خبراء يجمعون: "ثغرات في العقود وتناقضات تشريعية وراء جرجرة الجزائر للتحكيم الدولي" تنفق الحكومة الجزائرية ملايير الدولارات سنويا لتعويض متعاملين أجانب أودعوا ضدها شكاوى لدى المحاكم الدولية بتهمة ”الاضطهاد” و”غياب الحرية الاقتصادية” و”التعسف في استعمال النصوص التشريعية”، وذلك منذ صدور قانون المالية التكميلي لسنة 2009 والنقاط الأربع التي جاء بها الوزير الأول آنذاك أحمد أويحيى، في مقدمتها حق الشفعة الذي يمنع الشركاء الأجانب من بيع أسهم في المؤسسات الجزائرية لمتعاملين أجانب وقاعدة 51-49 بالمائة التي تحرم الأجانب من ملكية كافة أسهم الشركات المؤسسة في الجزائر، في الوقت الذي كشفت فيه مصادر ذات صلة بالملف أن عدد الشكاوى المودعة ضد الجزائر منذ 2009 تفوق 30 شكوى. الحكومة تتورط في قضايا دولية عبر 4 قطاعات حساسة فضلت العديد من المؤسسات الأجنبية اللجوء إلى التحكيم الدولي للفصل في القضايا العالقة بينها وبين الحكومة الجزائرية في عدد من القطاعات على غرار قطاع الطاقة، الاتصالات الأشغال العمومية والمياه. لا تزال كل من قضية ”سوناطراك” و”إيني” الإيطالية تحتل صدارة اهتمام القضاء الدولي بخصوص معاملات وصفقات غير مشروعة أبرمت مع الشركة الإيطالية ”إيني” للاستحواذ على أكبر حصة من حقول البترول. وفي نفس القطاع واصلت ”أناداركو” الأمريكية للنفط تسوية النزاع الضريبي الحاصل مع مجمع سوناطراك بشأن رفع الضرائب على أرباح النفط الذي سيمكنها من استرجاع ما يزيد عن 4.4 مليار دولار. في وقت قررت شركة ”مصر للاتصالات” دخول أروقة المحاكم الدولية للمطالبة ب69 مليون دولار والفصل في النزاع القائم حول المستحقات في الجزائر، بعدما رفضت هده الأخيرة طلب التعويض الناجم عن الخسائر التي لحقت بفرع الشركة بالجزائر ”لكم” عام 2009، وفي ذات السياق لا يزال قطاع الاتصالات في الجزائر محل نزاع بخصوص ”أوراسكوم تيليكوم” التي وجهت تهمة التعدي على الحقوق فيما يتعلق بتدابير الحكومة الجزائرية ”غير المشروعة” حسبها منذ 2008 ضد وحدة أوراسكوم تليكوم الجزائر ”جازي”. من جانبها رفعت ”يتسيرو مينوخا” الإسبانية للأشغال العمومية شكوى ضد الحكومة الجزائرية مفادها عدم تسديد كل المستحقات المالية التي تدين للجزائر بها والتي تعادل 500 مليار، مقابل ما قامت به من مشاريع تخص برنامج إنجاز الطريق السيار بين 2009 و2011 كما قامت ذات الشركة بإيداع شكوى ضد مكتب جزائري بإسبانيا والذي اتهمته بالتواطؤ مع الوزارة الوصية لهضم جل مستلزماتها. وزارة الموارد المائية هي الأخرى لم تسلم من ذلك بعدما حدد المجمع الألماني ”جلسن فاسر” المختص في تسيير وتوزيع الموارد المائية شهر فيفري الجاري اللجوء إلى المركز الدولي قصد تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات، بعد فشل المفاوضات بين الطرفين الألماني والجزائري لإيجاد حل لتسوية النزاع القائم بينهما، بعدما قررت وزارة الموارد المائية إلغاء صفقة دون سابق إنذار حصل عليها المجمع على مستوى كل من ولاية عنابة والطارف الذي خصص كل الاستثمارات الميدانية والتجهيزات المادية ومباشرته العمل لعدة أشهر. مبتول ل”الفجر”: ”القوانين الجزائرية تحوي تناقضات.. ومعالجتها على أسس اقتصادية ضرورية” أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية، عبد الرحمان مبتول، على ضرورة مراجعة التنظيم والقوانين الوطنية المسيرة للاستثمارات الأجنبية على وجه الخصوص، كخطوة جوهرية لسد الطريق نحو اللجوء المستمر للشركات والمتعاملين الأجانب نحو القضاء والتحكيم الدوليين لاسترجاع ما يعتبرونه حقا لهم، وأشار إلى أن التدابير لابد أن تصدر من مبادئ مرتبطة بالاقتصاد والتوجه العام للمخطط الاستراتيجي الوطني، وليس عن القرارات السياسية. وأوضح الخبير، في اتصال مع ”الفجر”، أن التنظيم الجزائري يحتوي للأسف الشديد على العديد من ”التناقضات”، وأشار إلى ما أسماه ب”التفريق” بين المتعاملين في تطبيق بنود القانون، لاسيما ما تعلق منها بتنفيذ حق الشفعة على جميع المتعاملين دون تمييز، وهو ما يبرر، حسبه، قيام هذه الإجراءات على مصوغات ومصالح سياسية بالدرجة الأولى. وذكر المتحدث في نفس الشأن بأن الأمر يحتاج أيضا إلى إضفاء الشفافية ودعم استقلالية حقيقية للجهاز القضائي، من منطلق أن اقتصاد السوق يقوم على دولة القانون، تكون فيه سلطة القوانين هي الفاصل الحقيقي دون مراعاة لمبررات أخرى مهما كان نوعها، قبل أن يضيف بأن الاعتماد على هذه الطريقة من شأنه تجنيب الخزينة العمومية مصاريف ضخمة تنفقها على التحكيم الدولي، ليذكر بقضية الجزائر مع المجمع البترولي الأمريكي أناداركو سنة 2009. وعلّل عبد الرحمان مبتول إصرار السلطات العمومية على تبني نفس الخيارات في توجيه الاقتصاد الوطني، على الرغم من تغير الخريطة ”الجيواقتصادية” في العالم، باستمرار الاعتماد على اقتصاد الريع على الرغم من التفتح الظاهري نحو الاقتصاد الحر، حيث قال أن عائدات البترول تهمين بحوالي 97 بالمائة، فضلا على أنها تمثل 75 بالمائة من احتياجات المواطنين، إلى جانب أنه من 55 إلى 60 بالمائة من الاقتصاد يمارس خارج الأطر القانونية والرقابية، ضمن ما يطلق عليه بالاقتصاد الموازي. وتطرق المتحدث في نفس السياق إلى تطبيقات قاعدة 51/49 باعتبارها من بين أهم التدابير المنصوص عليها في قانون المالية التكميلي لسنة 2009 المنظمة للاستثمار الأجنبي، كونها تتعلق مباشرة بالسيادة الوطنية، وقال أنه ”خطأ كبير تعميم تطبيق هذا المبدأ على جميع القطاعات والمشاريع” دون محاولة التفريق أو التصنيف بينها، مضيفا أنه ”توجد قطاعات استراتيجية وأخرى ليست كذلك”، في إشارة إلى تطبيق مبدأ يحمي الاقتصاد والسيادة الوطنية يكون في المجالات الإستراتيجية، الأمر الذي يحتاج إلى عمل ممنهج ومرونة في صياغة وتعديل القوانين، كون القطاع الذي يكون استيراتيجيا قد لا يصبح كذلك خلال سنتين أو ثلاث، بسبب التحول المستمر والسريع للاقتصاد. ثغرات قانونية وعقود ناقصة كلفت الجزائر فواتير بالملايير قال خبير الاقتصاد والاتصالات السلكية واللاسلكية، ياسين ولد موسى، أن الحكومة صدمت بشركاء جدد خلال السنوات الماضية دون أن تمنحهم الرخصة لدخول السوق الجزائرية، بسبب عمليات البيع التي قامت بها الشركات الأجنبية الناشطة في الجزائر لمتعاملين آخرين والثغرات التي تضمنتها عقود الشراكة، وهو ما دفع بها إلى اعتماد حق الشفعة الذي يعتبر أهم سبب للمتابعات القضائية ضد الحكومة في المحاكم الدولية. وأضاف ذات الخبير في تصريح ل”الفجر” أن الحكومة دخلت في صفقات غير مدروسة وأبرمت عقودا ناقصة، وهو ما جعل عددا من الشركاء يستغلون هذه الثغرات للضغط عليها عبر تحويل الأموال إلى الخارج وكذا جرجرتها للمحاكم الدولية وتغريمها فواتير بملايير الدولارات. وأشار المتحدث إلى أن المشرعين الجزائريين لم يتصرفوا بحكمة لضبط الاستثمارات الأجنبية، وهو ما جعلهم يواجهون مشاكل بالجملة ويسددون غرامات باهظة ويضيعون سنوات في استثمارات دون جدوى.