كان خياره سديدا حينما عشق خشبة المسرح التي أخذت من خلالها كلماته القصصية العذبة تغازل أروع ما فاضت به قصائد الشعر الملحون، هو سعيد بو المرقة كاتب ومترجم النصوص المسرحية، أروع ما قام بترجمته قصة ”طارتوف” للكاتب الفرنسي الشهير موليير سنة 2004 والتي جُسّدت على ركح خشبة مسرح قسنطينة الجهوي سنة 2009، حيث ذاع صيتها وأحبها الجمهور المتعطش للفن الرابع الذي يحاكي واقعه المعاش، ”الفجر” تقربت من بو المرقة فكانت لنا معه هذه الفضفضة التي تجلت في سرده لعلاقته بأبي الفنون وما يعتري مسيرته الإبداعية من هموم، فارتأينا البوح بها لقرائه ومحبيه. عشقي للفن الرابع جعل دروب الإبداع تتفجر بداخلي بالرغم من اختلاف طبيعة عملي عن ميولاتي الفنية، غير أن اللغة بما تحمله من إغراء جعلت الصلة تتوطد بين هوايتي لكتابة النصوص المسرحية ووظيفتي كأستاذ للغة الفرنسية، ولعل الفضل في ذلك يعود لأول احتكاك لي مع أضواء خشبة مسرح قسنطينة الجهوي وأنا في 10 من العمر، أين شاركت في مسرحية ”سي نعينع” للمخرج المعروف حسان حساني، ومنذ ذلك الحين اكتشفت انجذابي للخشبة التي بدأت أغرم بجميع تفاصيلها يوما بعد الآخر، فكانت لي العديد من الأدوار في مسرح الهواة وكذا مسرح المحترف. المسرح المدرسي من جعلني أكتشف موهبتي في كتابة النصوص المسرحية لعل نقطة التحول في مسار تجربتي مع المسرح كانت حينما كنت في الطور الثانوي، أين فاضت قريحتي بكتابة أول نص مسرحي لي تم تجسيده على خشبة المسرح المدرسي في مسابقة بين الثانويات، حيث حصد الجائزة الأولى أنداك، وهو الحدث الذي جعلني أشعر باعتزاز كبير وأكتشف مقدرتي على حبكة خيوط النص المسرحي، ليضع شغفي بالأدب الغربي بصمته في اتجاهي نحو الترجمة من اللغة الفرنسية إلى العامية بأسلوب شعري من دون أن يفقد النص الأصلي بريقه، حيث قمت بترجمة البخيل، نساء عالمات، الدون خوان، ل”موليير”. وآخر ما ترجمته هو قصة ”الفرسان” ل”أرسطو فان” والتي أتمنى أن تُجسد على ركح المسرح بعد حصولي على الموافقة، حيث قمت بعرضها على لجنة القراءة بمسرح قسنطينة نهاية 2013. رغبتي في توطيد صلة النشء بالخشبة جعلتني أتجه لكتابة نصوص مسرح الطفل لطالما اتهم الجمهور بقلة اهتمامه بالمسرحيات التي يتم عرضها على مستوى المسارح الجهوية، فكثيرا ما تكون القاعات شبه فارغة، ما يترجم وجود خلل ما يتعلق بطرفي اللعبة المتمثلين طبعا في الجمهور وكاتب النص المسرحي. لقد جذب انتباهي هذا الشرخ الذي تزداد رقعته امتدادا سنة تلو الأخرى، حيث لم تعد مكانة المسرح الجزائري كسابق عهدها، فارتأيت التوجه إلى كتابة وترجمة نصوص مسرح الطفل بغرض توطيد صلة الناشئة بأبي الفنون الذي يعتبر وسيلة للتثقيف والتربية والتعليم أيضا، فقمت بترجمة سلسلة ”لافونتان” الثعلب والغراب، النملة والصرصور، باللغتين الفرنسية والعربية. شغفي بالكتابة جعلني أطرق باب التلفزيون أردت أن تكون سيرتا العتيقة بما تتميز به هذه المدينة من سحر أسطوري، مكانا يحتضن شخصيات سيناريو ”البوغي” الذي سيتم المشاركة به كفيلم مطول في تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية سنة 2015، حيث قدم هذا العمل الذي هو عبارة عن قصة غرامية أضفت لأحداثها بعدا تاريخيا يتمثل في ما وقع خلال الحملة 1 و2 للهجوم الفرنسي على مدينة الصخر العتيق، أمام لجنة القراءة بالجزائر العاصمة من طرف أحد المنتجين الراغبين في إخراج هذا السيناريو التلفزيوني إلى النور، وهو عمل يضاهي قصة روميو وجولييت إذا ما تم حسن توظيف أحداثه. كما قمت أيضا بإعداد شريط وثائقي يحمل عنوان ”من ماسينيسا إلى الجسر العملاق” أروي من خلاله مسيرة إنسان ميثافيزيقي عاش طوال هذه المدة التي تمتد من حكم ماسينيسا إلى فترة حكم الحفصيين، فدخول العثمانيين إلى قسنطينة، فسقوط حصون المدينة أمام الجيش الفرنسي، فالثورة المجيدة، وصولا إلى ما تعرفه عاصمة الشرق حاليا من إنجازات ضخمة وما سيضفيه الجسر العملاق من سحر خاص سيحجب الأضواء حتما على جسورها السبعة الشهيرة. المسرح الجزائري بحاجة إلى نفس جديد يأخذه نحو عتبة التغيير ولأن التظاهرة الثقافية التي سنكون على موعد معها بعد سنة من الآن ستحرك جميع المضامير الثقافية، ارتأيت تأليف نص مسرحي يروي قصة حياة صالح باي منذ قدومه من مدينة أزمير من تركيا إلى الجزائر العاصمة، فقسنطينة، فنهايته سنة 1792 في شكل جديد لم أتناوله سابقا، وهو عبارة عن مسرحية في قالب ”كوميديا موسيقية” أصبو من خلاله أن يضفي هذا العمل المسرحي الرائع لمسة جد خاصة على المسرح الجزائري الذي هو بأمس الحاجة إلى نفس وروح جديد يأخذه إلى عتبة التجديد والتغيير.