باتت صالونات الحلاقة بيئة مناسبة لنقل العدوى والفيروسات من مختلف درجات الخطورة، لاسيما تلك التي يتجاهل فيها العاملون بها الالتزام بقواعد الصحة والنظافة التي تمليها مهنتهم الصعبة، هذه الأخيرة التي تجعلهم في احتكاك دائم مع الزبائن لتكون بذلك أدواتهم وسيلة أساسية لتفشي عدوى الأمراض المختلفة. هو جهل المواطن البسيط بحقه الأساسي في الأمن والسلامة، اللذان يضيعان منه في صالونات الحلاقة التي يدفع بصاحبها الجشع وعدم المسؤولية، أو الجهل في أحيان كثيرة إلى التغاضي عن الكثير من القواعد الصحية التي تكون سببا في أمراض خطيرة تصيبه عن طريق العدوى، فكل تلك الأدوات غير المعقمة والمستعملة بطريقة متتالية وعشوائية، وتلك المناشف التي لا تغسل بالطريقة المفروضة ولا تلاقي الكم الكافي من التهوية، كلها أسباب أجمع المختصون على أنها كفيلة بوضع حياة الزبون على المحك، وحصول ما لا يحمد عقباه، وفي السياق كانت لنا جولة في عدد من صالونات الحلاقة بالعاصمة، خاصة الرجالية منها والتي كشف لنا روادها عن عدد من التجاوزات التي لا يمكن للجهات الوصية غض الطرف عنها، كما لا يصح للزبون تجاهلها والسماح بحدوثها. مناشف عفنة وأدوات غير معقمة وشفرات مجهولة المصدر خلال حديثنا مع أغلب قاصدي صالونات الحلاقة في العاصمة وخاصة في الأحياء الشعبية منها، أشاروا لنا أن مالكي هذه الأماكن لا يولون للنظافة الأهمية اللازمة، وعند حديثهم عن التعقيم فقد كادوا يجمعون أن الحلاقين الذين يقصدونهم لا يملكون في محلهم أي جهاز يعمل على تعقيم الأدوات، كأدنى خطوة من خطوات حفظ الصحة والأمن، أما عن المناشف التي يستعملونها فقد أكدوا كذلك أنها مبتلة غالبا، أو كما قال لنا أحدهم: ” المناشف لا أدري لما تستعمل أصلا، فكونها مبتلة وذات رائحة نتنة لا تصلح حتى لتنظف الأرضيات”، أما عن شفرات الحلاقة فكما وصف الزبائن الوضع فإنه لا يستطيع أحدهم التفريق بين الجديدة والمستعملة، فبالرغم من كون هذه الأخيرة ذات استعمال فردي وشخصي، لكونها كفيلة بنقل أكثر الأمراض خطورة، فإن الزبون لا يمكنه التأكد أنه أول من استعمل هذه الأداة، وذلك لأن الحلاقين بكل بساطة يصرون أنهم يستعملونها لأول مرة. بعد كل تلك الاتهامات التي اختصرنا بعضها، قررنا الحديث مع أصحاب هذه المحلات والتعرف على رأيهم في هذا الموضوع، فلم تكن الإجابات مقنعة بالقدر الذي تمنينا أن تكون، حسين صاحب محل حلاقة بباب الزوار يقول: ”أعتقد أنني أقوم بكل ما يجب من أجل ضمان نظافة المكان، كما أنني أحرص على غسل المناشف ونشرها في الهواء الطلق، أما عن الشفرات فبدون أدنى شك أنني أقوم بتغييرها باستمرار من شخص إلى آخر”، أما فاروق عامل بأحد الصالونات بساحة الشهداء يقول: ”صاحب المحل الذي نعمل عنده حريص على النظافة والأمن داخل المحل، غير أننا لا نملك المعقم الذي تتحدثون عنه، فالجافيل هو المادة التي نستعملها في عمليات التطهير فقط”. فطريات وأمراض جلدية بالجملة أرجع الدكتور حازم المختص في الأمراض الجلدية أغلب الحالات التي يتعرض لها الإنسان من فطريات ومكروبات تصيب الجلد بشكل أساسي إلى العدوى والتي تكون في الغالب بالاحتكاك أو باستعمال بعض الأدوات التي تم استعمالها من طرف المريض، وعن أكثر هذه الأمراض انتشارا وخلال حديثنا عن الأمراض التي تنتشر في قاعات الحلاقة فقد أكد أن هذه الأماكن بذات هي الأكثر نقلا للميكروبات والفطريات الجلدية، وأكد محدثنا في سياق متصل أن المناشف هي أكثر بيئة كفيلة بنقل الفطريات خاصة من شخص إلى آخر، منوها أن أغلبها غير مغسولة بالطريقة الصحيحة ولا تكون معقمة في الغالب، كما شبه محدثنا الأدوات الأخرى من شفرات وآلات كهربائية وغيرها بالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تكون سببا في قتل الحلاق والحالق في ذات الوقت، لاسيما أن أغلب مستخدميها يجهلون قوانين استخدامها وضرورة الاعتناء بصحتها وسلامتها. وعن الخطوات الواجب استخدامها لضمان سلامة يقول الدكتور حازم أن غسل المناشف مثلا يجب أن يتم بدرجة حرارة لا تقل عن 60 درجة مئوية لتخليصها من كل الشوائب التي تبقى ملتصقة بالألياف لتنتقل فيما بعد من زبون إلى آخر، ومن حيث استخدام باقي الأدوات يقول محدثنا أنه من الواجب على كل حلاق أن يتوفر محله على جهاز واحد على الأقل يقوم بتعقيم الأدوات، أو سائل مطهر ذو فعالية على الأقل، أما عن الشفرات الشخصية فقد أوضح أنه لا يجوز فعل شيء سوى إتلافها واستخدام أخرى جديدة لكل فرد. فيروسات خطيرة تهدد حياة الزبائن البعض يقوم بإحضار شفراته الخاصة، وآخر يصر على مراقبة الحلاق أثناء قيامه بعمله، وآخر يفضل الحلاقة بالمقص فقط، تلك هي ردود أفعال الكثير من الزبائن بعد سماعهم عن أخبار شباب قصدوا صالون الحلاقة لقص شعرهم فإذا بهم يغادرون حاملين لفيروس خطير ربطتهم به قطرة دم لم تعقم وتطهر من قبل الحلاق، وليس الزبائن وحدهم من يدفع ثمن أخطاء كهذه، فالحلاق نفسه قد يكون عرضة للإصابة بنفس المرض وبنفس الطريقة. وخلال جلوسنا في أحد القاعات اتضح لدينا وجود بعض الوعي عند الزبائن الذين يرفضون أن تستعمل ذات الشفرات في حلاقتهم، غير أن أغلب الجالسين على الكراسي مستمتعين بالحلاقة ومتجاهلين لخطورة ما يحدث، ففي السياق تجمع أغلب الدراسات أن كل من التهاب الكبد الفيروسي والاكزيما والقمل وحتى السل، أمراض انتقالها جد وارد في صالونات الحلاقة، وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى سوء استخدام أدوات الحلاقة، وعدم تعقيمها أو إعادة استعمال الشفرات ذات الاستعمال الشخصي.