السيدة بهجة العمالي تشارك بجنوب إفريقيا في الاجتماع المشترك لمكتب البرلمان الإفريقي    الجزائر المنتصرة تفتخر بانجازاتها العظيمة اليوم وغدا    ربيقة يشارك في مراسم تنصيب القائد الأعلى لجيش نيكاراغوا    خارطة طريق لتطوير صناعة قطع الغيار    تعزيز المطارات بأنظمة رقابة رقمية    الإجراءات الجمركية مطبّقة على جميع الرحلات    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    وزارة التربية تشيد بالانخراط الإيجابي في آلية التشاور    نادي ليل يراهن على بن طالب    مولودية الجزائر تطعن في قرار لجنة الانضباط    دراجات/الجائزة الدولية الكبرى لمدينة الجزائر: ياسين حمزة (مدار برو سيكيلنغ) يفوز بنسخة-2025    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    السيد ربيقة يشارك بماناغوا في مراسم تنصيب القائد الأعلى للقوات المسلحة لجيش نيكاراغوا    المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية يؤكد رفضه التام والكامل لكل أشكال التهجير للشعب الفلسطيني    العاب القوى/الملتقى الدولي داخل القاعة في أركنساس - 400 متر: رقم قياسي وطني جديد للجزائري معتز سيكو    الأولمبياد الوطني للحساب الذهني بأولاد جلال: تتويج زينب عايش من ولاية المسيلة بالمرتبة الأولى في فئة الأكابر    دعوة الى جعل الثقافة جبهة حقيقية للمرافعة عن القضية الصحراوية    رئيس الجمهورية يدشن بتيبازة مصنع تحلية مياه البحر "فوكة 2"    تجارة: إدراج تعديلات على نظام تعويض أسعار القهوة (الجريدة الرسمية)    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    وهران : افتتاح الطبعة الثانية لمعرض التجارة الإلكترونية و الخدمات عبر الانترنت    المغرب: احتجاجات تعم عدة مدن رفضا لمشاركة "وزيرة" صهيونية في مؤتمر دولي بالمملكة    الحماية المدنية تنظم بولاية جانت مناورة في الأماكن الصحراوية الوعرة    عطاف يلتقي لافروف    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    العمل بمنحة السفر الجديدة.. قريباً    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات البلاد ابتداء من مساء اليوم السبت    تفكيك عصابة إجرامية حاولت بث الرعب بالأربعاء    جيبلي يعتزم التصدير    صِدام جزائري في كأس الكاف    مسابقة وطنية لأحسن مرافعة    بوغالي يؤكّد ثبات مواقف الجزائر    هلاك 4 أشخاص وإصابة 228 آخرين في حوادث المرور خلال 24 ساعة    جائزة "الرائد سي لخضر" تحتضن توأمة تاريخية بين الزبربر وسي مصطفى    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    غزّة تتصدّى لمؤامرة التهجير    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    مبارتان للخضر في مارس    الرئيس تبون يهنيء ياسمينة خضرا    إثر فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا رئيس الجمهورية.. يهنئ الكاتب "ياسمينة خضرا"    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عار على أبناء طرابلس
نشر في الفجر يوم 30 - 11 - 2013

بات، بحكم المعتاد، أن يطلق مجهولون رصاصهم الغادر، على عمال أو موظفين، وربما مجرد مارين عابرين في شوارع طرابلس، لمجرد أن هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى الطائفة العلوية. صار من الطبيعي أيضا، وبكل أسف، أن يقرأ الطرابلسي الخبر أو يسمعه، ويزفر زفرة سريعة متأففة ثم يتابع عمله، كأن الأمر لا يعنيه.. فالمستهدفون غالبا فقراء ومغلوب على أمرهم، ومطلقو النار مستقوون ومرتزقة، لا هم لهم غير التخريب والتخويف، وقبض مستحقاتهم، بينما الأجهزة الأمنية تتفرج، والمواطنون يلمون بعضهم بعضا عن الطرقات، وينقل واحدهم الآخر إلى المستشفى.
لم نسمع رغم وقوع عشرات الضحايا نائبا واحدا من طرابلس يستنكر “بقوة” وب”جدية” ترويع مواطنين لبنانيين عزل ومسالمين، لمجرد انتمائهم إلى مذهب معين. هذا ليس بمستغرب - رغم أنه معيب - في بلد الانتهازية والمصالح الانتخابية الضيقة. لم نسمع أيضا، ولو لمرة واحدة، أن الجيش قبض على مطلقي النار، رغم أنه يعرفهم بالأسماء، وهنا غالبا ما يقال إن السياسيين لا يمنحون العسكريين غطاءهم كي يقبضوا على المخلين.
أما ما لا تفسير له، وما يشعر أي عاقل بالعار والخجل، فهو أن يسكت نصف مليون طرابلسي، على تصفيات مذهبية تحصل، بدم بارد، في شوارع مدينتهم، وأمام أعينهم. يصمتون وكأنهم يتواطأون غير عابئين بتشويه صورتهم، وتقبيح سمعتهم، والنيل من مدينتهم وتحويلها إلى حظيرة، لا تتسع إلا لمذهب واحد، سرعان ما سينقسم على نفسه ليصبح شيعا وتيارات وفرقا لا ضابط لها ولا مأمن من شر فعلتها.
ثمة مجموعة أعلنت عن نفسها أخيرا باسم “اللجنة العسكرية لأولياء الدم في تفجيرات مساجد طرابلس”، وتبنت إطلاق النار على من سمتهم “مجرمي جبل محسن”، وأعلنت مضيها في “الاقتصاص حتى محاكمة علي عيد ورفعت عيد”، أي زعيم الطائفة العلوية وابنه. ونسيت هذه المجموعة أن الاعتداء على مواطنين علويين عزل وعلى محلاتهم وأرزاقهم في طرابلس سابق بشهور طويلة، على التفجيرين، وأن الذين يطاردونهم ويرمونهم بالنار لا صلة لهم بالزعامة ولا القيادة. ونسي من سموا أنفسهم “أولياء الدم” أن إطلاق الرصاص على المارة وإحراق المحلات وتفجيرها، شمل من بين ما شمل مسيحيين، وكذلك سنة لا يرضون عن توجهاتهم السياسية.
القتال بين مجموعتين مذهبيتين (سنة وعلويين)، في “باب التبانة” و”جبل محسن”، لخلافات سياسية، هو شيء، وتعقب مدنيين آمنين واصطيادهم، وهم ذاهبون إلى أعمالهم أو عائدون منها، بحجة معتقدهم الديني، هو أمر لا يقبل به دين، ولا ترضى عنه شرعة، ولا يحتمله ضمير.
ربما أن المعارك أشد فتكا، ربما أنها توقع ضحايا أكثر وأضرارا أكبر، لكن التطهير الديني، على هذا النحو الإجرامي، في مدينة طرابلس بلغ مستويات تدميرية خطيرة جدا. ليس فقط أن أبناء الطائفة العلوية، من المقتدرين، نقلوا أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى، وأن المسيحيين سبقوهم إلى ذلك فرارا من أجواء تعصبية قميئة، ولكن حتى أهل طرابلس أنفسهم باتوا يفرون ويبيعون شققهم ويلجأون إلى مدن قريبة ومناطق محيطة.. فالاعتداءات المذهبية تحولت إلى ستارة تحجب سرقات وتشبيحا وتشليحا، وتهديدا للمدينة بأكملها.
طرابلس التي كانت سوق الشمال اللبناني ومركزه التجاري، صار تجنبها واجبا، والمرور فيها خطرا، كما قصدها مستحيلا. تجار طرابلس الأغنياء يفتحون فروعا لهم في أقضية أكثر أمنا، ومحلاتهم المتبقية تختنق كسادا وإفلاسا، وهو ما لا يعني في شيء “أولياء الدم”، لأن مداخيلهم لها مصادر أخرى مؤمنة، ما دام التخريب قائما.
من قصر النظر، وضيق الأفق، ألا يشعر اللبنانيون بخطر كبير يتهددهم.. يظنون أن ما في طرابلس سيبقى فيها. سيكتشف متأخرا، ذات يوم، الدرزي والشيعي والسني والمسيحي، أن قتل أي مواطن بسبب انتمائه المذهبي في لبنان، وفي أي منطقة وقع، معناه بدء الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية من جديد. وحتى تنكشف الرؤية جلية، وتتنبه العقول من غفلتها، يجب أن يعترف كل طرابلسي، لا بل كل لبناني، أن السكوت عما يحدث في طرابلس عار على الجميع. أما أن يقال إن “المجتمع المدني” رفع الصوت بتحركات قليلة هزيلة ومضحكة، وهو وحده من اعترض على العنف في طرابلس، فنقول لهم: تبا لكم! ما هكذا تكون “الهيئات المدنية”، مجرد أبواق لزمرة من السياسيين.
وكيف ل”المجتمع المدني” أن يكون مدنيا ومدافعا عن “حقوق الإنسان” إذا لم يضع حياة المواطنين وأرواحهم، بصرف النظر عن دينهم أو لونهم أو طبقتهم الاجتماعية أو أماكن سكنهم، في قائمة أولوياته؟! وهل يمكن أن يكون لأي جمعية تعنى بحقوق البشر قضية أسمى ولا أرفع من الدفاع عن مواطن بريء، يُصطاد كالعصفور وهو ذاهب إلى عمله؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.