المهزومون يحلمون بالمنقذ ولو في آخر الدنيا، يفاخرون بالملك الناصر صلاح الدين الذي مات قبل 900 سنة، ويرفعون صور رجب طيب إردوغان، رئيس وزراء تركيا. هذه حال بعض العرب الذين يخترعون صورا من التاريخ أو الحاضر، ويقومون بزخرفتها لعل وعسى أن تكون ملهم التغيير. لكن بناء صورة مثالية للزعماء عادة تصبح مصيدتهم. هذه المصيدة التي أطبقت على إردوغان بعد أن استمتع بضع سنوات بشعبية في العالم العربي، جراء مواقف جارفة جرفته هو نفسه أخيرا. وقبله هتفوا لرئيس العراق الديكتاتور صدام حسين، ثم هللوا للسيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله. كل هؤلاء كانت لهم شعبية هائلة في الشارع العربي ما لبثت أن خبت بموتهم أو هزيمتهم. إردوغان شخصية تستحق التقدير لإنجازاته على الصعيد التركي. ثم جرب أن يكون طرفا في صراعات المنطقة بموقفه الشهير في دعم السفن التركية التي حاولت كسر الحصار عن قطاع غزة وانتهت بالفشل أمام الهجوم الإسرائيلي. خسر المعركة البحرية لكنه كسب حب الكثير من العرب، مثل صدام الذي أطلق بضعة صواريخ على إسرائيل. أيضا، تبنى إردوغان موقفا متقدما وقويا ضد نظام بشار الأسد في بدايات قمع النظام السوري للمتظاهرين. إنما خابت توقعات الكثيرين بعد نحو عام، لأنه لم ينفذ شيئا من تهديداته لنظام الأسد. كانت الآمال كبيرة من تركيا، كأكبر دولة حدودية مع سوريا، وتملك القوة العسكرية التاسعة في العالم، لم يدخل إردوغان في الحرب واكتفى بخطابات الاستنكار. إردوغان ظن أن وقوفه إلى جانب الإخوان المسلمين في مصر سينتهي بانتصارهم، لكنه ورط نفسه في وحل السياسة المصرية، وقد حاول صديقه عبد الله غل، رئيس الجمهورية التركية، التخفيف من التوتر مع النظام المصري الجديد بإطلاق تصريحات مهدئة واستقبال السفير المصري قبيل سحبه. تراكمت العداوات على إردوغان، وخصوصا في الداخل التركي، حتى هزه زلزال فضيحة الصفقة الإيرانية، من ذهب ومليارات الدولارات، التي اتهم بها وزراؤه وشركات حزبه. عرب إردوغان حملوا اللافتات التقليدية للدفاع عن أخطائه، أن القضاء فاسد، والشرطة فاسدة، وحزب غولن الإسلامي متآمر، والإعلام ضده. فإذا كان القضاء فاسدا فكيف كان إردوغان يفاخر بأنه يدير دولة مؤسسات، ويستعين بالقضاء للتخلص من العسكر والإعلاميين لنحو 10 سنوات؟ إذا كان القضاء والشرطة والإعلام كلهم فاسدين فأي دولة كان إردوغان يحكم؟ وإذا كان حليفه حزب غولن الإسلامي مشبوها ويأتمر بأوامر الحكومة الأميركية، فكيف تحالف معه وأوصله إلى الحكم كل هذه السنين؟ الآن ليست الشرطة ولا القضاة ولا غولن وحدهم ضده، بل حتى رفاقه داخل حزب التنمية والعدالة، مثل صديقه الرئيس غل، يريدون التخلص منه. بصلاحياته كرئيس الحكومة قام إردوغان بطرد من حققوا مع وزرائه وأبنائهم في قضية الأموال الإيرانية، وقدم مشروعا لوضع القضاء تحت إشراف رئيس الدولة، أي تحت إشرافه! طبعا هذه الخطوة زادت من غضب القوى السياسية التركية المختلفة، مما اضطر حزب إردوغان إلى التفاوض مع القوى السياسية الغاضبة للبحث عن حلول، قد يكون إبعاد زعيم العرب إردوغان هو ثمنها. عرب إردوغان في حال صعبة، ها هم يفقدون الزعيم المختار. وكما رحل صدام، وخيب ظنهم نصر الله، وعزل مرسي، قد تكون نهاية الزعيم التركي الذي أحبه كثير من العرب، مع أنه فعلا لم يواجه إسرائيل، ولم يعد مرسي، ولم يقاتل الأسد، واكتشفنا في النهاية أنه كان يساعد النظام الإيراني بغسل أموالهم وبترولهم في الوقت الذي كانوا يقتلون فيه السوريين والعراقيين.