تحتفل الجزائر، كغيرها من دول العالم باليوم العالمي لمكافحة داء السرطان المصادف للرابع من شهر فبراير من كل سنة. يعود هذا اليوم ليجد مأساة مرضى السرطان تتفاقم ومعاناتهم تكبر في صمت، حيث تسجل الجزائر سنويا أزيد من أربعة آلاف حالة جديدة. يعاني المرضى الأمرّين من أجل الحصول على دواء علاج الألم أوالظفر بموعد من أجل المعالجة بالأشعة، وتلك مأساة أخرى في ظل توقف المواعيد إلى غاية جوان 2014. وبينما تؤكد الوزارة في كل مرة أن الدولة تتكفل بمرضى السرطان وأن الدواء متوفر في الصيدلية المركزية. وفي الوقت الذي ترافع الجهات الوصية نظريا عن مخطط وطني لمكافحة المرض، تسجل الجزائر سنويا أزيد من أربعة آلاف حالة جديدة للمرض، وتشكو الجمعيات التي تحاول تقديم الدعم للمرضى من سوء تسيير الإمكانيات الموجودة وفي الوقت الذي يتحدث مرضى السرطان في العالم عن ما بعد العلاج وآفاق الجراحة التجميلية التي توفر للمريض فرصة للحياة والاندماج في المجتمع، مازال مريض السرطان في الجزائر ينتظر قدره في قطار الرحيل، ويتجرع الأمرين وهو يقضي الأيام التي تبقت له في الحياة. لم تعد تهم أسماؤهن ولا أعمارهن ما دام مصيرهن واحد.. الانتظار في طابور الرحيل، أو على الأقل التأقلم مع الألم الذي يجتاحهن يوميا. قد تختلف قصصهن في بعض تفاصيلها لكنها تتشابه في المحصلة، إنهن ضحايا سرطان الثدي. وقد أضاف المجتمع إلى مأساتهن مأساة أخرى، وهي الرفض الاجتماعي، ففي مجتمعنا المرأة مسؤولة عن كل ما يحل بها. هنا بأروقة مستشفى مصطفى باشا الجامعي تتشابه الحكايات وإن اختلفت في بعض التفاصيل، قد تنجح بعض المساحيق وبعض الابتسامات في إخفاء ملامح الخيبة والانهيار، لكن حديث جانبي مع هؤلاء النسوة يكشف أن السرطان ليس غير جزء بسيط من مسلسل المعاناة في حياة.. ربيعة والجوهر وغيرهن كثيرات، فقط أضافت قسوة المجتمع إلى آلامهن معاناة أخرى اسمها الرفض الاجتماعي. كانت تلزمني بعض الشجاعة لأطرق باب صمتهن وأبحث عن أي خيط لبداية الحدث، فليس سهلا أبدا أن تبوح المريضات بقصصهن لأي عابر سبيل. في رواق الانتظار عشرات الأصوات واللهجات والملامح تؤكد أن السرطان يوحد الجميع. جلست على أول مقعد صادفني، من حين لآخر كنت أسترق النظر للمرأة الجالسة بقربي، سيدة يبدو أنها تجاوزت العقد الرابع من العمر بسنة أو سنتين، سألتني عن الساعة، وجدتها فرصة لبداية الحديث.. عرفت أنها تقطن بإحدى ضواحي عين الدفلى قامت باستئصال الثدي، وهي هنا من أجل متابعة العلاج. لم يكن سهلا علي تقبل مرضي عندما أخبرني الطبيب في البداية لم أصدقه وقضيت أياما وأسابيع وأنا أحاول أن أتعايش مع الواقع الجديد. الجوهر اليوم تحاول أن تتقبل مرضها وتحاول أن تتأقلم مع ألمها، خاصة وهي تقصد دوريا مركز مكافحة أورام السرطان بمصطفى باشا من أجل متابعة العلاج. حياة، هي الأخرى، لم تقبل فكرة أنها مصابة بورم سرطاني وستخضع لعملية استئصال ثديها، رفضت بشدة، لا يمكن أن يبتروا أنوثتها.. هكذا فهي في ربيع العمر، لم تتخط بعد سنواتها الثلاثين ما زال في جعبتها الكثير مما ترغب في قوله للحياة التي تحمل اسمها، بقيت تعاند لأيام وأشهر، لكن في النهاية استسلمت لقدرها. ومع قرارها هذا عرفت أنها فقدت نصف عمرها عندما بتروا ثديها. تعاود التنفس وتحمد الله عندما تسمع أن الكثيرات غيرها طلقهن أزواجهن عندما أصبن بهذا المرض“.. تدعوه هكذا فهي لا تريد أن تتلفظ باسمه، صار بالنسبة لها كابوسا تتعايش معه يوميا، هي لا تدري كم ستعيش وهل ستعيش بعد العملية التي أجرتها منذ أشهر فقط، لكنها تعيش على هاجس الرحيل وتتعايش مع شبح الموت. ربيعة.. لم تكاد تنقضي سنتها الثالثة من الزواج حتى اكتشفت أنها مصابة بورم في الرحم، ويتطلب الأمر استئصاله. في وقت كهذا يحتاج المريض لمن يدعمه ويؤازره، لكن زوجها تركها بلا ندم في أول الطريق وطلقها حتى قبل أن تخرج من المصحة. هي اليوم، وبفضل مقربيها ودعوات الخير، استرجعت بعض إيمانها في الحياة بعد أن كاد الانهيار يقضي عليها، صحيح أنها استعادت بعض عافيتها لكن حياتها لا طعم لها وتحتاج لصبر كبير حتى تمارسها بشكل يومي بعد أن صار المستشفى جزءا من أجندتها. صعب على مرافق المريض أن يرى أحد أقاربه يتألم كانت تمشي في الرواق جيئة وذهابا بخطى عصبية تتفرس وجوه المارة والعابرين كأنها تبحث عن شيء ضائع بغير قصد، تعثرت خطاها بأحدهم، كان ممرضا مستعجلا كعادة أصحاب المآزر البيضاء، اعتذر لها على عجل فيما بقيت هي محلقة في الفراغ. لم تكن سعاد تعاني من أي مرض، لكنها ترافق والدتها المريضة..”صعب علي مرافق المريض أن يتقبل مرض أحد أقاربه ويراه يوميا يقاسي من الألم، والدتي منذ إصابتها بالمرض صارت لا تنام بالليل”، تقول هذه الشابة التي تحاول برمجة يومياتها وقفا لحالات ومزاج والدتها التي لم يكن سهلا عليها أن تتقبل مرضها. تروي المتحدثة الحالات التي تعرفها في محيطها ومنها استمدت التجربة وحكمة التعامل مع مرض أمها، التي تلجأ إلى الصلاة والدعاء لمواجهة الانهيار، صارت كثيرة الشرود وقليلة الكلام وقليلا ما تلبي الدعوات الاجتماعية، فقدت الكثير من حيويتها، فالمرض جعلها أكثر انعزالية، ورغم مرور أكثر من أربع سنوات تقريبا على أول عملية أجرتها لكنها مسكونة بهاجس أن يعاودها المرض، وقد تأثرت بما سمعته من هنا وهناك كون “هذا المرض” يعاود الظهور بعد خمس أوست سنوات، فهي دائما تلاحق أخبار الراحلين بمرض السرطان. ثلاث ساعات تقريبا قضيتها ب”أروقة الموت” في مركز بيار ماري كوري بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، لم يكن يهمني كثيرا أن أعرف حجم ما تصرفه الدولة على المرض، ولا الاستراتجيات ولا المخطط الوطني لمكافحته. الفطر الهندي.. فعال لعلاج السرطان؟؟ وأنا أتحدث إلى بعض المريضات أو قريبات المرضى، كنت أسترق السمع لبعض الأحاديث أيضا التي كانت تقال حول نوع من الفطر صار اليوم مشهورا في الجزائر “الفطر الهندي” الذي يقال إنه فعال في علاج السرطان، لاحقا عرفت أنه نوع من الفطر الذي صار له صيت ذائع وسط الناس في غياب تام للرقابة الطبية. البعض يتحدث عن فعالياته في معالجة أمراض كثيرة غير السرطان، مثل العقم. ولأن “الغارق يتعلق بقشة” فالكثير من مرضى الجزائر اليوم صاروا يقبلون عليه ويتناقلونه من منطقة إلى أخرى. إذ يقول أغلب من استعمل الفطر الهندي أن الوصفات تجبرهم على وضعه في إناء يشترط أن يكون من الفخار أوالزجاج لكي لا يفقد الفطر طاقته، يضاف إليه الحليب المعقم ويوضع داخل زجاجة ويغطى الوعاء بغطاء قماشي أبيض معقم حتى يسمح بتجدد الهواء بالوعاء ويترك الفطر مدة 24 ساعة في حرارة معتدلة، بعدها يصب المزيج بعد 24 ساعة في مصفاة، ويجمع الحليب المستخلص من الفطر ويشرب حسب التعليمات الموجودة بالوصفة التي ترفق مع الفطر لمدة 20 يوما، مع التوقف 20 يوما أخرى لمعاودة أخذه من جديد، بعدها يغسل الفطر المتخثر في المصفاة بتمرير ماء بارد عليه ويتم تحريكه بملعقة يشترط أن تكون خشبية، حتى يتم غسل كامل الحليب العالق به، ليتم بعدها تسليمه لشخص آخر يكرر نفس العملية. ربورتاج: زهية منصر رئيس جمعية الفجر لمرضى السرطان بولاية جيجل ل”الفجر” مرضى يموتون في الطريق قبل الوصول إلى المستشفيات قال رياض بوكراع، رئيس جمعية مكافحة أمراض السرطان بجيجل، أن مرضى هذه الولاية يعانون الويلات من أجل الحصول على موعد علاج أو سرير في أحد المستشفيات بالولايات المجاورة، في ظل افتقار الولاية لمركز خاص بمكافحة وعلاج أمراض السرطان. أكد بوكراع، في اتصال مع “الفجر”، أن العديد من مرضى الولاية يموتون في طريقهم إلى المراكز الصحية والمستشفيات خارج العاصمة. في السياق ذاته قال رئيس جمعية الفجر، إن المرضى الذين يقصدون الجمعية طلبا للمساعدة يعانون من نقص أدوية معالجة الآلام ويموتون في صمت، وحتى الموت بكرامة لم يعد متاحا لأمثال هؤلاء. وفي السياق، قال المتحدث إن الجمعيات العاملة في مجال مساعدة مرضى السرطان تعاني هي الأخرى من أجل تلبية طلبات كل الذين يقصدونها طمعا في المساعدة، في ظل تزايد عدد الحالات المسجلة سنويا. وأكد المتحدث أن الجمعيات مازالت تنتظر نتائج اللجنة الوطنية التي تم تنصيبها منذ المصادقة على المخطط الوطني لمكافحة داء السرطان منذ 2009، والتي مازالت نتائجها لم تظهر في الميدان إلى اليوم. كما طالب بالإسراع في فتح قسم لأمراض السرطان بولاية جيجل للتخفيف من معاناة القادمين من مداشر وقرى الولاية من أجل الحصول على فرصة في العلاج.