عدد السوريين اللاجئين، فعليا، إلى لبنان بلغ المليون ومائتي ألف نسمة لغاية الآن، أي ما يوازي ثلث الشعب اللبناني. مسؤول في “المفوضية العليا للإغاثة” التابعة للأمم المتحدة، يقول: إن هذا يشبه دخول 75 مليون لاجئ إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. بعض القرى والبلدات صار عدد السوريين فيها يفوق عدد المواطنين أنفسهم. “الإنسان ثقيل” وفترة الضيافة - بحسب أحد التقارير - قد تطول بسبب دمار ما يزيد على مليون وحدة سكنية في سوريا، أي أن كثيرين لن يتمكنوا من العودة حتى ولو هدأت الاشتباكات، إذ أن إعادة إعمار هذه المباني يحتاج من 5 إلى 10 سنوات. التململ الشعبي في لبنان بدأ، الحساسيات الصغيرة، تزن على الفقراء الذين يجدون في السوري منافسا ينتزع منهم العمل والسكن وكسرة الخبز. فإن بقي السوري بلا عمل رُمي بالتقاعس، وإن هو سعى وارتزق ولو بمبلغ زهيد اُعتبر مزاحما لدودا. الوضع صعب، والعوز لا يرحم. ثمة بلديات لقرى منعت السوريين الذين فاق عددهم سكانها الأصليين من التجول بعد الساعة الثامنة، بسبب ارتفاع نسبة الجريمة. قرى أخرى تظاهرت احتجاجا على العناية التي يلقاها السوري، مقابل إهمال يعيشه اللبناني. حتى إن المساجين اللبنانيين يشتكون لأن السجين السوري تزوره الجمعيات وتحيطه بشيء من الرعاية. اللاجئون السوريون الذين وصلوا في الشهور الأولى للثورة استقبلتهم القرى الحدودية بالأحضان والدموع، تقاسمت العائلات معهم بيوتها وأطعمتها وأغطيتها. بعض السياسيين الذين حذروا من مخاطر اللجوء السوري يومها اتهموا بالعنصرية. موجع أن تسمع بعد سنتين أن المخاوف باتت عامة، وهي تبدأ من القمة وتصل حتى أسفل الهرم. وزير الداخلية مروان شربل قال: “إن اللاجئين السوريين صاروا يهددون الوضع الأمني في البلاد”. هناك من يعتبر أن توزع اللاجئين على 1200 قرية وبلدة ومدينة، أحدث فوضى عارمة، ويطالب بإقامة مخيمات على غرار الدول المجاورة. لكن منظمات تحذر من أن إجراء كهذا سيرفع نسبة العسكرة بين النازحين. الإرباك يتعاظم في البلد الصغير الذي بالكاد يتسع لأهله، واللاجئون السوريون تتصاعد معاناتهم. تقرير صادر عن “معهد بيروت” يحذر من انهيار شامل في البنى التحتية اللبنانية بسبب عدد اللاجئين الكبير الذي لا يحتمله البلد، ويؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات جذرية. يبدو البلد الهش أكثر هشاشة تحت وطأة الألم السوري، الحاجة هي إلى مزيد من الكهرباء والخبز المدعوم والمياه التي هي شحيحة أصلا، وفرص العمل المفقودة في الأساس، والخدمات الصحية المجانية، علما بأن فقراء اللبنانيين يموتون على أبواب المستشفيات من دون أن ينالوا شرف دخولها قبل دفع مستحقاتهم. السوري الآتي من بلد الخدمات العامة المجانية، يبدو له لبنان جحيما مقيما. الغلاء فاحش، البرامج التعليمية لأولادهم لا تشبه تلك الموجودة في سوريا، المساكن إيجاراتها باهظة، حتى صار سكن المحلات والمباني غير المنجزة من مألوف العادات. انتشار أوبئة مثل الجرب وحبة حلب والسل، زاد الطين بلة. ثمة أشياء سوريالية فعلا. “المفوضية العليا للإغاثة” تدفع لكل شخص تم تسجيله مساعدة قدرها 25 دولارا في الشهر. مبلغ بالتأكيد لا يكفي لأكل الخبز الحاف. مظاهر سوء التغذية لم تعد خافية على أطفال النازحين بعد شح في الحليب. الجوع لم يعد نادرا والتسول صار فاقعا في الشوارع. الدول المانحة لم تدفع ثلث ما وعدت به. حقا لبنان المنقسم سياسيا، المهدد أمنيا، والغارق في ديونه ومذهبيته، ليس أفضل الدول للجوء، ولا أرحمها. الصيف لن يكون سهلا على السوريين الذين هربوا من حمّى القصف إلى جهنم الأوبئة والجوع والتسول. كل المحن باتت من نصيب اللاجئين في وطن غارق بالمحسوبيات. كل يوم يدخل لبنان ثلاثة آلاف نازح جديد على الأقل. كل ساعة حرب إضافية في سوريا، عبء جديد على دولة، يعترف وزيرها للشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور بأنها أصبحت “أضعف من الجمعيات الإنسانية أو حتى المجتمع المدني”. الملايين التي تطلبها الهيئات الإغاثية، حتى وإن وصلت ستكون كمن يداوي السرطان بحبات “الأسبرين”. الفاجعة الإنسانية السورية أكبر من أن تعالج ببعض الوجبات، وعلب الحليب وحفاضات الأطفال. السوريون هم الحلقة الأضعف. لبنان بلد لا يليق بالمستضعفين بصرف النظر عن جنسياتهم. السوري في لبنان يتعرض لصنوف من آلام لا تطاق، تبدأ بمحنة العثور على خيمة، ومياه للاستحمام والشرب، وقد لا تنتهي بالاستغلال من خلال عصابات تتجر بالبشر، أو مجرمين يبحثون عمن ينفذ الجرائم بدلا عنهم. المكان يضيق، الحر يرفع منسوب غليان الدم في العروق كما في رواية “الغريب” عند ألبير كامو. قنبلة اللجوء السوري تهدد بانفجار بدأت معالمه تظهر جلية. اللبنانيون ليسوا براء من العنصرية، لكن الأمر هذه المرة يتجاوز فيروس الشوفينية الأعشى. إنه اهتراء شامل، لمنطقة تتداعى، وترتج كلها كأنها آيلة للسقوط.