صرّح رئيس عصابة سوناطراك والوزير السابق للمحروقات، الأمريكي الجنسية، والذي كان أحد أهم الأرقام في وزراء الرئيس، أمس ل”الفجر”، أنه ليس لديه ما يخفيه، وأنه لم يساعد أي شخص للحصول على صفقات. قد يكون الرجل محقا في شيء مما قاله، لأن اللصوص الكبار عادة ما يكون لهم عصابة تحت اليد حتى لا يتركون بصماتهم على ”مقافل” الخزائن، وحتى لا يتركون للقضاء دليلا لإدانتهم، وطبعا ليس شكيب خليل من كان يمنح الصفقات مثلما قال، فهذه أيضا كلف بها أناسا آخرين، ومنهم زوجته الأمريكية الفلسطينية وابنة شقيقة الرئيس الراحل عرفات، نجاة عرفات التي كانت تدير مجموعة من مكاتب الاستشارة في باريس وفي جهات أخرى، من هذه المكاتب تشرف عليها بنات شخصيات من محيط الرئيس، نافذة في السلطة، مما يعرف إعلاميا بجماعة تلمسان، شخصيات تربط بينها وبين حرم الوزير علاقة صداقة في الظاهر، وفي الواقع تعمل بمثابة شركات ”مناولة” لدى سيدة سوناطراك الأولى آنذاك. وليس من الغباء أن تصدر العدالة الجزائرية أمرا دوليا بالقبض على زوجة شكيب ونجليه لو لم تكن الأسرة كلها عبارة عن عصابة. لكن ماذا عن الآخرين، أصحاب ”مكاتب المناولة” التي تسمى اعتباطا، مكاتب استشارة؟! تصريح شكيب خليل هذا لن يبعد عنه التهمة، ولو كان بريئا لتقدم إلى العدالة وأثبت أنه كذلك، فقد صرح بأنه استدعي للمثول أمام العدالة، لكن طبيبه نصحه بعدم السفر لمدة شهرين، ما يعني أنه كان يعلم علم اليقين بأنه غارق في الفضيحة وبدأ يحضر كيف يحمي نفسه من تبعاتها، متسترا ربما وراء جنسيته وجنسية أفراد أسرته الأمريكية، وهو ما كان يخشى منه السياسيون والإعلاميون في الجزائر عندما كانوا يدينون مسألة تعيين وزراء غير جزائريين في حكومة فخامة الرئيس. لكن هل ستحمي أمريكا هذا الرجل الذي خدمها من الجزائر، ومن على رأس الأوبيب التي كان يترأسها، وتمنع يد العدالة الجزائرية من الوصول إليه؟ وهل شكيب خليل أهم عند أمريكا من مبارك الذي تخلت عنه لما لفظه الشارع؟ فهل ستتخلى أمريكا عن خليل والقضاء الجزائري يطلبه باسم الشعب الجزائري الذي نهب أمواله؟ ها هي أمريكا التي تدعي حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتدعو لمحاربة الفساد في بلداننا، أمام امتحان حقيقي. فهل ستسلمنا خليل وشركاءه في الفساد، أم ستحميه وتمنع القضاء الجزائري من الوصول إليه؟ الأمر يتوقف على جدية السلطة الجزائرية وعدالتها، فإذا ما توفرت هناك نية حقيقية للمطالبة بترحيل هذا اللص، وتقايض الأمر بمصالح مشتركة بين البلدين، فإن أمريكا ستذعن وتسلم الوزير، لكن الأهم من هذا كله هل ستمكننا من استرجاع أموالنا المنهوبة؟ التجارب الأخيرة في الثورات العربية، أظهرت أن استرجاع أموال الدكتاتوريات والفساد ليس أمرا سهلا، بل إنه مستحيل، وما زالت تونس وليبيا ومصر تطالب بأموالها المهربة إلى الخارج ولم تفلح، مثلما أمضت الفلبين أزيد من عشرين سنة قبل أن تسترجع الأموال التي هربها ماركوس إلى الخارج. فهذه البلدان التي تدعي الشفافية والوقوف في وجه الفساد ما كانت لتقبل بدخول مبالغ خيالية آتية من بلدان العالم الثالث إلى بنوكها لو كانت لديها نية لإرجاعها لأصحابها. وعليه فإن مسألة القبض على شكيب خليل لا فائدة ترجى منها إذا لم تمكننا من استرجاع أموالنا من البنوك الأمريكية والأوروبية. فهل نكتفي بتوفير سجن مريح لشكيب وعائلته فقط؟ شيء آخر لابد من قوله قبل الختام، فما دام أن مسألة الفساد المتورط فيها الوزير بدأت سنة 2003، وهو ما كان يكتبه الزميل محمد بن شيكو في صحيفة ”اليوم”، وكانت كتاباته السبب الحقيقي لسجنه مدة سنتين. فهل العدالة اليوم مستعدة لإعادة النظر في قضية بن شيكو وإعادة الاعتبار له؟