كتاب ل”جون بيركنز” العميل السابق لوكالة الامن القومي الاميركية ، يقدّم فيه شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث وإغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بينما تسرق الشركات المتعددة الجنسيات، مثل هاليبرتون و بيكتل مواردها بحجة التنمية. يقول بيركنز ان القتلة الاقتصاديين هم قتلة محترفون، يقبضون أعلى الأجور، ليبتزوا رؤساء الدول في شتَّى أنحاء العالم، ويسرقوا مليارات الدولارات منها. وكان بيركنز نفسه أحد هؤلاء القتلة،جنّدته (سي آي إيه) سرّاً، وعمل معها تحت غطاء عمله في شركة استشارية دولية، فزار أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الاستراتيجية الأميركية. وكانت مهمّته تتركّز على تطبيق السياسات التي تخدم مصالح تحالف أميركي، يضمّ الحكومات،والشركات في الوقت نفسه العمل على تسكين أعراض وآثار الفقر إجراءات ظاهرية خادعة. وترك الكاتب وظيفته بعد تفجيرات11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة- الذي كان هو نفسه يوما واحد منهم – من خلال كتابه اعترافات قاتل اقتصادي، وأهداه إلى روحَي رئيسين سابقين، لدولتين من دول امريكا اللاتينيَّة، هما الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس، والرئيس الأسبق لبنما عمر تورِّيخوس، وكلاهما قُتلا في حادث طائرة مُفتعل على حدِّ وصف الكاتب، ذلك “لأنَّهما وقفا في وجه الشركات والمصارف والحكومات التي تهدف إلى إقامة إمبراطوريَّة عالميَّة عن طريق نهب ثروات بلدانهم الطبيعية . والذي ذهب هو بنفسه اليهما وحاول ابتزازهما ولكنهما رفضا ، فتعرضا للاغتيال بأسقاط طائراتيهما الرئاسيتان.الكتاب ترجمه الكاتب الاردني بسام ابو غزالة
طالبَ أتباعُ آيةِ الله الخمينيِّ بعودته. وفي تشرين الثاني 1979، استولت جماهيرُ إسلاميةٌ عنيفةٌ على سفارة الولاياتالمتحدة في طهرانَ وألقت القبض على اثنين وخمسين أمريكيا أُخِذوا رهائن لمدة دامت 444 يوما.2 حاول الرئيسُ كارتر أن يُفاوضَ على إطلاق سراح الرهائن. وحين فشل، أذِنَ لحملة إنقاذٍ عسكرية خرجتْ إلى مهمتها في نيسان 1980. فتمخضت عن مصيبةٍ، وكانت في ما بعدُ المطرقةَ التي أنفذت المسمارَ الأخير في نعش رئاسة كارتر. ضغطتْ مجموعاتٌ تجاريةٌ وسياسيةٌ أمريكيةٌ ضغطاً هائلاً أجبر الشاه المصابَ بالسرطان على مغادرة الولاياتِالمتحدة. ومنذ مغادرته طهران، كان يواجه وقتاً عصيباً وهو يبحثُ عن ملاذ؛ فلقد تخلّى عنه أصدقاؤه القدامى جميعا. بيد أنّ الجنرال توريجُس أبدى تعاطفه المعهود وعرض على الشاه اللجوءَ إلى بنما، بالرغم من كرهه الشخصيِّ لسياساته. وصل الشاهُ واستلم ملاذه في المنتجع ذاته حيث جرت المفاوضاتُ حديثاً حول معاهدة قناة بنما الجديدة. طالب علماءُ الدين بعودة الشاه مقابلَ الإفراج عن رهائن السفارة. فاتَّهَم معارضو معاهدة القناة في واشنطن الجنرالَ توريجُس بالفساد والتواطؤ مع الشاه، وبتعريض أرواح المواطنين الأمريكيين للخطر. كذلك طالبوا بردّ الشاه إلى آية الله الخميني. ومن السخرية أنّ الكثرةَ من هؤلاء الناس أنفسهم، حتى ما قبل بضعة أسابيع، كانوا أشدَّ الناس دعماً للشاه. وفي نهاية المُطاف، عاد إلى مصر ملكُ الملوك الذي كان يوماً من المتكبِّرين ليقضيَ فيها نحبَه بالسرطان. لقد تحققتْ نبوءة (دُك). فقد خسرتْ شركةُ مين ملايين الدولارات في إيران، كما خسر مثلها الكثرةُ من منافسينا. وخسر كارتر انتخابَه لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية. وحلّتْ في واشنطن إدارةُ ريغَن-بوش مطلقةً الوعود بتحرير الرهائن، والإطاحة بعلماء الدين، وإعادة الديمقراطية إلى إيران، وتصحيح وضع قناة بنما. كانت الدروسُ بالنسبة إليّ لا تقبلُ الدحض. فقد بيّنت إيرانُ، بما لا يترك موضعاً للشك، أنّ الولاياتِالمتحدةَ كانت دولةً تعملُ على التنكُّر لحقيقةِ دورنا في العالم. فليس مفهوماً أننا كنا مُضلَّلين حول الشاه وتيّار الكراهية المندفع ضده. حتى نحن العاملين في شركات مثل مين، التي كان لها مكاتبُ وموظفون في تلك البلاد، لم نكنْ نعلم. كنتُ واثقاً من أنّ وكالة الأمن القوميِّ ووكالةَ الاستخبار المركزية كانتا تريان ما كان واضحا لتوريجُس، حتى حين اجتمعتُ به عام 1972. لكنّ استخباراتِنا تعمّدت تشجيعنا جميعا على إغلاق أعيننا.
1 لمعرفة المزيد عن صعود الشاه إلى السلطة، راجع: 1 H.D.S. Greenway, “The Iran Conspiracy,” New York Review of Books, September 23, 2003; Stephen Kinzer, All the Shah's Men: An American Coup and the Roots of Middle East Terror (Hoboken, NJ: John Wiley & Sons, Inc., 2003) 2 See TIME magazine cover articles on Ayatollah Ruhollah Khimeini, February12, 1979, January 7, 1980, and August 17, 1987.
الفصل الحادي والعشرون كولُمبيا: حجر الزاوية في أمريكا اللاتينية بينما قدّمتْ السعوديةُ وإيرانُ وبنما دراساتٍ رائعةً ومزعجة فقد كانت استثناءً للقاعدة. ذلك أنه بسبب ما لدى الدولتين الأوليين من مخزونٍ نفطيٍّ وبسبب وجود القناة في الثالثة فإنها لم تلائم النموذج المتبع. لكنّ وضع كولُمبيا كان نموذجيا وكانت شركةُ مين الشركةَ الهندسيةَ الرئيسية والمُصممة لمشروع كهرومائيٍّ ضخم هناك. أخبرني ذات يوم أستاذٌ جامعيٌّ كولُمبيٌّ يكتبُ كتاباً عن تاريخ العلاقات الأمريكية الشاملة أنّ تِدي روزفلت كان مُقدِّراً لأهمية بلاده. وقد رُوي عن هذا الرئيس الأمريكيّ والمتطوّع السابق في وحدة “الفرسان الاشداء”* أنه إذ كان يُشير إلى خريطةٍ أمامه وصف كولُمبيا بأنها “حجر الزاوية في قوس جنوب أمريكا.” لم أتأكدْ قطُّ من هذه الرواية. بيد أنها حقيقةٌ مؤكّدةٌ أنّ كولُمبيا إذ تتربَّعُ في أعلى القارة تبدو أنها تجمعُ بقية القارة معا. فهي تصلُ جميع البلاد الجنوبية ببرزخ بنما فبأمريكا الوسطى والشمالية كلتيهما. سواءٌ وَصفَ روزفلت كولُمبيا بهذه الكلمات أم لا فقد كان واحدا من رؤساءَ كثيرين أدركوا وضعها المحوري. فلقرنين من الزمن تقريباً تنظر الولاياتُالمتحدةُ لكولُمبيا باعتبارها حجر زاوية – أو ربما بتعبير أدق باعتبارها بوابة التجارة والسياسة معاً إلى نصف الكرة الجنوبي. لهذا البلدِ أيضاً جمالٌ طبيعيٌّ أخّاذ: شواطئُ خلابةُ المنظر محفوفةٌ بالنخيل على ساحلَيْ الأطلسيِّ والهادئ وجبالٌ مهيبةٌ وسهولٌ معشوشبةٌ تنافسُ السهولَ الكبرى في منطقة الغرب الأوسط في أمريكا الشمالية وغاباتٌ مطيرةٌ واسعةٌ وغنيةٌ في تنوعها الحيوي. ولسكانها أيضا صفةٌ خاصّةٌ إذ يجمعون المُميِّزاتِ الجسديةَ والثقافيةَ والفنيةَ للخلفيات العرقية المختلفة من التايرونيين المحليين إلى الآتين من أفريقيا وآسيا وأوربا والشرق الأوسط. على الصعيد التاريخيّ قامت كولُمبيا بدور حاسمٍ في تاريخ أمريكا اللاتينية وثقافتها. وفي الحقبة الاستعمارية كانت مقرّ نائب الملك المنتدب لجميع المناطق الإسبانية من شماليّ البيرو إلى جنوبيّ كوستا ريكا. وكانت أساطيلُ سفنِ الذهبِ الشراعيةِ الضخمةِ تُبحرُ من مدينتها الساحلية قرطاجنّة لتنقل الكنوز التي لا تُقدّرُ بثمن من أقصى الجنوب في تشيلي والأرجنتين إلى موانئ إسبانيا. وفي كولُمبيا أيضا وقعت الأعمالُ الحاسمةُ لحروب التحرير. فقد انتصرت قوات سِيمون بوليفار مثلا على الملكيين الإسبان في معركة بوياكا المحورية عام 1819. في العصر الحديث اشتُهرت كولُمبيا بكونها وطنَ بعض ألمع الكُتّاب والفنانين والفلاسفة وغيرهم من المُفكِّرين في أمريكا اللاتينية وكذلك بحكوماتها الحصيفةِ ماليا والديمقراطيةِ نسبيا. وقد أصبحت نموذجا للرئيس كندي في برامجه لبناء الأمة في جميع أرجاء أمريكا اللاتينية. وعلى عكس غواتيمالا لم تتلطّخْ سمعةُ حكومتِها بكونِها من صنع وكالة الاستخبار المركزية؛ وعلى عكس نيكاراغوا كانت حكومتُها منتخبة وهو ما مثّل بديلاً للمستبدين اليمينيين وللشيوعيين. وأخيراً على عكس دول كثيرة أخرى كالبرازيل والأرجنتين القويتين لم تحمل كولُمبيا ريبةً تجاه الولاياتالمتحدة. وبالرغم من شائنة عصابات المخدِّرات لديها استمرت صورة كولُمبيا كحليفٍ يُعتمَدُ عليه.1 بيد أنّ أمجادَ التاريخ الكولُمبي كانت تُقابلُها الكراهيةُ والعنف. ذلك أنّ مقرَّ نائب الملك الإسباني كان أيضاً مركزا لمحاكم التفتيش. فقد شُيِّدت القلاعُ الضخمةُ والمزارعُ والمدنُ على عظام الهنود [الحمر] والعبيد الأفارقة. أما الكنوزُ التي كانت تُحمَلُ على سفن الذهب الشراعية الضخمة والتماثيلُ المُقدّسةُ والتحفُ الفنيةُ التي كانت تُسيَّحُ لتسهيل نقلها فكانت تُنتزَعُ انتزاعاً من قلوب القدماء. والثقافاتُ الأثيرةُ نفسُها دمَّرتْها سيوفُ الفاتحين وأمراضُهم. وحديثا تولّدَ عن انتخاباتٍ رئاسيةٍ مثيرة للجدل عام 1945 انقسامٌ عميقٌ بين الأحزاب السياسية أدى إلى “أحداث العنف” (1948-1957)* التي قُتل فيها أكثر من مئتي ألف نسمة. بالرغم من تلك النزاعات والسخافات كانت واشنطن ومركزُ وول ستريت الماليُّ ينظران إلى كولُمبيا كعامل جوهريٍّ في تعزيز المصالح السياسية والتجارية في عموم أمريكا. ويعود هذا إلى عدة عوامل منها بالإضافة إلى موقع كولُمبيا الجغرافيِّ الحاسم أنّ القادة في نصف الكرة ينظرون إلى بوغوتا [عاصمة كولُمبيا] كمصدر للإلهام والريادة وأن هذا البلد مصدرٌ لمنتجاتٍ كثيرة تُباع في الولاياتالمتحدة – كالقهوة والموز والأنسجة والزمرّد والأزهار والنفط والكوكائين – وسوقٌ أيضاً لبضاعتنا وخدماتنا. كانت إحدى أهمّ الخدمات التي بعناها لكولُمبيا خلال نهايات القرن العشرين خبراتنا الهندسية والإنشائية. وقد كانت كولُمبيا نموذجاً لأماكنَ كثيرةٍ عملتُ فيها. فقد كان سهلا نسبياً أن يُبرهن المرءُ أن باستطاعة هذا البلد أن يتحمّل مقاديرَ كبيرةً من الدين ثم يُسددها من المنافع المتحققة من المشاريع نفسها ومن موارد البلد الطبيعية. وهكذا فإن الاستثمارات الضخمة في الطاقة الكهربائية والطرق السريعة والاتصالات من شأنها أنْ تساعد كولُمبيا في فتح مواردها الغازية والنفطية ومناطق الأمازون غير المنمّاة التابعة لها. ومن شأنِ هذه المشاريع أنْ تُنتجَ الدخلََ اللازمَ لسداد القروض والفوائد. كانت هذه هي النظرية. غير أنّ الحقيقةَ المتماشيةَ مع نيَّتنا الحقيقية حول العالم كانت إخضاعَ بوغوتا في سبيل تعزيز الإمبراطورية العالمية. وكما هو الحالُ في أماكن عديدة كانت وظيفتي أنْ أُقدِّمَ الحجة لقروض ضخمة جدا. وإذ لم تنتفعْ كولُمبيا بوجود واحد مثل توريجُس فقد شعرتُ أنّ عليّ أنْ أضع تنبؤاتٍ مبالغاً بها في الاقتصاد والأحمال الكهربائية. .. يتبع * المسماة (Rough Riders) والتي أُلفت عام 1898 من فرسانٍ متطوعين للقتال في الحرب الأمريكية-الإسبانية. [المترجم] * هذه الأحداث سميت باللغة الإسبانية (la Violencia). [المترجم] 1 Gerard Colby and Charlotte Dennet, Thy Will Be Done, The Conquest of the Amazon: Nelson Rockefeller and Evangelism in the Age of Oil (New York: HarperCollins, 1995), p 381.
قامت كولُمبيا بدور حاسمٍ في تاريخ أمريكا اللاتينية وثقافتها. وفي الحقبة الاستعمارية كانت مقرّ نائب الملك المنتدب لجميع المناطق الإسبانية من شماليّ البيرو إلى جنوبيّ كوستا ريكا. وكانت أساطيلُ سفنِ الذهبِ الشراعيةِ الضخمةِ تُبحرُ من مدينتها الساحلية قرطاجنّة لتنقل الكنوز التي لا تُقدّرُ بثمن من أقصى الجنوب في تشيلي والأرجنتين إلى موانئ إسبانيا. وفي كولُمبيا أيضا وقعت الأعمالُ الحاسمةُ لحروب التحرير. فقد انتصرت قوات سِيمون بوليفار مثلا على الملكيين الإسبان في معركة بوياكا المحورية عام 1819.