غاص المخرج بشير بن سالم في جدليات التاريخ والثورة الجزائرية، مسلطا الضوء على الخيانة والتضحية، وذلك في المسرحية التي قدمها أول أمس، في إطار فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان المسرح المحترف التي تستمر ببلعباس إلى غاية ال1 ماي، بتنافس 7 عروض مسرحية على جوائزها. مسرحية ”مجرد نفايات” للمخرج بشير بن سالم تروي صراعا نفسيا لشخص مشبع بالأفكار البطولية ينتهي به الأمر خائنا لزملائه إبان الثورة التحريرية. وفي حديث جمعه ب”الفجر” على هامش العرض، صرّح بن سالم، صاحب سينوغرافيا العرض، أنّه حاول خلال العمل تصوير كوريغرافيا استعان فيها بأكياس النفايات ذات الألوان السوداء، التي ترمز - حسبه - لأشخاص اختاروا الوقوف بجانب الباطل عوض الحق وباعوا أنفسهم وذممهم للعدو والمستعمر الفرنسي الذي كان يتفنن في تعذيب الجزائريين والمجاهدين على حد السواء. وأضاف بن سالم أن المسرحية تبرز أن هؤلاء لا مكان يتشرف باحتضانهم، حتى القمامة رفضتهم في نهاية المطاف، ما يعتبر أنّ مزبلة التاريخ التي تضم الجرائم ومفتعليها لا تقبلهم حتى لو توسلوا إليها مجازا، وهو ما يبرزه المقطع الأخير أين يختار الخائن إلقاء نفسه في القمامة التي رفضته من خلال عمال النظافة الذين تخلصوا من كافة أكياس القمامة وتركوا الكيس الذي يحوي الخائن، ليس لثقله إنّما أملى عليهم حدسهم أنّ الموجود داخل الكيس ليس نفاية عادية بل ”نفاية من نوع الخيانة”. وفي السياق أوضح المخرج بشير بن سالم أنه أراد التطرق إلى تاريخ الثورة الجزائرية انطلاقا من تسليط الضوء على فئة غير مرغوب فيها، وهي فئة من خانوا الثورة الجزائرية، ونقل جانب من التاريخ الجزائري بإسقاط النص الأصلي ل”قاسم مطرود” الذي يتكلم عن الثورة العراقية وأقلمته على الثورة المجيدة بتجسيد أساليب التعذيب البشعة التي مارسها المستدمر الفرنسي. المسرحية من بطولة محمد درويش وبشير بن سالم، بطلها مشبع بالتضحية وقصص الفرسان الذين سطروا التاريخ، كتب كثيرا عن الشجاعة وكتب عنه، سقط في يد الجنود الفرنسيين خلال الثورة، تحمل سائر أنواع التعذيب بالكهرباء، الكي والإغراق.. إلا أنه تشبث بقيمه مستأنسا بحكايات الأبطال والفرسان في مراحل التاريخ والعصور بالعالم، قاوم لعدة أيام من الأسر ولم يشي بزملائه المجاهدين، لكن عندما هدد بالإعدام سارع بقبول صفقة دون تردد لم يعرف فحواها مقابل إلغاء حكم قتله، ولاحقا اكتشف أن المعاهدة تنص على أن يشارك في إعدام المجاهدين الجزائريين والإخبار عن مكانهم. هنا يحس البطل بندم شديد ورغبة في الانتحار، إلا أنه رأى أنّ الموت هو شرف لا يستحقه حاله الخائن، فيبحث له عن مكان في أكياس النفايات ولكن حتى القمامة ترفضه. تجدر الإشارة أنّ مسرحية ”مجرد نفايات” أنتجتها فنون وسينما الشباب، وسبق لها المشاركة في المهرجان الدولي لمسرح الشباب بروسيا، الذي شاركت فيه العديد من الفرق المسرحية التي حلت إليه من مختلف بقاع العالم على غرار فرنسا، إسبانيا، إيران، الكونغو، ودول أمريكا اللاتينية، حيث افتكت جائزة أحسن اخراج.