تعتبر نعمة البنين أول ما يصبو إليه الزوجان بعد عقد قرانهما بحثا عن زينة الحياة الدنيا التي تبث الروح في بيت الزوجية، وتملأه دفئا وحنانا وتزيد من التحام الأسرة وتشد أزرها، لكن هناك من يؤخر الله عنه هذه النعمة فيظل يتطلع إليها بصبر المتلهف، بينما يجتهد آخرون في البحث عن السبل الكفيلة بتحقيق هذا الحلم الجميل. يعد مشكل عدم الإنجاب من أبرز ما يعاني منه بعض المتزوجين حديثا، حيث تفاقمت مشكلة ضعف الإخصاب لدى الرجال والنساء على حد سواء في السنوات الأخيرة، وانعكست سلبا على الزوجين ومحيطهم، ووصلت في أحيان كثيرة الى الطلاق نتيجة بعض الصراعات وسوء التفاهم، رغم محاولاتهم العديدة للتغلب على المشكل أو تجاوزه. وبغرض تسليط الضوء على هذه المشكل قامت “الفجر” برصد تجارب البعض في هذا الخصوص ومدى تأثيره على حياتهم الشخصية والنفسية. ضعف الإنجاب مشكل يعيق حلم الأبوين أصبح حلم الأمومة والأبوة أمرا صعبا للكثير من الأشخاص ممن يعانون مشكل ضعف الاخصاب، حيث يسعى هؤلاء إلى إنجاب طفل يحمل اسم العائلة أو بنت تشع بالحنان واللطف، غير أن البعض منهم يصطدمون بعدم تحقيق ذلك لأسباب مختلفة، لكن الكثيرين يحملون المرأة سبب ذلك أو الجزء الأكبر منه بحكم بعض العادات والتقاليد التي تنطلق من منطق واحد هو “العيب في المرأة وليس في الرجل”. وفي هذا الإطار أعرب مختصون أن مشكل العقم أو عدم الانجاب مشكل اجتماعي بالدرجة الأولى، وتدخل فيه عدة أسباب من أهمها الاضطرابات الهرمونية والالتهابات أو تكيس المبيض بالنسبة للمرأة، والضعف في نسبة الحيوانات المنوية لدى الرجال. عندما يحس الزوجان بتأخر الإنجاب يبدأون رحلة العلاج، والتي في الغالب ما تبدأها المرأة أولا لأنها دائما محل الشكوك بالنسبة لزوج ولعائلته، في حين يرفض الزوج الخضوع للعلاج كما أنه لا يتقبل فكرة أن المشكل لديه من الأساس. كما أن المرأة هي تبحث عن الإنجاب بسرعة بحكم قوة غريزة الأمومة. وعليه فإن أغلب الضغوط النفسية تواجهها الزوجة ما يدفعها لمراجعة الطبيبة النسائية بعد الزواج، لتعرف إن كان لديها استعداد للإنجاب وأنها لا تعاني من أي خلل فيزيولوجي أو هرموني. ولا تكتفي الكثيرات بذلك بل يلجأن للطب البديل والتداوي بالاعشاب. الدلك كأول خطوة.. من أجل علاج مشاكل العقم تلجأ بعض النسوة إلى الطرق التقليدية منها طريقة الدلك كأول خطوة، هذه الطريقة التي تعتبر إحدى العادات الشعبية المتوارثة عن الأمهات والجدات، والتي تفيد في إعطاء نوع من الاسترخاء للرحم والتخلص من أي عيوب خَلقية كميل الرحم إلى جهة معينة أواعوجاجه أو حتى وجود مشكل في المبيضين. وهو ما أخبرتنا به سناء، متزوجة منذ سنة، والتي قالت إنها قصدت إحدى السيدات ممن يمتهنّ الدلك والمعروفات في ببراعتهن في هذا المجال، مضيفة أنها قامت بهذه الخطوة بناء على رغبة حماتها التي أقنعتها بها بحجة أن الدلك طريقة بسيطة وآمنة قبل اللجوء إلى العلاجات الكيميائية. نفس الرأي وجدناه عند حياة، متزوجة حديثا ولم ترزق بالأطفال، والتي قالت أنها خصصت حصتين للتدليك كل شهر عند إحدى السيدات، قائلة “نصحوني بهذه الطريقة بعدما ثبت نجاحها عند الكثيرات”. .. وأخريات يلجأن إلى تناول عرق الضنا، المرمية والبردقوش كثيرة هي أسماء العقاقير التي تتناولها السيدات لتحقيق حلم الإنجاب رغم جهلهن بمصدرها أو مكوناتها، غير أن كل شيء يهون في سبيل ذلك حتى لو كلفهن ذلك أموالا طائلة أو مضاعفات صحية تعود عليهن سلبا. وفي هذا الشأن قصدنا أحد محلات بيع العقاقير بمارشي 12 ببلوزداد، بحثا عن مدى إقبال السيدات على شراء هذه العقاقير والأعشاب، حيث أكد لنا صاحب محل بيع العقاقير أن هناك إقبالا كبير على شراء بعض الخلطات من طرف السيدات اللواتي يبحثن عن الإنجاب وعلاج العقم، مشيرا إلى أن بعضهن يقصد منتوجا محددا، و ذلك لخبرتهن أو سماعهن عن بعض العلاجات المجربة، بينما تستفسر أخريات مسبقا عن أشهر الانواع استعمالا في هذا الخصوص، قائلا:”بعض النساء يشترين عقاقير معينة و هناك من يبحثن عن أشهر الأنواع استعمالا في علاج العقم”. وأما عن أشهر العقاقير استعمالا وطلبا، يقول محدثنا أن عرق الضنا أشهر الأعشاب المستعملة”، موضحا:”هو عبارة عن جذع يباع الجزء الواحد منه ب500 دج، وهو من الأعشاب النادرة التي تنمو في الصحراء”. وعن طريقة استخدامه قال إنه يسحق ويخلط مع العسل ويتم تناوله بانتظام حتى الحصول على النتيجة. وأضاف محدثنا أنه توجد خلطات أخرى تدعى السبع خلطات، والتي تمزج فيها سبعة أنواع من العقاقير وتخلط جميعها ويتم تناولها على الريق صباحا. وغير بعيد عن هذا المحل، قصدنا دكانا آخر لبيع العقاقير، سألنا صاحبه عن أهم الأعشاب التي تطلبها النساء من أجل الانجاب، فاسترسل في ذكر أسماء الأعشاب وفوائدها، كالمرمية والبردقوش، والتي قال إنها ساعدت الكثير من الازواج على علاج العقم. الساوسة والحناء وشرب ماء زمزم.. فأل خير وعلى خلاف استعمال الخلطات والأعشاب في علاج العقم، لايزال البعض يؤمن بالخرافات وقدرتها على تحقيق حلم الإنجاب، وكما يقال “الغريق يتعلق بقشة”، حيث تعتمد بعض السيدات في بعض المناطق التي تنتمي إلى عرف سيدي معمر، على عملية الساوسة، وهي مشي المرأة حافية القدمين وبيدها عصا خشبية لتطرق بها أبواب الناس، وذلك للحصول على بعض الصدقات كالمواد الغذائية وتقمن فيما بعد بطبخها وتناولها بنية الإنجاب.. كما نجد أخريات يجمعن مبلغ 400 دج من النساء اللواتي رزقن ببنت في أول حملهن تفاؤلا بإنجاب بنت. كما أن هناك من تجمعن قطع 5 دج من النساء التي سبق أن ولدن بنات من أجل السير على خطاهن. كما تلجأ بعض الراغبات في الإنجاب إلى وضع حنة الحج، كما يقال بالعامية، مع شرب ماء زمزم و الدعاء والتمني بتحقيق أمنيتهن، وهو ماتفعله الكثيرات بنية الزواج أيضا. وفي هذا الأطار قالت لنا سميرة، متزوجة منذ سنتين، إنها قصدت إحدى السيدات لربط حنة الحج، مشيرة إلى أنه يشترط أن تربطها إياها امراة أنجبت من قبل. .. وكل شيء يهون في سبيل إنجاب قرة العين يلجأ العديد من الأزواج ممن فقدوا بصيص الأمل في الإنجاب إلى بيع جميع ممتلكاتهم في سبيل العلاج في العيادات الخاصة، وذلك ببيع سياراتهم أو مجوهراتهم وحتى عقاراتهم من أجل دفع تكاليف الدواء وعلاج العقم، هذا المشكل الذي يكلفهم غاليا. إلا أن بعضهم انتهى بهم الأمر إلى الضياع بين مصحات التوليد وصرف الملايين بدون جدوى، وهو حال محمد، موظف عمومي، الذي قام ببيع منزله من أجل دفع أقساط عملية جراحية وشراء الدواء ولكنه لم يوفق في الإنجاب. 10 بالمائة من الأزواج يعانون عدم الإنجاب كشف البروفيسور بوزكريني محمد، رئيس الجمعية الجزائرية للخصوبة وتنظيم الحمل، “أن 10 بالمائة من الأزواج في الجزائر يعانون العقم بسبب عدة عوامل، أهمها تأخر سن الزواج، وكذا نتيجة عدة عوامل صحية وعضوية وأخرى مرتبطة بالمحيط، مشيرا أنه على الزوجين الانتظار سنة أو أكثر قليلا لأن هناك نسبة كبيرة من النساء لا يحملن إلا بعد مرور عام من زواجهن، وعليه فهذه المرحلة لا تستدعي أي تدخل طبي وتتطلب القليل من الصبر، شرط أن تكون العلاقة الزوجية منتظمة أثناء فترة الإباضة”. وأفاد بوزكريني أنه “في حالة انقضاء سنة من الانتظار لابد من إجراء تحاليل خاصة متعلقة بصحة الإباضة عند المرأة، وكذا التأكد من صحة إنتاج الحيوانات المنوية عند الرجل، وكذا معرفة إن كان هناك انسداد في الأنابيب أو القنوات التي تمنع التقاء البويضة بالحيوان المنوي”. أسباب العقم يتقاسمها الرجال والنساء بالتساوي وفي السياق ذاته، أوضح البروفيسور “أن سبب العقم يعود إلى أسباب تتعلق بالرجال و بالنساء، وكلاهما يتقاسمان نفس النسبة”، مشيرا إلى أن المشاكل الاجتماعية تصنف من أخطر المشاكل التي تؤثر على الإنجاب في مجتمعنا. كما أرجع رئيس الجمعية الجزائرية للخصوبة وتنظيم الحمل سبب عدم الإنجاب إلى عدة عوامل بالنسبة للزوجين. ففي ما يتعلق بالرجال هناك عدة مشاكل تحول دون حصول الحمل كوجود انسداد في القناة القاذفة، والذي يحول دون وصول الحيوانات المنوية إلى السائل القذفي، وبالتالي لا يصل إلى البويضة، بالإضافة إلى الالتهابات والتشوهات الخلقية الموجودة في السائل المنوي والتي تؤثر هي الأخرى على الإنجاب، زيادة على دوالي الخصية أو تعرضها للحرارة، ما ينعكس أيضا على خصوبة الرجل في إنتاج الحيوانات المنوية. كما ذكر عدة مشاكل أخرى تعيق الإنجاب مثل قلة الحيوانات المنوية أو غيابها تماما أو شكلها غير الطبيعي. في السياق نفسه أكد محدثنا “أن هناك بعض الأمراض المزمنة كالسكري والضغط الدموي أو أمراض الغدد وكذا التهاب اللوزتين، بالإضافة إلى أن شرب الكحول أو التدخين يؤثر بدورها علىإنتاجية الحيوانات المنوية”. وأما بالنسبة لمشاكل الخصوبة لدى النساء، فأوضح محدثنا “أنها راجعة لعدة اسباب أهمها التهاب عنق الرحم، أو وجود ورم في المبيضين، بالإضافة إلى حصول عيوب خَلقية في الرحم، وقصور في وظيفة المبيض أوتكيسها، أو انعدام التبويض أساسا، انقطاع الحيض المفاجئ في سن مبكرة، الالتهابات، أو الحمل خارج الرحم. 30 إلى 50 بالمائة نسبة نجاح أطفال الانابيب من بين الطرق الطبية الحديثة في تجاوز مشكل العقم، أكد بوزكريني أن التلقيح الاصطناعي هو الحل الأمثل لحدوث الحمل بعد المحاولات العديدة، خاصة إذا تعذر على الزوجين الإنجاب، قائلا إن نسبة نجاح لمثل هذه العمليات تتراوح بين 30 إلى 50 بالمائة. وأضاف ذات المتحدث “أن هناك 9 عيادات خاصة في الجزائر تقوم بعمليات التلقيح الاصطناعي، مشيرا إلى أن تكلفة العملية الواحدة تتراوح بين 10 ملايين سنتيم”. العقم يعود إلى أسباب تتعلق بالرجال وبالنساء، وكلاهما يتقاسمان نفس النسبة”، مشيرا إلى أن المشاكل الاجتماعية تصنف من أخطر المشاكل التي تؤثر على الإنجاب في مجتمعنا.