انتهت أمس، معركة عين أمناس، ليس مثلما شاء لها الإرهابيون الذين كانوا يخططون لإشعال النار في يد الجزائر، ولحرب إعلامية تنقل بطولاتهم المزعومة إلى مسامع العالم، ولا سيما في بلدان الرهائن الذين كانوا يحاولون المساومة بهم. هل نجحت الجزائر في إدارة هذه العملية أم فشلت مثلما يدعي الإعلام الغربي، الذي لم تكف الفضائيات والصحف والمواقع ما لفظته من سموم في حق الجزائر. بحسب المواقف الرسمية الغربية، والأمريكية تحديدا، فإن الجيش الجزائري أدار بحكمة وبرباطة جأش هذا التدخل، وحمى البلاد من كارثة حقيقية، وبشهادة هيلاري كلينتون نفسها، التي قالت إن لا أحد يعرف شراسة الإرهابيين أحسن من الجزائريين. نعم، ليس هناك من يعرف خيرا من الجزائر جيدا شراسة الإرهابيين، ولذلك لسنا في حاجة لمن يعطينا درسا في التعامل مع هذه الأزمات. فمنذ سنوات وخبراؤنا يعطون دروسا في كيفية مكافحة هذه الآفة لخبراء الغرب، فتجربتنا مع الإرهاب أكسبتنا خبرة دفعنا ثمنها غاليا، وأقسمنا منذ جانفي 1992 ألا تتحول الجزائر إلى أفغانستان أخرى أو إيران ثانية. وجددت وحدة المغاوير أمس، في عين أمناس هذا القسم. فالجيش الجزائري لم يفتح مرحلة جديدة في تاريخه الدموي مثلما تدعي الغارديان البريطانية، وعملية عين أمناس لم تنته بمجزرة مثلما تدعي ليبراسيون الفرنسية، وإنما المجزرة يتحملها الإرهابيون ومن يمولهم ومن يدربهم ومن يستعملهم، ومن سوق لهذا الفكر الظلامي من السعودية إلى أمريكا، مرورا ببريطانيا، الملكة التي كان يقول عنها إسلاميو القاعدة التي لا يظلم عندها أحد. وفرنسا التي ليست ببريئة مما يحدث الآن في الساحل من خلط للأوراق، أليست فرنسا من قلبت النظام في ليبيا، وفتحت ليبيا أمام الحركات الجهادية العالمية، وهذه المجموعة التي نفذت مجزرة في حق أبرياء عين أمناس من كل الجنسيات إنما استعملوا السلاح الفرنسي وسلاح الناتو الذي ألقوا به في حرب ليبيا وها هم رعايا غربيون يقتلون بسلاح غربي. الجيش الجزائري ومن ورائه السلطات الجزائرية لما قام بالتدخل في عين أمناس كانت السلطات تعرف مسبقا مواقف هذا وذاك، وماذا سيقوله كل واحد، وتوقعت الحملة الإعلامية الشرسة على الجزائر، لأنها تدرك جيدا ما كان مخططا له من وراء هذه العمليات من محاولات للتدخل، ولتدويل المعركة على التراب الجزائري، وهو ما لم يحدث ولن يحدث. ما قامت به هذه الفرقة المختصة والمدربة أحسن تدريب من فرق التدخل السريع التي حاربت لسنوات بمفردها الإرهاب، لم يكن لتبييض صفحة الجيش الجزائري مثلما تدعي الصحف الغربية، فصفحة الجيش الجزائري بيضاء. وما قامت به فرقة عين أمناس، هو تتمة لما قام به أسلافهم في جانفي 1992 عندما تحملوا مسؤوليتهم وحموا الجمهورية وحموا الدولة من السقوط في يد الإرهاب العابر للقارات. ولعلم الإعلام الغربي فإن الشارع الجزائري لم يكن متحدا على كلمة واحدة وراء الجيش الجزائري مثلما هو اليوم، ومعركة ”عين أمناس” بقدر ما كانت مؤسفة، بقدر ما أعادت لنا الثقة وبددت مخاوفنا على مستقبل البلاد، ما دام هناك جيش يعرف مسؤولياته ويتحملها بكل شجاعة وبكل مسؤولية. لكن يبقى المستفيد من مأساة ”عين أمناس” هو هولاند، حيث غطى التدخل الناجح للجيش الجزائري وتحريره أكبر عدد ممكن من الرهائن وقضائه على مجموعة إرهابية متعددة الجنسيات مدججة بأحدث الأسلحة، على فشل الجيش الفرنسي في معركة مالي، وأعطى هولاند مبررا لتدخله في هذا البلد، وربما أيضا سيكسب من ورائها دعما لصفوفه بقوات أممية. تحية مجددا لرجال غامروا بحياتهم من أجل رسالة وطنية ورسالة إنسانية، وأوصلوا الرسالة واضحة إلى كل العالم...