كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية. يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية. وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
الجزء الرابع من 1981 إلى اليوم الفصل السادس والعشرون موت رئيس الإكوادور لم يكنْ تركُ مين بالأمر السهل. فلم يقبلْ بول بْرِدي أن يُصدِّقَني. غمزني وقال، “كذبة نيسان.” أكّدتُ له أنني كنت جادّاً. وإذ تذكّرْتُ نصيحةَ بولا أنّ عليّ ألا افعل شيئاً يستعدي أحداً أو يُثيرُ الشكّ بأني قد أُفشي اسرارَ عملي كقاتل اقتصادي، أكدتُ له أنني أقدِّرُ كلَّ ما فعلتْه شركةُ مين لي، ولكنني أريدُ أنْ آخذ سبيلي. كنتُ دائماً أودُّ أنْ أكتبَ عن الناس الذين عرّفتني بهم مين حول العالم، ولكنْ لا شيءَ في السياسة. وقلتُ إنني أودُّ أنْ أعمل كاتبا مستقلا مع مجلة ناشُنَل جيوغرافِك ومجلاتٍ أخرى، وأنْ أُواصل الترحال. كذلك أعلنتُ ولائي لشركة مين وأقسمتُ أنني سأتغنى بمديحها في كل مناسبة. أخيرا وافق بول. بعد ذلك، أراد كلُّ واحدٍ أنْ يُقنعني بألا أستقيل. ذُكِّرتُ كثيرا بالخير الذي جنيتُه، بل اتُّهِمْتُ بالجنون. علمتُ أنه ما من أحدٍ كان يتقبّلُ حقيقةَ أنِّي أُغادر بمحض إرادتي، ولو جزئيا على الأقل، لأن ذلك يُجبرهم على النظر إلى أنفسهم. فلو لم أكنْ أترك لمسٍّ أصابني، فقد يكون عليهم أن ينظروا في سلامة عقولهم حين يبقَوْن. كان أسهلَ عليهم أن يرَوْني فاقدا عقلي. أزعجتني بشكلٍ خاصّ ردةُ فعل موظفي مكتبي. ففي أعينهم أنني كنتُ أتخلّى عنهم، وما من وريثٍ ظاهر ليحلَّ محلي. بيد أني كنتُ حسمتُ قراري. فبعد كلِّ تلك السنينَ من التذبذبِ، أصبحتُ مصمما على نصر نظيف. لسوء الحظ، لم يكن الأمر كذلك. صحيحٌ أنه لم يعدْ لديّ عمل، ولكنْ، لأنني لم أكنْ شريكا مُخوَّلا تماماً، فإن قيمة أسهمي لم تكنْ كافية للتقاعد. فلو بقيتُ في شركة مين بضع سنين أخرى، فقد أصبحُ المليونيرَ ذا الأربعين عاما الذي حلمتُ به ذات يوم. بيد أني، في الخامسة والثلاثين من عمري، كان أمامي طريقٌ طويلٌ لتحقيق ذلك الهدف. بلى، كان باردا مخيفا شهرُ من نيسانَ ذاك في بوسطن. ذات يوم بعد ذلك، هاتفني بول بْرِدي ورجاني أنْ آتيه في مكتبه. قال لي، “إن أحدَ عملائنا يُهدِّدُ بتركنا. فقد استخدمونا لأنهم كانوا يُريدونك أنتَ أنْ تُمثِّلَهم في إعطاء شهادة الخبرة.” فكّرتُ بها مليّاً. وفي الوقت الذي كنتُ أجلس فيه أمام بول في مكتبه، أخذتُ قراري. حددتُ السعرَ الذي أطلبه – أتعاباً تبلغ ثلاثة أضعاف ما كان عليه راتبي لدى مين. ولدهشتي، وافق عليها، وهو ما جعلني أبدأ سيرة عمل جديدة. أصبحتُ في السنوات التالية أعملُ كشاهد خبرة عالي الأجر – بصورة رئيسية لدى الشركات الكهربائية الأمريكية التي تسعى إلى موافقة لجان المنافع الكهربائية العامة على إنشاء محطات كهربائية جديدة. وكانت إحدى عميلاتي شركةُ الخدمة العامة في نيوهَامْبْشَيَر. كانت مُهمّتي أن أُبرِّر، تحت القَسَم، الجدوى الاقتصادية لمحطة سيبرُك للطاقة النووية المثيرة جداً للجدل. بالرغم من أنني لم أعدْ على علاقةٍ بأمريكا الجنوبية، فقد بقيتُ متابعاً للأحداث هناك. وإذ توافر لي وقتٌ طويلٌ بين مواعيد ظهوري على منصات الشهادة، بقيتُ على اتصال ببولا وجددتُ صداقاتي من أيامَ فرقة السلام في الإكوادور – وهو بلدٌ قفز فجأةً إلى المسرح الرئيسي في عالم سياسات النفط الدولية. كان جيم رُلْدُس ماضياً قُدُما في السبيل الذي اختطّه. وإذ أخذ وعود حملته الانتخابية على محمل الجد، أخذ يشنُّ هجوماً واسعا على شركات النفط. وكان يرى بوضوح ما لم يكن يراه الكثيرون غيره على جانبي قناة بنما، أو كانوا يتجاهلونه. كان يُدرك التياراتِ التحتيةَ التي تُهدد بتحويل العالم إلى إمبراطورية عالمية وبالحطِّ من مواطني بلده إلى دور تافهٍ على شفا العبودية. وحين كنتُ أقرأ مقالاتِ الجرائد عنه، كنتُ أُعجبُ ليس بالتزامه حسب، بل بقدرته أيضاً على إدراك القضايا الأعمق، وهي التي تشير إلى حقيقة أننا ندخل عصراً جديداً من سياسات العالم. في تشرين الثاني 1980، خسر كارتر انتخابات الرئاسة الأمريكية لرونَلد ريغَن. وقد كانت العواملُ الرئيسيةُ وراء ذلك معاهدةَ قناة بنما التي تفاوَضَ فيها مع توريجُس، والوضعَ في إيران، خاصةً الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية، والمحاولة الفاشلة في إنقاذهم. بيد أن شيئاً أكثر مكراً كان يحدث. فقد ذهبَ رئيسٌ كان هدفُه الأعظمُ سلامَ العالم وكان مُكرِّساً نفسه لتخفيف اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط، ليحلَّ محِلّه رجلٌ مؤمنٌ بأنّ مكانَ الولاياتالمتحدة الصحيحَ هو قمةُ هرم العالم محمياً بالعضلات العسكرية، وأن السيطرة على حقول النفط أينما وُجدتْ إنما هو جزء من “بيان المصير”. ذهبَ رئيسٌ كان قد ركّب على سطح البيت الأبيض ألواحاً شمسيةً، ليحلَّ محِلّه واحدٌ ما إن احتل المكتبَ البيضاوي حتى أزالها. لعلّ كارتر كان سياسياً غير فعّال، لكنه يحمل رؤية لأمريكا متوافقةً مع ما حدده إعلانُ الاستقلال. وبالنظر إلى الخلف، يبدو الآن ذا تفكير عفا عليه الدهرُ، ملتزماً بالمُثُل التي شكّلتْ هذه الأمةَ واجتذبت الكثيرين من أجدادنا إلى شواطئها. وحين نُقارن بينه وبين سلفه وخلفه المباشرين، نجده شاذاً عنهم. لقد كانت نظرتُه إلى العالم غير متوافقة مع القتلة الاقتصاديين. أما ريغَن، فمن المؤكد أنه كان بانياً للإمبراطورية العالمية وخادما لسلطة الشركات. وفي أيام الانتخابات، وجدتُ مناسباً له أنْ يكون ممثلا من هوليوُد، رجلا يتبع أوامر سادته الذين يعرفون مقاصدهم. هذا هو طابعه. إنه يخدم أولئك القوم الذين يتنقلون من مناصب المديرين العامين في الشركات، إلى مجالس إدارات البنوك، فإلى المناصب الحكومية العليا. إنه يخدم الرجال الذين يبدون كأنهم يخدمونه، لكنهم هم حقيقة من يُسيِّرون شؤون الحكومة – من هؤلاء نائبُ الرئيس جورج بوش [الأب]، ووزير الخارجية جورج شُلْتْز، ووزير الدفاع كاسبر واينبيرغر، ورِتشَرد تشيني، ورِتشَرد هِلْمز، وروبرت مكنَمارا. إنه يدافعُ عما يريده هؤلاء الرجال: سيطرة أمريكا على العالم وعلى موارده، وطاعة العالم لأوامرها، وفرض جيشها القوانينَ التي تضعُها، ونظاماً تجاريا ومصرفيا دولياً يدعم أمريكا رئيسة عليا للإمبراطورية العالمية. وإذ كنتُ أنظر إلى المستقبل، بدا لي أننا نلجُ حقبةً ستكون جيدة للقتلة الاقتصاديين. لقد كان انعطافَ مصيرٍ آخرَ أنني اخترتُ تلك اللحظة من التاريخ للخروج. وكلما تفكّرتُ بها، كلما شعرتُ بالارتياح. كنتُ أعلمُ أن توقيتي صحيح. أما ما يعني ذلك في المدى البعيد، فلستُ منجّماً في الغيب. لكنني أعلم من التاريخ أنّ الإمبراطورياتِ لا تخلد، وأن عقارب الساعة تتحرك في الاتجاهين. ومن منظوري أرى أن رجالا مثل رُلْدُس يحملون الأمل. كنتُ متأكدا من أن رئيس الإكوادور الجديد مدركٌ للكثير من المكر الكامن في الوضع الجاري. كنتُ أعلمُ أنه مُعجبٌ بتوريجُس ومُقدِّرٌ لكارتر موقفَه الشجاع من قضية قناة بنما. وكنتُ أشعرُ شعوراً أكيداً أنَّ رُلْدُس لن يتردد، وليس لي إلا أنْ آمل في أنّ ثباته سوف يضيء شمعةً لقادة الدول الأخرى، الذين كانوا في حاجةٍ إلى وحيٍ باستطاعته هو وتوريجُس أن يقدماه. في وقتٍ مبكر من عام 1981، عرضتْ إدارةُ رُلْدُس رسميا قانون الهايدروكربون الجديد على البرلمان الإكوادوري، وهو قانونٌ إنْ تم تطبيقه، فمن شأنه أنْ يُصلح علاقة البلاد بشركات النفط. وقد اعتُبر، بمقاييس كثيرة، ثوريا، بل متطرفا. ومن المؤكد أنه كان يهدف إلى تغيير الطريقة التي تدار بها الأعمال. أما تأثيره، فسوف يمتد بعيداً خارج حدود الإكوادور، إلى الكثرة من دول أمريكا اللاتينية وجميع أرجاء العالم.1 ردّتْ شركاتُ النفط بما كان متوقعا منها – تحلَّلتْ من كل الموانع. أخذ العاملون في العلاقات العامة لديها يعملون على تسويد صفحة جيم رُلْدُس، وهرول جماعة الضغط فيها إلى كويتو وواشنطن، يحملون حقائب مليئة بالتهديدات والرشاوى. لقد أرادوا تصوير أول رئيس إكوادوريٍّ منتخبٍ ديمقراطيا في العصر الحديث على أنه كاسترو آخر. لكنّ رُلْدُس لم يكن ليُذعن للتخويف. رد بشجب المؤامرة بين النفط والسياسة – والدين. وبالرغم من أنه لم يُقدِّم إثباتا ملموساً، فقد اتهم معهدَ اللغاتِ الصيفيَّ بالتواطؤ مع شركات النفط، وفي خطوة جريئة جدا، أمر هذا المعهد بمغادرة البلاد.2 بعد أسابيع فقط من إرسال رزمته التشريعية إلى البرلمان، وبعد يومين من طرد المبشرين التابعين لمعهد اللغات الصيفي، حذّر رُلْدُس جميع المصالح الأجنبية، ومنها شركاتُ النفط، بأنها ما لم تُطبقْ خططا لمساعدة الشعب الإكوادوري، فسوف تُجبَرُ على مغادرة البلاد. وقد ألقى خطابا مٌهما في ملعب أتاهُوَالبا الأولمبي في كويتو، ومن ثَمّ توجّه إلى قريةٍ صغيرةٍ في جنوب الإكوادور. هناك مات باحتراق طائرته وتحطُّمِها في 24 أيار 1981.3 صُدم العالم، وعمّ الغضبُ أمريكا اللاتينية، وانفجرت الجرائد في أنحاء نصف الكرة معلنة، “الاغتيال الذي دبّرته وكالة الاستخبار المركزية!” وبالإضافة إلى حقيقة كره واشنطن وشركات النفط له، ظهرت أحداثٌ تدعم هذه المزاعم، وكبرت مثلُ هذه الشكوك حين عُرفتْ حقائق إضافية. لم يثبتْ شيء أبدا، لكن شهود عيانٍ زعموا أنّ رُلْدُس، وكان حُذِّر مسبقا بوجود محاولة لاغتياله، كان قد اتخذ احتياطات، بما فيها السفر بطائرتين. وفي اللحظة الأخيرة، كما قيل، أقنعه أحد ضباط أمنه بركوب الطائرة الشَّرَك. بالرغم من ردة فعل العالم، فإن الأخبار كادت لا تُذكر في صحافة الولاياتالمتحدة. تولى رئاسة الإكوادور أوزفَلدو هُرتادو. وتحت إدارته، استمرَّ معهدُ اللغاتِ الصيفيُّ يعمل في الإكوادور، ومُنح أعضاؤه تأشيرات خاصة. وبحلول نهاية السنة، كان قد ابتدأ برنامجاً طموحاً لزيادة الحفريات النفطية التي تقوم بها تكسَكو والشركاتُ الأجنبية الأخرى في خليج غْواياكِل وحوض الأمازون.4 في تأبينه رُلْدُس، وصفه عمر توريجُس ب”الأخ”. واعترف هو الآخرُ بكوابيسَ تأتيه حول اغتياله؛ فقد رأى في المنام نفسَه يسقط من السماء في كرة نار ضخمة. وكانت نبوءته صحيحة. .. يتبع 1 John D. Martz, Politics and Petroleum in Ecuador (New Brunswick and Oxford: Transaction Books, 1987), p 272. 2 Gerard Colby and Charlotte Dennet, They Will Be Done, The Conquest of the Amazon: Nelson Rockefeller and Evangelism in the Age of Oil (New York: Harper-Collins, 1995), p 813. 3 Martz, op. cit., p 303. 4 Martz, op. cit., pp 381, 400..
في تشرين الثاني 1980، خسر كارتر انتخابات الرئاسة الأمريكية لرونَلد ريغَن. وقد كانت العواملُ الرئيسيةُ وراء ذلك معاهدةَ قناة بنما التي تفاوَضَ فيها مع توريجُس، والوضعَ في إيران، خاصةً الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية، والمحاولة الفاشلة في إنقاذهم. بيد أن شيئاً أكثر مكراً كان يحدث.