تعاني بلدية الشيقارة بولاية ميلة من الطرقات الوعرة وطرقها الملتوية التي تنم عن واقعها المزري، وصلنا بلدية الشيقارة لنختزل بين ثناياها وقراها المتناثرة بعض المفارقات العجيبة التي جمعت في تناسق عجيب مظاهر البؤس والحرمان وسمات الطبيعة العذراء إن استغلت ستذر الخير الوفير على هذه البلدية التي ركنت في أعالي الجبال لتحكي قصة مأساتها وعزلتها، خاصة بعد إنجاز سد بني هارون الذي قطع حبل الوصال مع البلدية الأم سيدي مروان ليصنع تراجيديا مؤلمة للسكان رغم ما يمثله السد لباقي البلديات المجاورة وللجزائر ككل. زواغة هو الإسم التاريخي للمنطقة التي دفعت دماء أبنائها عربونا للحرية تحول إلى الشيقارة حسب بعض الروايات نسبة إلى مستعمر يدعى قارا يربي الخنازير ويقطن بمحاذاة الوادي ويعتبر نقطة إلتقاء المعمرين لكن بعض الروايات الأخرى تقول أنها سميت نسبة إلى مواطن زواغي يدعى الشيقر، فيما يتداول السكان الإسم كطرافة تقول بأن الخير عندما وصل إلى المنطقة توقف ولم يشملها وهذا تعبيرا عن واقع المنطقة المر. تبعد بلدية الشيقارة عن عاصمة الولاية بحوالي 38 كلم كانت تابعة لدائرة القرارم وأصبحت الآن تابعة لدائرة سيدي مروان، إثر التقسيم الإداري الأخير إذ تمتد من مشتة صفيصفة إلى بلدية لمزلبط التي تعد أفقر مشتة على مستوى البلدية في الحدود مع بلدية سيدي معروف في جيجل، تطل على تسع بلديات بالولاية وتضم 11 مشتة هنا وهناك يجمعها شيء واحد هو الفقر، الحرمان والبؤس. الطرق الكابوس .. والجسر الحلم يعتبر الطريق المؤدي إلى عاصمة البلدية هو عنوان لمآسيها ومرارة العيش لمواطنيها الذين ضاقوا ذرعا من هذا الوضع، فرغم ترميمه في العديد من المرات، إلا أن الوضع يتدهور كلما تساقطت الأمطار، وهو ما أثر على التنمية بهذه البلدية الفقيرة، خاصة بعد إنجاز سد بني هارون الذي شكل مأساة حقيقية للمنطقة وكان نقمة على أهلها وهو الذي وقف في الكثير من الأحيان حجر عثرة في سبيل تجسيد المشاريع الممنوحة، إذ يرفض المقاولون التوجه لهذه البلدية بسبب صعوبة المسالك والطرق الكارثة التي تحتاج إلى مبالغ ضخمة لإصلاحها كل هذه المشاكل انجرت عن سد بني هارون الذي أضحى نقمة على المنطقة بدل أن تنعم الشيقارة بخيراته كباقي البلديات، إذ غمرت مياه الجسر الذي يربط البلدية بالبلدية الأم سيدي مروان، وهو ما جعل الوكالة الوطنية للسدود تفكر في إنجاز جسر بديل يكون بمثابة حلقة وصل بدل المغمور ورغم احتجاج السكان على مكان إقامته ومطالبتهم بإنشائه بنقطة طبال لقربه من الدائرة وتسهيل عناء التنقل إلا أن المسؤولين آثروا الأقل تكلفة وأنشأوا هذا الجسر لتبقى دراسة إنجاز هذا الجسر قائمة خاصة أن المواطن من مشتة ولجة بوخليف يقطع مسافة 5 كلم إلى مقر البلدية في ظل قلة الحافلات لينتقل إلى بلدية القرارم قوقة وهو ما يطيل زمن الوصول ويبقى إنجاز هذا الجسر حلما يراود سكان المنطقة في ظل عجز ميزانية البلدية للتكفل بهذا المشروع. السكن لا يعكس الطموحات والمرافق العامة تحت الصفر فالكثير من الأحياء القديمة والقرى المتناثرة تعاني من الكثير من النقائص كانتشار البناءات الفوضوية والتي أدت إلى نشوء تجمعات سكانية تفتقر إلى المقاييس العامة وانعدام شبه كلي للمرافق الضرورية، فالزائر لهاته البيوت المترامية الأطراف يقرأ في عيون قاطنيها قساوة الأيام والحاجة الماسة إلى سكنات تليق بمواطن القرن الواحد والعشرين، ويعود السبب في نقص حصة البلدية من السكن إلى عزوف المواطن الزواغي عن السكن الإجتماعي في وقت مضى معلقا آمالا كبيرة على برنامج البناء الذاتي وهو ما ولد فكرة لدى السلطات أن المواطن في الشيقارة في غنى عن هذا النمط من السكن رغم كثرة الطلبات عليه، أما بخصوص السكن الريفي فإن الحصص الممنوحة حسب بعض سكانها لا ترقى إلى تطلعاتهم رغم أن هذه المنطقة ريفية بإمتياز وتتلاءم مع هذا النوع من السكن وعلى هذا يطالب أغلب مواطني البلدية بضرورة زيادة حصتهم من السكن الريفي على أن يرفع من معنوياتهم ويساعدهم على الإستقرار في أراضيهم. هياكل صحية جسد بلا روح والتغطية منعدمة قبل الخوض في الحديث عن المرافق الصحية بالشيقارة لا بد أن نعرج أولا على الواقع المزري الذي يعاني منه السكان في هذا المجال فالعليل منهم في حالة الإستعجالات بالمنطقة تبقى حياته رهينة تلك الظروف الصعبة التي تعرفها وإهتراء الطرقات رغم وجود مركز صحي بمقر البلدية إلا أنه هيكل بلا روح فتلك الأموال الطائلة والتي صرفت لأجل إنجازه ذهبت في مهب الريح رغم توصيات وزير الصحة السابق خلال زيارته للمنطقة بضرورة فتحه إلا أنه لا يزال موصد الأبواب إلى يومنا هذا، كما أن عدم وجود سيارة إسعاف أو حتى عيادة متعددة الخدمات زاد من الأمر تأزما فرغم وجود تلك القاعات الصحية المتواجدة في كل من مشاتي صفيصفة، ولجة، بوخليف والهواري وأخرى غير مستغلة بمشتة لمزلبط لعدم وجود التأطير الطبي، حيث أنها طوال أيام السنة خاوية على عروشها على حد تعبير مواطنيها فالتغطية الصحية حسبهم بهذه المنطقة تحت الصفر لعدم تقديمها لأبسط الخدمات كعدم توفرها على لقاحات الأطفال وغيرها، وفي ظل إنعدام قاعات للولادة بها تلجأ النساء الحوامل إلى مركز الولاية لوضع حملهن، وهو ما يشكل خطرا على حياتهن لذا فمعظمهن تتبع الطرق التقليدية للتوليد. البطالة وانعدام تام للمرافق الشبانية تشتكي فئة الشباب ببلدية الشيقارة من غياب فرص العمل بعد أن عجزت برامج التشغيل المختلفة من استيعاب جميع طلباتهم، حيث تتجاوز نسبة البطالة بها ال70 بالمائة إذ يعاني شبابها الأمرين في ظل غياب مرافق شبانية رياضية تنتشلهم من عالم الضياع وتحتضن مواهبهم التي تندثر في صمت ولا أحد يحرك ساكنا ماعدا ساحات اللعب التي يفرغ فيها الشبان طاقاتهم الرياضية، مما جعلهم يشعرون بالإحباط والفشل والتهميش إذ دفعت هذه العوامل بالبعض منهم إلى الإقدام على الانتحار للهروب من متاعب الحياة إذ تحصي الجهات المعنية حسب المعطيات المتوفرة لدينا أكثر من 4 حالات انتحار في العام. النقل المدرسي لا يرقى للتطلعات تحتضن بلدية الشيقارة أكثر من 11 مدرسة ابتدائية أغلبها مزود بمطعم رغم افتقار بعضها للمقر، وهو ما استدعى إلى تخصيص بعض الحجرات للإطعام ويبقى مشكل التنقل إلى الإكماليتين يؤرق أولياء التلاميذ ويحول دون التحصيل العلمي الجيد لأبنائهم الدين ضاقوا درعا من تدني مستواهم الدراسي ورغم تكفل البلدية بنصف ثمن التذكرة التي تدفعها لأصحاب الحافلات لنقل تلاميذ الثانوية إلى مقر الدائرة، إلا أن بعض الأولياء اشتكى من غلاء سعرها الذي يزيد من ثقل أعباء المصاريف في ظل عدم امتلاك أغلبهم لمهن قارة فمعظمهم يمتهنون فلاحة الأرض وهو الأمر الذي اضطر ببعضهم إلى قطع مسافات طويلة مشيا على الأرجل للالتحاق بمقاعد مدارسهم ولأن تضاريس المنطقة صعبة للغاية وتمتاز بكثرة وجود الأحراش والغابات قام بعض الآباء بتوقيف بناتهن عن الدراسة خوفا عليهن للمخاطر التي تترصدهن في الطريق، وكذا للتقاليد السائدة في المنطقة ويبقى أمل التلاميذ والأولياء في تجسيد مشروع الثانوية رغم وجود فرع ثانوي لا يرقى للتطلعات. الفلاحة، الري والبيئة نقائص وآمال تمتاز منطقة الشيقارة بأراضيها ومسالكها الجبلية الوعرة لا تمثل فيها الأراضي الصالحة للزراعة سوى 10 بالمائة فقط من المساحة الإجمالية المخصصة لزراعة الحبوب وتتمركز في مشتة أكذال، مهرازة والمنطقة الساحلية على محيط الوادي، أما المناطق الأخرى فتستحوذ الغابات على معظمها فيما يبقى الجزء الآخر أراضي في إطار الاستصلاح عن طريق الإمتياز وتشمل العديد من المستثمرات بها أشجار الزيتون وبعض الأشجار المثمرة تتميز المنطقة بإنتاج فاكهة التين الشوكي الذي يعرف بالأرقى والأفضل الأنواع بالولاية، أما فيما يتعلق بالري فهو منعدم ماعدا بعض الآبار التي حفرها الخواص أما التغطية بالمياه الصالحة للشرب فهي لا تتعدى ال50 بالمائة مزودة من منابع تقليدية كما تبقى النقطة السوداء بالبلدية حسب مسؤوليها فبرغم من محاذاة سد بني هارون لمواطني الشيقارة إلا أنهم لا يشربون من مياهه وما جلبه لهم حسبهم إلا المآسي، وهو ما يجعلهم في رحلة بحث دائمة عن هذه المادة الضرورية للحياة في المناطق المجاورة إذ يستعينون في نقلها على البهائم فرغم توصيل أحيائها الكبرى بالمياه إلا أنها لاتزال حبيسة أنابيبها، وهو يلزم مصالح البلدية لتوفير صهاريج للمياه التي لا تكفي كامل أحياء البلدية أما قنوات الصرف الصحي فهي لا تغطي سوى 30 بالمائة بسبب شساعة المنطقة، وهو ما يدفع بالسكان إلى استعمال الحفر لتصريفها أما الحديث عن البيئة فيقودنا إلى تسليط الضوء على المفرغة العمومية التي شكلت هاجسا بالنسبة للسكان، فقد أدى إنشاء سد بني هارون إلى إنجاز مفرغة عمومية بمدخل المدينة حيث أنها على بعد 400 مترفقط من التجمعات السكنية مما يجعل سكانها معرضين للإصابة بالأمراض التنفسية وأمراض أخرى.