استوقفتني تصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي لافروف، قبل أن يصل في 11 شباط الجاري إلى الجزائر. قال أن الفرنسيين زودوا الجهاديين بالسلاح من أجل الإطاحة بالسيد معمر القذافي، وها هم في شمال مالي يطاردون جماعات كانوا يدعمونها سابقا في ليبيا. فيضطر عناصرها إلى دخول البلاد المجاورة، وبخاصة الجزائر. علما أنه إذا كان بعض هذه الجماعات توجهت إلى شمال مالي فأغضبت الحكومة الفرنسية، فإن جماعات أخرى غادرت ليبيا وذهبت إلى سوريا، فاغتبطت هذه الحكومة. وأوكلت إليها المهمة نفسها، التي قامت بتأديتها في ليبيا، ووعدتها بأن تقدم لها ”كل الدعم اللازم على الأرض”، أي في ميدان القتال، حتى تتغلب عسكريا على الجيش العربي السوري، وتُسقط الدولة. يفهم من هذا أن الجماعات الإسلامية المسلحة التي احتشدت للقتال ضد الدولة السورية من جهة، وأعداء سوريا من جهة ثانية يتعاونون وينسقون بحيث تتكامل أدوارهم. لا جدال في أن الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية التي تلتحق بها، هم أعداء للسوريين. ولكن التعاون والتنسيق بين الجماعات الإسلامية والدول الغربية ليسا دائمين وثابتين. المعروف أنها كانت متوافقة في افغانستان ثم وقعت الحرب بينها. تجد أحيانا،في البلد الواحد، فصائل جهادية تقاتل فصائل جهادية منافسة أو أنشقت عنها. هذه تتلقى الدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتلك تلاحق طائرات هذه الأخيرة المسيّرة عن بعد، زعماءها وشراذمها، كما هي الحال في الصومال. يلزم التذكير هنا لعل الذكرى تنفع، بأن الحكومة الصومالية التي كان يرئسها محمد سياد بري أعلنت في سنة 1977، الحرب على أثيوبيا ” الماركسة”، بتأييد ودعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الأوروبيين واتباعها من نظم الحكم العربية. في مقدمتها النظامان المصري والسعودي. هذه الجهات نفسها، شجعت وحرضت في 1980 الحكومة العراقية في عهد السيد صدام حسين على شن الحرب ضد ايران. تلاشت الدولة حيثما تواجد الإسلاميون، وجاهدوا تحت راية الوهابية السعودية، في حروب الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الشعوب. فلا عجب في هذا السياق، أن ترسل الحكومة الفرنسية قوات إلى ليبيا لمساعدة الإسلاميين. ثم تطاردهم الآن في شمال مالي وفي الوقت نفسه تقدم لهم الدعم في سوريا. هناك كانوا المطية للإطاحة بالسيد معمر القذافي ولأخذ مواقع في الصحراء بالقرب من الحدود مع الجزائر، وهنا يقتلون ويهدمون. دون أن يستطيع أحد حتى تاريخه، التنبوء بالنتائج. ومهما يكن، كان السوريون قد اضاعوا البوصلة قبل هذه الحرب. فأن دفعوا عدوان الجماعات الإسلامية أنقذوا بلادهم واوقفوا نزيف دمهم. وأن كانت الغلبة لهذه الجماعات، تلاشت دولتهم وتفرق شملهم. وهو المصير الذي كانوا يقتربون منه تدريجيا، في عزلتهم بعد أن أتخمت أموال النفط الأحزاب والحركات السياسية سواء كانت معارضة لنظم الحكم أو موالية لها إلى حد أن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، أخذت الطريق التي سار عليها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى كامب دافيد، وأن حركة حماس التي اقتطعت قطاع غزة، وأقامت ”دولتها” عليه استجابت مؤخرا، لوساطة قطرية ومصرية ووافقت على التخلي عن كفاح المستعمرين الإسرائيليين. واضح مما تقدم أن الدول الغربية التي تقودها الإدارة الأمريكية لها حضور ملموس في التحولات التي تشهدها البلاد العربية. من المسلم به أن هذا الحضور ليس جديدا. بمعنى أنه واقع معروف في المفاصل الأساسية للسلطة في هذه البلاد. وبالتالي فإن الاستقلال الوطني في جلها كان شكليا. ولكن ما أود الإشارة إليه هو الحضور الغربي في التحولات التي نشهدها في الراهن في بعض الأقطار العربية،ممثلا بدول غربية تديرها حكومات تنتهج سياسات لا يمكن أن تنعت بالتقدمية أو بالعادلة. فهذه السياسات لا تختلف من وجهة نظري في جوهرها، عن تلك التي كانت تطبق في المستعمرات اعتمادا على فلسفة تجيز للرجل الأبيض التدخل في كافة انحاء المعمورة، لتوفير الظروف التي تلائم مصالحه انطلاقا من الادعاء بتمايزه عن الآخرين وبفوقيته. الإشكالية في رأيي، ليست في كون نظم الحكم العربية، الأكثر تقدما، تواجه أزمات حادة تتحمل هذه النظم جزءا كبيرا من المسؤولية في وجودها وتفاقمها وفي التقصير في مواجهتها والحد من تأثيرها، ولكنها في اقتحام نظم حكم عربية أخرى، أكثر تخلفا ورجعية وبدائية، بلادا كمثل تونس وسوريا، وربما غدا الجزائر ولبنان. من نافلة القول انه تقف وراء هذه النظم العربية العدوانية ”الكاسرة”، كمثل قطر والسعودية، الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها في أوروبا. كأن الأمراء القطريين والسعوديين تحولوا إلى أدوات صيد وقنص. قد يكون مرد ذلك إلى كونهم يقومون بتربية باز الصيد. خلاصة القول أنه يحق التساؤل أين هي الثورة وأين هم الثوار ؟ كيف نوفق بين الحملات المحمومة ضد الإسلام في الغرب، وتوظيف التزييف والتحريف في ترجمة النص الديني بالإضافة إلى إطلاق الإأكام وتعميمها غاستنادا إلى تصرفات بعض الأشخاص، هذا من ناحية وبين التحالف مع جماعات الإخوان المسلمين وتسهيل وصولهم إلى السلطة، في تونس ومصر من ناحية ثانية ؟ لقد افتضحت في سوريا أمور عديدة. منها أن الإدارة الأمريكية تشن حربا عدوانية وتقول أنها ”ثورة”، وتفرض هذا الفهم كأنه ”حقيقة”، وتجد في بلاد العرب قبائل وعشائر ومذاهب تتبنى هذه الحقيقة بلسان ” المثقفين” الناطقين باسمها. ومنها أيضا أن هناك ”جيشا” مخصخصا، من الإسلاميين ( وهابيين وقاعديين وفتحويين اسلاميين الخ) أرسلت فرق وكتائب منه إلى سوريا تضم عشرات الآلاف من الجنود. حارب هذا الجيش في ليبيا، وليس مستبعدا أن يحارب في الجزائر وفي لبنان وضد إيران، وفي بلاد القوقاز. من نافلة القول أن هذا الجيش، أنشأته الإدارة الأمريكية ورصدت له ميزانية اقتطعتها من عائدات النفط الخليجي. هذا يعني أن الحرب طويلة ودامية ومدمرة، وأنه لا سبيل لدفع عدوان الجيش المذكور، إلا بإحياء المشترك العروبي من المنطقة المغاربية حتى بلاد الرافدين مرورا بوادي النيل وبلاد الشام، ليكون أساسا لركائز حركة تحرر عربية عصرية، قادرة على أن تُعطّل أذى التورم الوهابي السرطاني كأداة للإاتعمار الجديد.