يتحزّن الإنسان ذو التكوين الطبيعي عقليا ونفسيا، على الأبرياء الذين يسحقهم المستعمرون بواسطة غارات طائراتهم الحربية وقذائف مدافعهم وأنفجارات المركبات المعبأة يالمواد المتفجرة، التي يرسلون من يركنها في الساحات العامة وفي الأسواق المكتظة بالناس. تقف الحكومة التركية التي يديرها حزب العدالة والتنمية، في خط المواجهة الأول في الحرب على سوريا. ومن المرجح أن مرد ذلك لطموح قيادة الحزب المذكور إلى تزعم تنظيم الأخوان المسلمين العالمي في إطار حراك غايته الإستيلاء على السلطة في الفضاء الممتد من الخليج إلى المحيط، من بغداد إلى الرباط. تجدر الملاحظة بأننا في الوقت الراهن، حيال وضع مضطرب، يتعمل في ثناياه تنظميان إسلاميان هما الإخوان المسلمين والقاعدة. لقد كشفت في سوريا بجلاء، علاقة تعاون وتنسيق تربط بينهما. فلم نسمع منذ بدء الحرب في هذه البلاد أو بالأحرى لم تصدر بيانات أو أدبيات عن جهة تقاتل الدولة السورية من أجل تصور مستقبلي، أنطلاقا من طروحات سياسية علمانية تقدمية عصرية. ما تناهى إلى علمنا يفيد بأن الإسلاميين من أصول سورية وغير سورية، إخوان مسلمين وجهاديين وهابيين من القاعدة أومن فروعها، نفروا لمحاربة الدولة. لا نعرف عن غاياتهم إلا ما بشروا به عن قرب ولادة ”الدولة الإسلامية” في سورية. هذا ما جعلنا نرتاب بهم. لأن سوريا ليست إسلامية ولكنها عربية. أو بتعبير أدق، أن في سوريا سوريين، منهم من آمن بالله بالقرأن ومنهم من آمن بالحكمة ومنهم من آمن بالإنجيل، كما جاء في مؤلف لانطون سعادة، على ما أذكر. بمعنى أن الثقافة السورية هي ثقافة تعايش، ضد التكفير وضد التحريم. الشاهد على ذلك أنك تجد أناسا متحدرين من أصل عائلي واحد، يتبعون ديانات ومعتقدات مختلفة. ولكن خطورة الدعوة ”لدولة إسلامية ” تكمن ضمنيا، من وجهة نظري، في أن كون الناطقين باسم ”الإسلام” ينتحلون صفة ”الخليفة” أو ”أمير المؤمنين” دون أن يأخذوا البيعة من المسلمين، هذا من ناحية أما من ناحية أخرى، فلا منأى عن التنبيه إلى إحتمالية أن يكون ظهور هذه الدعوة في هذا الزمان، صدى لمشروع ”الدولة اليهودية” في فلسطين. أردت من هذه التوطئة التمهيد لمقاربة موقف الحكومة التركية من المسألة السورية. لأقول بداية أن مدخل هذه الحكومة إلى سوريا، وإلى البلاد العربية الأخرى التي تعرضت للهجوم الإسلامي من أجل الإستيلاء على السلطة، إنما كان من ”بوابة” الدين، أو بصريح العبارة، من بوابة العلاقة العضوية مع ”الإخوان المسلمين” في سوريا. وفي هذا السياق، لا غلو في القول أن الحكومة التركية الإسلامية، شريكة في الحرب على سوريا. المعلوم إنها لم تكتف باستضافة فعاليات النشاط السياسي المناهض للدولة السوريه وحسب، ولكن يوجد على أرضها أيضا، معسكرات تدريب أنصار الجماعات الإسلامية الجهادية، تحت إشراف خبراء غربيين، قبل إرسالهم إلى سوريا، فضلا عن أنها قاعدة الإمداد الأساسية لتلك الجماعات، بالرجال والعتاد، قبل الأردن ولبنان. هذا ليس سرا، بل معطى معروفا بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية. وبالتالي لا يجهله السيد وزير خارجية فرنسا، وزميله في إنكلترا. الذين سارعا، أثر وقوع الأعمال الإرهابية في مدينه الريحانية في تركيا، إلى التصريح بأن بلديهما يقفان إلى جانب الحكومة التركية. حذا حذوهما وزير خارجية الإدارة الأميركية الذي أعلن عن تعاطفه مع الشريك التركي. دعك من جماعة الإئتلاف السوري. فهؤلاء لا يتهمون، ولكن يدينون الحكومة السورية تلقائيا بكل مصيبة أو جريمة تقع في أي مكان من العالم. ولو سألتهم عن الإيدز لجاءت إجابتهم بأنه عقاب لأن حلف الأطلسي لا يتدخل ضد سلطة الكافرين في سوريا. أتمنى شخصيا ألا تكون الحكومة السورية متورطة في العمل الإرهابي الذي طال السكان في مدينة تركية. على عكس كتبة الوهابية، أنا لا خبرة لي، في العسكر ولا في التحقيقات الشرطوية. كل ما أعرفه في هذا المجال هو أن الحكومات جميعا، ومن ضمنها الحكومات الديمقراطية لا تتصف دائما بالنزاهة. بمعنى أنها تعمد إلى تزوير الحقائق. فتفتعل أعمال الشغب وتتهم المتظاهرين، وتضع الألغام أمام عربات جنودها للتحريض ضد الجماعات الكردية، على سبيل المثال. ما أود الإشارة إليه في هذه المسألة، هو التضاد الواضح في مواقف حكومات الدول الغربية، أمام التفجيرات التي تقع في المدن السورية، والعراقية أيضا هذا من جهة والتفجير الذي حدث في المدينة التركية من جهة ثانية. بتعبير آخر، لماذا يتوجب على السوريين أن يتحملوا إعتداءات الحكومة التركية، دون أن يشكوا أو يثوروا، رغم وجود قرائن دامغة تثبت حقيقة هذه الإعتداءات. وبالمقابل عليهم أن يتحملوا في الوقت نفسه، وقبل الأمساك بأدلة تكشف هوية الفاعلين، مسؤولية كل مكروه يصيب سكان تركيا ؟ من البديهي أن هذا كله، يبيّت نوايا سيئة ضد سوريا. أغلب الظن أن الحرب التي تتعرض لها هذه البلاد، بواسطة جماعات الإخوان المسلمين، وجهاديي الوهابية لم تكف، أو أن هذه الجماعات تحتاج إلى دعم مباشر. أو أنها أنجزت مراحل من المخطط المرسوم وأنتهى دورها . يعترف وزير تونسي بوجود 800 جهادي تونسي في سوريا. هذا يعني أن هناك عشرة أضعاف هذا العدد في أقل تقدير. ومهما يكن، فأن أستشراف أوجه الإستغلال المحتملة للإنفجار في المدينة التركية يستوجب أستحضار المطالب التي حملها الوزير الأميركي كولن باول إلى القيادة السورية بعد أحتلال العراق، وهي ما تسعى الى تحقيقه الإدارة الأميركية منذ سنتين. المعروف أن القيادة السورية رفضت هذه المطالب سنة 2003 ولم تبدل حتى الآن. تأسيسا عليه، ليس مستبعدا أن تكون الإدارة الأميركية بصدد العمل على تعديل ميزان القوى لصالحها، وفي هذه الحال يحق لنا الإفتراض بأن الغاية من الغارات الإسرائلية الأخيرة، وتشجيع الحكومةَ التركية َ على الإنتقام، هي بلوغ هذه الهدف الأميركي. أخشى ما يخشى أن يظن الخصم أنك لا تريد الحرب أو أنك غير قادر على الدفاع عن نفسك.