حدود بلاد البربر تبتدئ حيث الرجال يرتدون البرنوس وتنتهي حيث الناس لا يأكلون الكسكسي”.. ذلك هو تعريف عالم الاجتماع والفيلسوف ابن خلدون لبلاد المغرب العربي. فالبرنوس الذي كان في الماضي جزءا لا يتجزأ من هوية الجزائريين ومفخرة للرجال على وجه الخصوص، هو لباس أقل ما يقال عنه ذو رمزية عالية. ويعتبر لبس البرنوس في بلاد القبائل فنا في حد ذاته، وهو لباس مقدس دون أن يحمل أية رمزية دينية كانت، إذ وجب على حامله أن يحترمه من خلال إبرازه الكثير من الوقار والنضج العقلي.. ويتميز البرنوس القبائلي بكونه محاكا على شكل وحيد يعادل ما بين كل الطبقات الاجتماعية، ما يجعله رمزا للحكمة والنفوذ والاعتدال. في السياق يذكر الضالعون في رمزية هذا اللباس أن ”كل رجل كان يريد التدخل خلال اجتماعات ”تاجماعت” كان عليه تغطية رأسه بقلنسوة برنوسه، وأنه بمجرد سقوطها يتوقف عن الكلام لأن هذا معناه أنه قد غلبه الغضب”. وكان الرجل القبائلي لا يستغني عن برنوسه مع اختلاف المواسم، إذ يرتديه شتاء ليقي نفسه من قساوة ثلوج جبال جرجرة حيث يغطي جسمه بالكامل بهذا الرداء الأبيض القطني الذي حاكته النساء بكل حب لأزواجهن وأولادهن وأقاربهن من الرجال. أما خلال فصل الصيف حين تهب رياح ”السيروكو” الملتهبة على القرى و المداشر وكأنها تريد إجبار الرجال على التخلي عن هذا اللباس العريق، فيكتفي هؤلاء بطي البرنوس ووضعه على أكتافهم، ما يضفي جمالية على لباسهم خلال هذا الفصل. وعلاوة على اعتباره لباسا يوميا فإن للبرنوس رمزية خاصة خلال الأعراس والمناسبات السعيدة، حيث يرتديه الرجال بكل فخر خلال حفلات الزواج والختان مع بندقية الصيد، في حين تتزين النساء بأبهي حلتهن المكونة من الجبة القبائلية المزركشة الألوان والفوتة والحلي الفضية التقليدية. وكان التقليد الغالب قديما أن النسوة تقمن بحياكة برنوس جديد للعريس المقبل على الزواج، حيث يرتديه هذا الأخير وهو مطبق قلنسوة البرنوس على رأسه إبرازا لحيائه. كما كانت العروسة تحمل إلى بيتها الزوجية وهي مغطاة في برنوس أبيها، وهو تقليد قائم إلى أيامنا هذه. والعديد من العرائس حاليا يفضلن حياكة برنوس أبيض من الحرير مطرز بالرموز البربرية بدل البرنوس القطني التقليدي الذي أضحى غالي الثمن. غير أنه يلاحظ في أيامنا هذه تراجع ارتداء البرنوس بشكل لافت، سواء في بلاد القبائل أو في مناطق جزائرية أخرى على غرار الهضاب العليا والجنوب، حيث ظلت قله قليلة فقط ترتدي هذا اللباس التقليدي بلونيه الأبيض والبني، وفقا للمادة التي طرز بها صوف الأغنام أو وبر الجمال. كما يلاحظ حفاظ بعض سكان قرى جرجرة بولاية تيزي وزو على هذا اللباس وهم الأشخاص المسنون، خاصة الذين التحق بهم بعض الشبان كمحاولة منهم لتجديد هذا التقليد.