الهيئة الوطنية لترقية الصحة تتهم العيادات المتخصصة بالمتاجرة في الأوهام مرت سنة على زواجهما تحولت فيها مشاعر الحب إلى مودة ورحمة، سنتان فأربع سنوات، تحولت المودة إلى ملل قاتل، "روتين" أفقد الحياة الزوجية طعمها... لا ابتسامة طفلة يرقص من حولها قلب زوجين، ولا صراخ طفل يهز جدران منزل سكنته الرهبة، لم تنفع لا أدوية ولا أعشاب لا إبر ولا هرمونات، فكان طفل "العيادة" آخر باب يُطرق.. لكن هل هو الحل؟ ما هو ثمن الجنين؟ وهل يتحول الجنين إلى طفل؟ وما هو احتمال نجاح العملة؟ ما هو عدد عيادات هذه التقنية في الجزائر؟ وما هو موقف الدين من "صناعة الأجنة وتحديد جنسها"؟ وهل هو بديل للتبني؟ * في مجتمع ذكوري مهووس "بالرجلة" لا يكتفي الرجل بإنجاب طفل أو اثنين حتى وإن كانت تكاليف المعيشة ولابد، تظل المرأة الجزائرية تنسج يومياتها بما يرضي غرور الرجل، في بعض الولايات العميقة حيث لايزال الجهل والأمية، تُتهم فيها المرأة بأنها هي من تحدد جنس المولود، فما بالك لو تأخر الحمل؟ يتحول حينها العقم إلى هَمّ تحمله الزوجة أكثر من زوجها، حتى وإن كان سبب العقم آدم. * لحد كبير لم يكن من الصعب علينا الحصول على إحصائيات أو أرقام، حول أطفال الأنابيب بقدر ما كان صعبا علينا طرق أبواب زوجات مرت سنوات على زواجهن، فقدن نكهة الحياة في مجتمع يتباهى بالبنين كيف لا ومقولة الجدات تغرس من جيل إلى جيل "...يذهب زمن الخدود ويأت زمن الأولاد". * * مستعدات لمقايضة الكلية بجنين من صنع أحشائهن * وجوه كثيرة تلك التي التقينا بها بإحدى العيادات وسط العاصمة (نحجب ذكر اسمها نزولا عند طلب صاحبها) تقع وسط العاصمة، ملامح ملأت تقاسيمها، الحيرة والترقب ولهفة إنجاب "الضنى"... فقد يُسأل الفقير مالاً فيعطى لكن هل فعلا يمنح الطبيب جنينا؟ * في زحمة الطوابير الطويلة، كان من بين الحضور سعاد 39 عاما اقتربت منها وتجاذبت معها أطراف الحديث، تجيب قائلة: "جربت تقنية الإنجاب بالأنابيب مرتين وكلاهما باءتا بالفشل"، تتنهد ثم تضيف قائلة: "هذه آخر مرة إذا لم أتمكن من الإنجاب فلن أعيد التجربة...". * تجلس بجانبها امرأة بجلباب ونقاب، من حين لآخر كان زوجها يسألها، هل حان دورها وكم بقي الوقت؟ تقاطع سعاد وترد عليها قائلة: "لا تقنطي من رحمة الله.. أجريت أربع تجارب الرابعة منها كانت ناجحة أنا الآن حامل في شهري الثالث". * كلمات كانت كافية لتعيد ولو جزءا صغيرا من الأمل، في عيادة يرفع أخصائيوها شعارا لميئوسين مستعدون لمقايضة "الكلية بالضنى"، سيدة في 43 من عمرها، وكم هو صعب أن تدخل المرأة في سن حرجة، تتجه فيه نحو الفناء هرمونيا، بسبب ما يعرف "بسن اليأس" وتوقف المبيضين عن إنتاج البويضات. * أستاذة جامعية متزوجة من طبيب أسنان، تصر على إنجاب طفل من خلايا أحشائها، إلى آخر بويضة تنزف من رحمها تقول "عالجت بالأدوية لسنوات، وجربت كل مستخلصات الأعشاب، لأطرق في النهاية، باب العيادات المتخصصة بأطفال الأنابيب.. شعرت باليأس والقنوط، لكن نجاح تجارب سابقة لسادس وسابع مرة شجعني على الاستمرار إلى آخر رمق وحتى وإن انتهت مدخراتي مستعدة لبيع كليتي مقابل الضنى". * لحظتها ذرفت إحدى السيدات دموعا من عينها لتتنهد قائلة: "لو بقيت القروض الاستهلاكية سارية المفعول لاقترضت مبلغا إضافيا لإجراء عملية رابعة". * * طفل الأنابيب.. حل ليس في متناول الجميع * يقول الطبيب المختص "محمد السعيد. م"، بعد أن قطع من وقته خمس دقائق، بسبب التزاماته مع الباحثين عن الإنجاب، أكد أن من أسباب نجاح التقنية أن ترتكز على شروط طبية قائلا: "ليس كل من يعاني من العقم بإمكانه إنجاب طفل أنابيب فلابد أن تتوفر بعض الشروط من بينها: أن تكون الزوجة قادرة على إنتاج البويضات، كما أن الزوج قادر على إنتاج الحيوانات المنوية. مع احتمال نجاح العملية ما بين 20 و25 بالمائة، للسيدات اللواتي تكون قناتا "فالوب" لديهن مغلقة أو تالفة بحيث لا تسمح للحيوانات المنوية بالوصول إلى البويضة لإخصابها، إلى جانب الرجال الذين يُعانون من العقم نتيجة نقص أو قلة حركة الحيوانات المنوية. * وعن إجراء التقنية قال المتحدث، إنها ترتكز على وضع الحيوانات المنوية في مكانها الصحيح وفي أقل وقت ممكن ومع البويضة مباشرة، كما يمكن للتقنية أن تنجح بالنسبة للرجال الذين تتولد لديهم أجسام مضادة للحيوان المنوي. * وتؤكد الدكتورة "ل. سعيداني" وهي مختصة في أمراض النساء والتوليد بنفس العيادة، قائلة: "قبل البدء بإعطاء العلاج لأطفال الأنابيب يجب أن تجرى فحوصات مختلفة للزوج والزوجة للتأكد إذا كانت هناك أسباب تعوق الحمل، ومعرفة إذا كان بالإمكان العلاج بطرق أبسط وهذه الفحوصات تشمل فحص الدم وفحص الرحم وفحص الحيوانات المنوية وقناتي فالوب بالنسبة للمرأة". * * 80 مليونا... ثمن صناعة جنين * نسبة ما بين 1 و5 بالمائة من الذين ينجحون في تقنية إنجاب أطفال الأنابيب، تكاليف العملية في الجزائر، تختلف من عيادة إلى أخرى، كما أن تكاليفها أيضا لا تضبطها لا وزارة الصحة ولا وزارة العمل، فما بين 25 و30 مليون سنتيم بين العملية والأدوية، لتجربة واحدة. مع العلم أن احتمال نجاح كل عملية إخصاب يتراوح ما بين 20 و25 بالمائة، يقول الدكتور "محمد السعيد.م" إن السبب في غلاء هذا النوع من التقنيات في الجزائر راجع، إلى قلة الاختصاص، وهو ما يرهن الراغبين في الإنجاب، كما أن الأدوية والهرمونات، والأشعة والتحاليل، وتحديد مشكلة العقم، كلها ترفع من التكاليف، ونادرا جدا ما يحصل الإنجاب من التجربة الأولى فهو يمتد إلى التجربة الرابعة وحتى السادسة، وبذلك نجد أن تكاليف أربع محاولات للإنجاب تفوق 80 مليونا، وهناك بعض العيادات حسب محدثنا تضع تخفيضا لكل عملية جديدة بالنسبة لزبائنها ممن يستمرون في محاولة الإنجاب. * هذا الواقع يجعل الكثيرين من الأزواج، يتخلون عن حلم الإنجاب بعد تجربتين أو ثلاث تجارب فاشلة، مما يعني أن الزوجين الذين يريدان إنجاب طفل أنابيب، عليهم على الأقل أن يكون بحوزتهما مبلغ 100 مليون سنتيم بعد خمس تجارب، لكن تبقى المعضلة الكبرى في مسألة التعويض. علما أن صندوق الضمان الاجتماعي لا يعوّض سوى الأدوية التي تتراوح قيمتها بين 40 إلى 80 ألف دينار وتشكل حوالي 50 بالمئة من التكلفة الإجمالية، والمؤسف أن حتى الأدوية لا تعوّض في الغالب فما هو المشكل؟ * * نعم هناك عيادات تتاجر بالأوهام * كشف البروفسور خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، في تصريح خاص للشروق اليومي، أن مسألة تعويض الأدوية أو على الأقل تعويض تكاليف التجارب الفاشلة لأصحابها، مسألة تقع على عاتق السلطات الوصية المطالبة بإعادة النظر فيها، مثلما هو معمول به في الخارج على غرار فرنسا التي تتكفل بالمصاريف الكلية لنحو 4 محاولات أو بلجيكا التي تتكفل بالمحاولات الست الأولى. ويضيف البروفيسور خياطي، أن أطرافا طبية تعمل على هذه التقنية، اقترحت أن تتكفل الدولة ب50 بالمائة من تكاليف التقنية أو التكفل بالمحاولة الأولى على الأقل. * وأكد البروفيسور أن تكلفة عملية التلقيح في الأنابيب من المفترض أن تتراوح بين 15 مليونا و20 مليونا إلى 22 مليون سنتيم بما فيها ثمن الأدوية، لكن هناك عيادات في الجزائر تضع أسعارا خيالية تفوق بكثير التكلفة الحقيقية للتقنية، مشيرا إلى أن هناك من يثمّن محاولة التخصيب في الأنابيب لوحدها ب20 مليون سنتيم دون احتساب الأدوية، وهو ما اعتبره احتيالا ومتاجرة بأحلام المحرومين من الأولاد. * مع العلم أن الصندوق الوطني الخاص بموظفي الجيش في الجزائر يستفيدون من نسب معينة في التعويض عن هذه التقنية. * أما عن عدد العيادات المتخصصة في مثل هذا المجال، تكشف أرقام الهيئة الوطنية لترقية الصحة عن وجود ثماني عيادات للمساعدة الطبية على الإنجاب، 4 منها بالعاصمة وواحدة بعنابة وواحدة بقسنطينة وعيادتان بوهران. وتكشف أرقام مستقاة من نفس الهيئة، أن أول عيادة للمساعدة على الإنجاب، فتحت أبوابها في الجزائر وهي عيادة "الفرابي" بعنابة عام 1999، ثم عيادة فريال بالعاصمة وفي 2002 و"ابن رشد" بقسنطينة في 2003 ثم كل من عيادة "بن صغير" بوهران و"تيزيري" بالعاصمة في 2004، وبعدها عيادة "مخزن الأسرار" بوهران في 2006 وآخرها عيادة "الوالدين" بالعاصمة في مارس الفارط، مع العلم أن فرنسا لوحدها تملك 92 مركزا، حسب المتحدث، لكن هل تكفي هذه العيادات في وجه الفاقدين للإنجاب؟ * * 300 ألف زوج بالجزائر لا ينجبون * صرح الدكتور محمد بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، بأنه لا توجد أرقام أو إحصائيات دقيقة حول العقم في الجزائر، بسبب عدم وجود هيئة خاصة أو جمعية طبية لذلك، لكن محدثنا رجح أن الرقم يتراوح بحوالي 2.5 بالمائة من الأزواج الجزائريين مصابين بالعقم ويعانون مشكل الخصوبة، في حين أشارت آخر دراسة لوزارة الصحة وإصلاح المستشفيات يقول الدكتور، إنها أحصت وجود أكثر من 300 ألف زوج بالجزائر ليس لديهم أطفال، علما أن العقم يمس الرجل أكثر من المرأة بنسبة 65 بالمئة، وتختلف النسبة المتبقية (35 بالمئة) بين عقم يصيب المرأة أو يصيب الزوجين معا. * لكن بعيدا عن لغة الأرقام هل يسمح الدين بما أصبح يعرف بظاهرة تحديد جنس المولود في تقنية الأنابيب وما هو موقف الشرع؟ * * لا حرج في إنجاب أجنة البويضة والمني من نفس الزوجين * يقف علماء الدين بين مؤيد ومعارض لفكرة تحديد جنس المولود، فيختلف الأئمة بين من يترك العلم يفصل في القضية، مادام الله سبحانه وتعالى هو من يخلق النطفة والمني، وهو ما يجعل أطفال الأنابيب بعيدة عن معضلة الاستنساخ، وبين عدد من الأئمة، ممن لا يرون مانعا في الإنجاب عن طريق تقنية الأنابيب، دون أن يتدخل الزوجان في تحديد هوية جنس المولد، يقول الشيخ أبو عبد السلام، إن الإفتاء في مثل هذه المسائل الشائكة، يتطلب اجتهادا، غير أن المعمول به لا حرج في الإنجاب، مادام الزوجان، هما صاحبا النطفة والبويضة، لكن الجدل في أولئك الذين يحصلون على ولد من نطفة وبويضة لأزواج آخرين. * * هكذا يتم صناعة الأجنة * كنا نأمل في أن نشارك الفريق الطبي لإحدى العيادات بالعاصمة تجربة تخصيب، غير أن الفريق الطبي رفض بسبب تكتم الراغبين بالإنجاب، عن كشف تجاربهم للصحافة. ومع ذلك تشير معطيات متحصل عليها، أن العلاج، أول ما يبدأ بإعطاء إبر هرمونية للمرأة من أجل مضاعفة عمل المبيض لإنتاج أكبر عدد ممكن من البويضات وهو ما يعرف "تنشيط المبيض" والقاعدة في ذلك كلما زاد عدد البويضات يزيد احتمال تكوين عدد أكبر من الأجنة الملقحة وبذلك تكون نسبة النجاح أعلى من وجود بويضة واحدة فقط. وتتم متابعة الاستجابة للعلاج بواسطة جهاز "السونار المهبلي" لتحديد عدد وحجم البويضات الصالحة. كما أن المتابعة المستمرة ضرورية لمنع أية مضاعفات قد تحدث في حال عدم الالتزام بالمراجعة وكما يقررها الطبيب المعالج. عندما تصل البويضات لحجم النضوج يتم إعطاء إبرة "H.C.G" لاستكمال نضوج البويضات. وبعد 32 - 36 ساعة من أخذ هذه الإبرة يتم سحب البويضات تحت التخدير الموضعي أو العام. * وتتم العملية دون عمل جراحي، حيث يتم سحب البويضات بمساعدة جهاز "السونار المهبلي" ويجب أن تحضر المريضة عادة قبل ساعة، حيث تعطى التخدير كمادة مهدئة ومسكنة للألم. ثم ينظف المهبل بمادة معقمة وبعد ذلك يدخل الجهاز إلى المهبل. وتتم عملية سحب البويضات بالتدريج من أحد المبيضين بواسطة الطبيبة المعالجة وتكرر هذه العملية للمبيض الآخر وتستغرق هذه العملية من 30 - 45 دقيقة، لكن ما هو تكاليف جنين بالأنبوب؟ * أرقام ومؤشرات * * 300 ألف زوج غير قادرين على الإنجاب. * * ما بين 20 و25 بالمائة نسبة نجاح تقنية الإنجاب بالأنابيب. * * ما بين 25 و30 مليون سنتيم تكاليف التجربة الواحدة لتقنية الأنابيب. * * ما بين 7 و8 ملايين تكاليف أدوية وإبر هرمونية ضرورية في العلاج. * * ثماني عيادات متخصصة فقط على مستوى التراب الوطني للجزائر. * * ما بين 80 و100 شخص يزورون يوميا العيادات المتخصصة طلبا للإنجاب. * * 65 بالمائة نسبة العقم لدى الرجال و25 بالمائة لدى النساء والرجال معا.