الجمارك عجزت عن إكتشاف السلع المقلدة بسبب تأخر مناقصة "أربيتي شبكات خاصة تهرّب الشرائح الإلكترونية من متعاملي النقال إلى السوق السوداء سمعنا الكثير عن سوق الهواتف النقالة والتجهيزات الإلكترونية ب”بالفور” حتى أن العديد من الجزائريين باتوا يطلقون عليه إسم ”جمهورية البورطابل” بالنظر إلى الكم الهائل من الهواتف التي تدخل السوق والتي تمثل أحدث صيحات التكنولوجيا في العالم إلا أننا لم نكن نعلم بأن ما تتضمنه هذه السوق من تجهيزات خطيرة وحساسة لا توجد حتى بأكبر هيئات الدولة ومقارها الرسمية لتأمينها على غرار المجلس الشعبي الوطني والبنوك والوزارات وهو ما يجعلنا نطرح التساؤل ”كيف يستطيع تجار ”الشنطة” تمرير تجهيزات بهذه الحساسية؟ ومن هي الجهات التي تقف وراء فك شيفرة أعقد الهواتف والحواسيب والكاميرات المهرّبة إلى الجزائر من أكبر مصانع العالم؟” كاميرات مراقبة أكثر تطورا من كاميرات مجلس قضاء الجزائر ومطبعة النقود فوجئنا ونحن ندخل سوق بالفور للهواتف النقالة والتجهيزات الإلكترونية بالعدد الهائل من الكاميرات المنصبة خارج السوق وداخل أروقته وبكل جوانب المحلات، بل إن جولة بسيطة بجمهورية ”الموبايل” كما يفضل البعض تسميتها تكشف تزويد هذا السوق بكافة التقنيات الحديثة للمراقبة وكاميرات لم نرها من قبل بقصر الحكومة وحتى بأفخم مقار الدولة والهيئات الرسمية الحساسة على غرار مجلس قضاء الجزائر ومطبعة النقود اللتان تعرضتا للسرقة منذ أشهر وكتبت الصحافة آنذاك أن السبب هو غياب الرقابة والتأمين. وبما أن زيارتنا تزامنت مع خروج معظم تجار سوق ”بالفور” إلى أداء الصلاة في المسجد، شدّ ملاحظتنا ترك أصحاب المحلات تجهيزاتهم في متناول الزبائن، سألنا أحدهم إذا كانوا لا يخافون السرقة ليجيب هذا الأخير :”لا تخافي كل شيء مؤمن هنا، فنحن موصولون عبر الآيفون بكاميرات متواجدة عبر شبكة الأنترنت تنقل لنا لحظة بلحظة ما يحدث داخل محلاتنا وكأننا هنا” وأضاف محدثتنا ”حتى كبار المسؤولين في الدولة لا يمتلكون ما نمتلكه من تجهيزات” مؤكدا أن حجم الأموال والتجهيزات الخطيرة المتواجدة بسوق بالفور تجبر أصحابها على إتخاذ الإحتياطات اللازمة لاسيما وأن اللصوص وقطّاع الطرق منتشرون بكل ركن من أركان هذا الفضاء التكنولوجي الضخم يضيف ذات المتحدث ”بعض التجار يلجأون إلى تأجير ”البوديغارد” الذين نجدهم بقوة عند مدخل السوق، كيف لا ورقم أعمالهم يقدر بعشرات الملايير” حيث أنه ومنذ دخولنا السوق على أساس أننا زبائن نريد تموين محلاتنا ببضعة تجهيزات لم نسمع رقما أقل من مليار سنتيم. مكاتب افتراضية، الجيل 3، الإدارة الالكترونية و”الآيفون” لغة تجار ”بالفور” الشيء الذي يتضح لأي زائر لسوق ”بالفور” هو التقنيات العالية المستعملة هناك والكلمات المتداولة بين التجار الذين يفقهون كل شيء من أمور التكنولوجيا، بل وإنهم يتفوقون على المهندسين والتقنيين المتخصصين في مجال تكنولوجيات الإعلام والإتصال بحكم الخبرة الواسعة التي يتوفرون عليها لدرجة أن أحد التجار هنالك يطلقون عليه إسم السيد ”آيفون” بالنظر إلى معرفته لكل صغيرة وكبيرة مرتبطة بهذا الجهاز، بل وفوجئنا بأن التجار يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن الجيل الثالث والرابع للنقال والحكومة الإلكترونية وتقنية الهاتف المرئي وغيرها من الأمور التي لا نسمعها إلا من عند الخبراء لدرجة أن أحدهم قال لنا ”لو استعانت الحكومة بنا لتجسيد مشروع الحكومة الالكترونية لما عرفت الفشل والتأخر الذي تعيشه اليوم ولما صُنفت في ذيل الترتيب العالمي في مجال التكنولوجيات” كما أكد التجار أن آخر صيحات الهواتف الجديدة متواجدة في ”بالفور” يوم صدورها بالدولة المنتجة وأن الجزائر تتفوق على فرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى في هذا المجال وتبيع الهواتف بأسعار أقل منها وهو ما يطرح إستفهامات عديدة لا يعرف سرّها إلا تجار ”الشنطة” المستوردون لهذه الهواتف. أردنا أن نعرف طريقة البيع والشراء في سوق ”بالفور” وكيف يمكن تشغيل هواتف مشفرة مستوردة عبر ما يعرف بتجارة ”الشنطة” أو ”الطراباندو” لنُصدم بأن تجار سوق ”بالفور” مرتبطين إلكترونيا مع 70 متعامل أجنبي على الأقل يتواصلون معهم يوميا عبر الأنترنت لمدة 24 ساعة و7 أيام في الأسبوع حتى يتمكنوا من فك شيفرة الهواتف والحواسيب والكاميرات المهربة في الحقائب عبر عمولات مشتركة حيث يدفع تجار ”بالفور” للمتعاملين مبلغ 50 بالمائة مما يدفعه الزبون للتاجر مقابل فك الشيفرة وحسب المعلومات التي جمعناها من عند التجار هناك فإن تكلفة فك شيفرة الهاتف تتراوح بين 500 دينار و20 ألف دينار مع العلم أنه من بين المتعاملين الرائدين في هذا الإطار ”فودافون وشركات عملاقة أخرى. وطبقا لذات المصدر فإن تجار ”بالفور” أسسوا مكاتب إفتراضية تجمع بينهم وبين فروع الشركات بإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وكندا والصين وغيرها من البلدان الرائدة إلكترونيا في حين أن عملية فك شيفرة الهاتف تستغرق كأقصى تقدير 48 ساعة وفي بعض الأحيان قد تتم فورا إذا كان الهاتف بسيط ولا يستلزم إجراءات حيث يتكفل المتعاملون الأجانب بحل الشيفرة ويعاد الهاتف أو الجهاز للزبون بعد أن يدفع العمولة التي يتقاسمها التاجر مع المتعامل وهو ما يدر عليهم مبالغ ضخمة، وما فاجأنا خلال زيارة سوق ”بالفور” هو أن عملية فك الشيفرة تتم أيضا بالنسبة للهواتف المسروقة ولا يخفى لأحدنا أن تطور التكنولوجيا جعل قوات الدرك والشرطة قادرة على تجميد الهاتف النقال بعد سرقته بمجرد معرفة ”الرقم السري” له من صاحبه إلا أن الغريب في الأمر هو أن عباقرة ”بالفور” قادرون على إعادة تفعيله عبر حيل جديدة ليصدموا بأن قوات الأمن إقتنت تكنولوجيات حديثة للتمكن من معرفة المكان الذي فكت منه شيفرة الهاتف المسروق حيث فوجئنا خلال زيارتنا للسوق بتشميع عدد من المحلات بسبب فك شيفرة هواتف مسروقة ومنها من قيد أصحابها للسجن لأنهم أصلا لا يملكون رخصة بيع هذه الشرائح ويتحصلون عليها من خلال شبكات. غلاكسي أس 4، لوميا وآخرون ..سلعة ”طايوان” بنصف الثمن ووسائط مطابقة من المعروف لدى الجميع بأن شراء هاتف نقال أو جهاز إلكتروني أو كهرومنزلي من سوق بالفور مهما كان شكله وثمنه يعتبر مغامرة غير مضمونة بإعتبار أن هذا الجهاز قادر على أن يكون مقلدا أو غير مطابق للمعايير، وبالرغم من أن ”الإخوة” الذين تمرسوا بيع الهواتف النقالة هناك أوجدوا قانونا لأنفسهم يسمح لهم بالبيع والشراء وفقما تقتضيه السوق على غرار الضمان من خلال منح الزبون إمكانية إعادة الجهاز قبل إنقضاء 48 ساعة من بيعه في حال ما إذا إكتشف فيه أي عيب. ويعترف الباعة هناك بترويجهم لهواتف نقال مغشوشة وقال أحد التجار الذين التقيناهم ”آخر صيحات الهواتف النقالة في بالفور ”غلاكسي أس4” لسامسونغ ونحن نمتلك الهاتف الأصلي حتى قبل أن تشرع الشركة المنتجة في تسويقه في الجزائر بشهرين كما أننا تعمدنا تحطيم سعره في السوق ليباع ب66 ألف دينار وهو السعر الأقل من ذلك الذي يعرضه المتعاملون الثلاث، إلا أن ما تجهلونه هو أننا نمتلك قطعتين من هذا الهاتف قطعة أصلية بالسعر السالف ذكره وقطعة مقلدة ب25 ألف دينار إستقدمناها من دبي وبكين وفيتنام”، وحينما سألناه كيف يمكن التمييز بين القطعة الأصلية والمقلدة أجابنا بكل ثقة ”حتى وزير البريد موسى بن حمادي ومدير شركة سامسونغ عاجزون عن إكتشاف الفرق، والطريقة الوحيدة التي يتسنى بها ذلك هو إعتماد مكالمات مرئية وفق تقنية الجي 3 وبما أن الحكومة لم تطلق الجيل الثالث ولا تنوي ذلك فنحن مستعدون لإغراق السوق بهذا النوع من الهواتف وإذا كانت الدولة ترغب في التصدي للسلع المقلدة عليها بمواجهة التهريب على الحدود أولا، فلسنا نحن من يسمح بدخول هذا النوع من السلع”. وفي سياق ذي صلة، أخبرنا تاجر آخر أن فقط تجار ”بالفور” يستطيعون تمييز الهواتف المغشوشة من الأصلية بحكم الخبرة التي يمتلكونها كما أن عملية الإستيراد تتم عن طريق مصنعين خواص بدبي والصين يصنعون هواتف مغشوشة خصيصا للجزائريين بناء على طلبات يتلقونها من تجار ”بالفور” وفق هامش ربح محدد ليستأذننا قائلا ”إسمحوا لي وقت الصلاة لا يمكنني مواصلة البيع”. وبين هذا وذاك صدمنا بمحلات مخصصة لبيع العلب الخاصة بالهواتف النقالة والتجهيزات الإلكترونية لمن يريد تقليد سلعه أو إعادة بيع سلع مستعملة على أساس أنها جديدة والأكثر من ذلك أن سعر ”الكرطونة” كما يسميها التجار يختلف بإختلاف الهاتف وكلما زاد سعر الهاتف زاد سعر علبته ومن العلب ما يباع ب2000 دج ومنها ما يباع ب200 دج حسب طبيعة التجهيز. شرائح الهاتف النقال .. من المتعامل إلى ”بالفور” إلى الجماعات الإرهابية لم نكن نتصور أن تباع الشرائح الإلكترونية للهاتف النقال بالكيلو والجملة على مستوى سوق ”بالفور” أو مملكة ”البورطابل” وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما صودفنا بمحلات وطاولات فوضوية تستعرض شرائح إلكترونية للمتعاملين الثلاث الناشطين في السوق الوطنية والمتمثلة في جازي ونجمة وموبيليس مقابل ثمن بخص حيث تباع هذه الشرائح ب30 دينار للواحدة وإذا كان أصحاب بعض المحلات قد أكدوا لنا أنهم يتوفرون على الوثائق القانونية ورخصة بيع هذه الشرائح وأن العملية تتم بما يسمح به القانون عبر الحصول على نسخة طبق الأصل لبطاقة التعريف أو رخصة سياقة الزبون سواء كان مشتريا لشريحة واحدة أو بالجملة، فإن البعض الآخر أكدوا لنا أن العملية تتم دون وثائق لأنهم لا يملكون أصلا رخصة بيع هذه الشرائح ولا الشريحة الإلكترونية التي تسمح بفك شيفرتها. هنا تظاهرنا بأننا زبائن قدمنا لشراء كمية من الشرائح الإلكترونية للمتعاملين الثلاث وبعد جولة على مستوى سوق ”بالفور”، وجدنا ضالتنا عند رجل ملتح يقال أنه يحترف المهنة طلبنا منه توفير لنا كمية من هذه الشرائح لنعيد بيعها في محلنا الخاص فقال لنا ”أنا قادر على تلبية طلبكم، كم تريدون مليار أو مليارين؟” وكان يقصد هنا مليار سنتيم من الشرائح مع العلم وكما سبق القول أن ثمن الشريحة يتراوح بين 30 إلى 80 دينار بسعر الجملة كأقصى تقدير، وكان السؤال الذي تبادر إلى أذهاننا على الفور كم يمتلك هذا التاجر من الشرائح وكيف إستطاع الحصول عليها خاصة وأنه إعترف لنا أنه لا يملك الوثائق لتقنينها وأنه علينا الحصول على شريحة فك الشيفرة أو إمتلاك ”معريفة” على حد قوله لدى موزع أو نقطة بيع متعاقدة مع المتعاملين الثلاث للتمكن من تقنين إستعمالها وتسهيل إعادة بيعها، هنالك إنطلقنا في رحلة جديدة للبحث عن مصدر هذه الشرائح وبعد تحري عميق أكد لنا أحد باعتها أن مصدرها شبكات خاصة مكونة من موزعين ونقاط بيع بالجملة وتجار كبار يهربونها من شركات النقال إلى السوق السوداء. وكان من الصدفة أن تتزامن زيارتنا لسوق ”بالفور” مع اقتحام مفتشين للشرطة المحلات وتشميعهم لعدد منها، منهم من غلقت محلاته لأزيد من شهر على غرار تاجر باع شريحتين للنقال دون أن نذكر المتعامل لفتاتين دون بطاقة تعريف ليتضح فيما بعد أنهما إرهابيتين وأن الشريحتين استعملتا للمساس بالأمن العام. خرجنا من السوق ونحن نتساءل ”ما هو سبب غياب الرقابة عن ”بالفور” لاسيما وأن التجار أخبرونا أنه نادرا ما يتم دفع الضرائب وتسديد مستحقات الحكومة؟”.