها وكذا التحسيس بحتمية الدفاع عن السيادة الوطنية. وشرح الأستاذ أن الأهزجة في الأصل عبارة عن رقصة كانت تؤدى دون ألحان موسيقية نُظمت لها فيما بعد كلمات، كما أنها كانت تعرف بأغنية الصف لتقابل مؤدياتها في صفين، مشيرا إلى تشابه الإرث الشعبي في المحيط المغاربي، موضحا إحصاء 184 أغنية في هذا النوع تشيد بنضال المجاهدين وتضحيات الشهداء، رددها النسوة في القرى والمداشر وساهمن في الحفاظ عليها بدليل أنها انتقلت بعد الاستقلال إلى الأعراس، من جهة أخرى ركز الأستاذ محمد عيلاني في تخليه على إبراز دور الأغنية الشعبية في مناطق الشرق الجزائري التي ولدت من رحم الشعب وتَغنت بإنجازاته كما انفردت عن الكثير من الفنون العربية. وفي مداخلة بعنوان ”مجازر 8 ماي 1945 في الشعر الشعبي الجزائري” أكد شعيب مقنونيف من جامعة تلمسان، أن الأهمية التي أعطتها القصائد لهذه الإحداث فاقت ما دونته الكتب التاريخية.