تستعد أجهزة التلفاز لدخول الأرشيف، بعدما أحالتها الكثير من الأسر الجزائرية على التقاعد، حيث سيطرت الهواتف الذكية على يوميات كل أفراد الأسرة، بما فيهم الأطفال الذين تخلوا عن الاجتماع أمام شاشة التلفاز لمشاهدة بعض البرامج، وقرروا الانعزال، فكلٌّ يشاهد ما يرغب فيه على هاتفه، وعلى الرغم من أن صناع هذه الأجهزة اتجهوا إلى تطويرها وإدراج تعديلات عليها، وجعلها هي الأخرى مربوطة بالتكنولوجيا، ومع هذا، فإن افتقارها لخاصية التنقل من مكان لآخر، جعل الأسر تفضل الهواتف، خاصة وأن كل ما يبث على مختلف القنوات أصبح متاحا على هذه الأجهزة الذكية، فيما يسجَّل تراجع كبير في الطلب على شاشات التلفاز، التي تحولت إلى ديكور في المنازل لا غير. في استطلاع قامت به "المساء"، شمل عددا من المواطنين، لجس نبض مختلف الشرائح العمرية حول علاقتهم بجهاز التلفاز في المنزل، وما هي البرامج التي يتم متابعها عليه، فكانت البداية مع فئة الشباب، من الذين أجمعوا على أنهم نسوا شيئا اسمه جهاز التلفاز، بالنظر إلى القطيعة التي حدثت بينهم وبينه، بعد ظهور الهواتف الذكية والتطورات التي شهدتها، من حيث حجم المعلومات المتاحة ومواقع التواصل المختلفة والتطبيقات الجديدة، وأكثر من هذا، علق أحدهم بالقول، بأن والدته بعدما لاحظت أن لا أحد يهتم لوجوده، قررت بيعه. وإذا كان هذا رأي الشباب، فبالنسبة لربات البيوت، أصبحت المسلسلات المعروضة ومختلف قنوات الطبخ أيضا لا تثير اهتمامهن على أجهزة التلفاز، كونها الأخرى، أصبحت متاحة على أجهزتهم الذكية، وحسبما كشفت عنه السيدة "مريم. ن "، حلاقة، من سكان مدينة العفرون، فإن جهاز التلفاز تحول إلى ديكور في منزلها، حيث زودته بشاشة، جعلت منه بمثابة اللوحة المعلقة في المنزل، تغير صورها في كل مرة. وحسبها، فإن الهاتف الذكي أصبح يتوفر على كل ما يرغب الفرد في مشاهدته، في أي وقت، ومتى يشاء، وأكثر من هذا. مؤكدة أن أهم خاصية جعلتها وباقي أفراد أسرتها، يتخلون عن التلفاز، أن كل القنوات أصبح لديها تطبيقات في العالم الافتراضي، بالتالي ما الداعي، حسبها، إلى الالتفاف حول الجهاز. بينما أكدت أخرى، أن جهاز التلفاز في مام مضى، كان لا ينطفئ مطلقا، وفي كثير من الأحيان، يقع شجار بين أفراد العائلة، كل يرغب في مشاهدة برنامج معين، أما اليوم، وأمام توفر الهواتف لكل أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال، أصبح نادرا ما يتم تشغيل الجهاز، وتردف: "وأكثر من هذا، رغم اقتنائها لجهاز متطور وتم تزويده بالأنترنت، إلا أن الأطفال حولوه إلى جهاز للعب، وعندما يرغبون في تصفح بعض المواقع، يختارون الهواتف، الأمر الذي جعلها تفكر في تصريفه. فيما علقت مواطنة أخرى، بأن التلفاز لا يزال يشد إليه كبار السن فقط، من محبي تتبع الأخبار، وقالت في هذا السياق: "والدي كبير في السنة، ولا يحسن التعامل بالتكنولوجيا، لذا فإنه الوحيد الذي يقوم بتشغيله، لمشاهدة الأخبار فقط وبمفرده، لأن باقي أفراد العائلة ينشغلون بهواتفهم، بمن فيهم والدتي، التي رغم أنها تجاوزت عتبة الستين، إلا أنها تعلمت التعامل بهذا الجهاز وأدمنت عليه". ما حقيقية تأثير الهواتف الذكية على إحالة شاشات التلفاز على التقاعد؟ تجولت "المساء" في عدد من محلات بيع أجهزة التلفاز، ومن خلال المعاينة الأولى لبعض المحلات على مستوى ولاية البليدة، فإن تواجد أجهزة التلفاز قليل ويتباين بين الصغير والمتوسط في الحجم، وفي دردشتنا مع بائع، أكد في معرض حديثه، على تراجع مبيعات أجهزة التلفاز، ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى العالمي وبشكل كبير سنة 2023 ، حيث انخفضت حسبه المبيعات بنسبة قدرها 1.6٪، حسب بعض التقارير، ووصلت، حسبه، إلى أدنى مستوى لها منذ العشر سنوات الأخيرة. ويضيف؛ فمثلا جهاز التلفاز من الحجم الصغير كانت تكلفته تزيد عن 40 ألف دينار، واليوم أمام تراجع الطلب، أصبح لا يتجاوز 15 ألف دينار، وقس على ذلك الأجهزة الكبيرة. وحسب المتحدث، فإن السبب الرئيسي لتراجع الطلب على أجهزة التلفاز، هي الهواتف الذكية التي أصبحت أسعارها تفوق سعر جهاز التلفاز، مؤكدا أن التوجه الحديث نحو نقل كل ما يعرض على الشاشة إلى الفضاء الافتراضي، أثر بشكل سلبي على أجهزة التلفاز، وجعلها مهمشة. بينما أوضح تاجر آخر، أنه على الرغم من وجود الطلب، إلا أنه محتشم كثيرا، رغم أن أسعار أجهزة التلفاز تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لافتا إلى أن الفئة التي لا تزال تقتني مثل هذه الأجهزة، هي تلك التي تعيش في القرى وبعض مناطق الظل، وتلك البعيدة على المدن، بينما في المدن الكبرى سجلت أجهزة التلفاز تراجعا كبيرا من حيث الطلب عليها، وأوضح بأن "معظم الناس حاليًا، يفضلون مشاهدة المحتوى المفضل لديهم عبر هواتفهم الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب؛ لأن تلك الأجهزة توفر خيارات أسهل وأسرع من استخدام شاشات التلفاز". وللمختصين في تكنولوجيات والإعلام رأي.. قال الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الأستاذ يونس قرار، في تصريحه ل«المساء"، بأن التكنولوجيا اليوم وما قدمته من خدمات، أحدثت ثورة في مجال الإعلام والتواصل، الأمر الذي جعل الناس يرتبطون بهذه التكنولوجيا، خاصة وأنها تؤمن عنصر السرعة في المعلومات، كل هذه المعطيات، جعلت الفرد الجزائري يسير شيئا فشيئا نحو التخلي عن بعض الأجهزة التي لم تتمكن من مواكبة التطورات، سواء تعلق الأمر بالتلفاز أو جهاز الراديو، مشيرا إلى أن واحدا من الأسباب التي جعلت أجهزة التلفاز تفشل في شد المتابعين، تتمثل في نوعية المعلومات المقدمة، إذ أن التكنولوجيا في الهواتف توفر المعلومة بشكل مباشر وفي أي مكان كان، وأكثر من هذا، تؤمن له إمكانية التفاعل بالتعليق وطرح الأسئلة وإبداء الرأي، بالتالي فإن أجهزة التلفاز وقفت عاجزة أمام هذا التحدي، رغم الجهود المبذولة من طرف بعض وسائل الإعلام من أجل مواكبة التطورات، من خلال محاولة التواجد على بعض قنوات التواصل الاجتماعي. من جهة أخرى، أشار المتحدث، إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي فتحت الكثير من الآفاق التواصلية، التي شدت إليها العائلات، الأمر الذي أثر على أجهزة التلفاز، وجعل عشاق البرامج على مختلف القنوات التلفزيونية، يتجهون إلى الفضاء الافتراضي، الأمر الذي عزز فكرة التخلي عن هذا الجهاز، الذي حقيقة، يسير اليوم نحو التقاعد، لأنه لم يعد ذلك الجهاز الذي يجمع أفراد العائلة أمام المنافسة الشرسة له من الهواتف الذكية، وما تحمله من تطبيقات تقدم للمتابعين ما يحتاجون إليه، وفي أي وقت، وقال: "إذا كانت التكنولوجيا أنهت بعض المهن وأحدثت مهنا جديدة، فكذلك الحال بالنسبة لأجهزة التلفزة، التي حلت محلها الهواتف الذكية بلا منازع".