ما إن يحل موسم الحج حتى تتوالى الأنباء عن تشييع جثامين حجاج جزائريين لقوا مصرعهم في البقاع المقدسة، وفي الكثير من الأحيان يتهم هؤلاء أنهم قد ذهبوا إلى الموت بأرجلهم مع سبق الإصرار والترصد، برفضهم الخضوع للمنطق الذي يجعل حالاتهم الصحية تحول دون تمكنهم من أداء مناسك الحج، وبحثهم عن طرق ملتوية للظفر بفرصة زيارة بيت الله. يصر الكثير من كبار السن على عدم تفويت الفرصة في زيارة البقاع المقدسة والتمكن من أداء مناسك الحج، رغم حالتهم الصحية غير المستقرة، ضاربين بذلك نصائح الأطباء عرض الحائط، وفي الكثير من الأحيان بتواطؤ معهم أو مع أفراد عائلاتهم، فقط من أجل الظفر بأغلى وأثمن سفر في حياتهم. ومع ارتفاع عدد الحجاج المتوفين في البقاع المقدسة سنة بعد سنة، تتحول هذه الظاهرة إلى مجازفة كبيرة. مسنّون مصرون وأطباء متعاطفون يجازف الكثير من الأبناء بحياة آبائهم بإرسالهم إلى الحج وقوفا عند رغبتهم، أوفي بعض المرات تجاهلا منهم للخطورة التي قد تكتنفها هذه المغامرة بحياتهم. وفي هذا السياق يقول الدكتور بهلولي، طبيب عام، إن هناك العديد من الأبناء يصرون على تمرير ملفات آبائهم للقيام بالحج،رغم التحذيرات الطبية، وكأن ذلك فرصة لهم للتخلص منهم، فبالرغم من محاولات توضيح الحالة الصحية إلا أنهم يلحون على قبول أوليائهم". بالإضافة إلى أن هناك العديد من الحجاج يتوسلون الطبيب حتى لا يحرمهم من متعة زيارة بيت الرحمان، وهو الخطأ الذي قد يكلف فقدان الحاج حياته. وحول هذا الموضوع جمعنا بعض الحالات التي أودت بحياة حجاجنا، على غرار حالة السيدة ربيعة من ولاية بومرداس، التي توفيت في البقاع المقدسة منذ أربع سنوات، نتيجة إلحاحها على أداء مناسك الحج رغم تدهور حالتها الصحية، إلا أنرغبتها في الموت بالمكان المقدس تحققت برخصة ووساطة من ابنها الطبيب. أما الحاجة حورية فقد وجدت صعوبة كبيرة في الحصول على رخصة الحج، بعد بتر رجلها، ومع توسلات ابنها تمكنت من الحج منذ سنتين متجاهلة رفض الأطباء الذين وجدوا أنه يصعب عليها أداء المناسك، خاصة أن البتر كان بسبب إصابتها بداء السكري. قائمة الأمراض محددة من قبل وزارة الصحة من جهته أوضح الدكتور حميد بهلولي، أن قائمة الأمراض التي يمنع أصحابها من أداء مناسك الحج معروفة ومحددة من قبل وزارة الصحة، غير أنه في كثير من المرات يتم اكتشاف تزوير في الدفاتر الصحية للحجاج الذين أبوا إلا أن يزوروا بيت الله، غير آبهين بالعواقب التي تنجم عن مثل هذا السلوك. وعن قائمة الأمراض التي يمنع أصحابها القيام بالحج يقول الدكتور بهلولي، إن الأمراض القلبية والشرايين المزمنة تأتي في المقدمة، بالإضافة إلى إصابة الشرايين القلبية والصمامات القلبية المسدودة المنعقدة، وارتفاع الضغط الدموي الخبيث الحاد، وإصابات الهبوط القلبي، وإصابات الأوعية الدموية، ومستعملو الصمامات القلبية الاصطناعية وإصابة الشرايين الحادة السفلية، والتهاب الشُعب الهوائية الحاد، والربو المزمن الحاد، وداء السل الرئوي المعدي، والالتهاب الرئوي الهوائي العادي. كما تمنع الحوامل فوق الستة أشهر من الحج، وذوو الانهيارات العصبية الحادة المزمنة، وفقدان العقل والجنون، القصور الكلوي الحاد، والإعاقة الحركية المعقدة، والمصابون بتعقيدات حادة جراء داء السكري. الكثير يجهلون معنى "لمن استطاع إليه سبيلا" حذر الأستاذ نصر الدين خالف، أستاذ العلوم الشرعية، الحجاج من هذه التصرفات التي من شأنها أن تعود بما لا يحمد عقباه على الحجاج وأهلهم، موضحا أن الكثير من الناس يجهلون المعنى الأساسي لآية "لمن استطاع إليه سبيلا"، والتي لا تعني فقط القدرة المادية على التنقل بينما تتعلق بالقدرة الجسدية على أداء مناسك الحج، والتي تتطلب أن يكون فيها الحاج بصحة جيدة، وأي تهاون في ذلك قد يبطل صحة الحج فهو يحوله إلى تكليف النفس فوق طاقتها، وهو ما ينهى عنه ديننا الحنيف.