التعريف بالكتاب: كان كتاب قاسم أمين ”1863- 1908م” ”تحرير المرأة - 1899” أول كتاب أثار زوبعة، أومعركة فكرية واجتماعية في الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين، مما دفع مجموعة من الكتّاب إلى الردّ عليه أهمهم: مقدمة: .. ولكن، وأسفاه، قد تغلبت على هذا الدين الجميل أخلاق سيئة ورثناها عن الأمم التي انتشر فيها الإسلام، ودخلت فيه حاملة لما كانت عليه من عوائد وأوهام، ولم يكن العرفان قد بلغ بتلك الأمم حدّا يصل بالمرأة إلى المقام الذي أحلتها الشريعة فيه وكان أكبر عامل في استمرار هذه الأخلاق توالي الحكومات الاستبدادية علينا. تجرّدت الجمعيات الاسلامية على اختلاف الأزمان والأماكن من النظامات السياسية التي تحدد حقوق الحاكم والمحكوم، وتخول للمحكومين مطالبة الحاكم بالوقوف عند الحدود المقررة بمقتضى الشريعة والنظام ،بل أخذت حكومتها الشكل الاستبدادي دائما ،فكان لسلطانهم وأعوانه سلطة مطلقة فحكموا كيف شاءوا بلا قيد ولا استشارة ولا مراقبة، وأداروا مصالح الرعية بدون أن يكون لها صوت فيها. نعم كان الحاكم صغيرا أو كبيرا ملزما بإتباع العدل واجتناب الظلم،لكن من المجرب أن السلطة الغير المحدودة تغري بسوء الاستعمال إذا لم تجد حدا تقف أمامه، ورأيا يناقشها وهيئة تراقبها؛ ولهذا مضت القرون على الأمم الاسلامية وهي تحت حكم الاستبداد المطلق، وأساء حكامها في التصرف، وبالغوا في اتباع أهوائهم ،واللعب بشؤون الرعية بل لعبوا بالدين نفسه في أغلب الأزمنة، ولا يستثنى منهم إلا عدد قليل لا يكاد يذكر بالنسبة إلى غلبهم . إذا غلب الاستبداد على أمة لم يقف أثره في الأنفس عند ما هو في نفس الحاكم الأعلى ولكنه يتصل منه بمن حوله ،ومنهم الى من دونهم، وينفث روحه في كل قوي بالنسبة لكل ضعيف متى مكنته القوة من التحكم فيه، يسري ذلك في النفوس رضي الحاكم الأعلى أم لم يرضى. كان من أثر هذه الحكومات الاستبدادية أن الرجل بقوته أخذ يحتقر المرأة في ضعفها، وقد يكون من أسباب ذلك أن أول أثر يظهر في الأمة المحكومة بالاستبداد هو فساد الأخلاق. قد يمكن أن يُتوهم من أول وهلة أن الشخص الواقع عليه الظلم يحب العدل، ويميل إلى الشفقة لما يقاسيه من المصائب التي تتوالى عليه ،لكن المُشَاهد يدلُ على أن الأمة المظلومة لا يصلح جوُّها، ولا تنفع أرضها لنمو الفضيلة، ولا يربو فيها إلا نبات الرذيلة، وكل المصريين الذين عاشوا تحت حكم المستبدين السابقين - وما العهد منهم ببعيد - يعلمون أن شيخ البلد الذي كان يُسلَب ُمنه عشرة جنيهات كان يستردها من الأهالي، والعمدة الذي كان يُضرَب مائة كرباج كان عند عودته إلى بلدته ينتقم من مائة فلاح. ...(يتبع)