من يصنع الديكتاتور؟ طُرح السؤال منذ أيام روما وأجيب عنه مئات المرات. الأكثرية قالت: الآخرون. إنهم يحيطونه بالمدائح والتملُّق فينفخون فيه مرض الغرور وخطيئة الاختيال. أعتقد، بشيء من التبسط، أن الديكتاتور يولد هكذا، كما يولد كل إنسان وفيه ميل إلى سلوك ما: العنف، الكرم، الجريمة، الكسل، الاحتيال.. إلى آخره. أقول ذلك لأنني لاحظت أن الديكتاتور يقضي على من يمتدحونه ومن ينتقدونه سواء، لكنه يبدأ بأقرب الرفاق وأكثرهم امتداحا له.. إنه يشك فيهم أولا ولا يصدقهم. من سماته الأولى، الكفر، لأنه يتصرف كإله. الإعلان النازي كان يشدد على تفوق هتلر على الأنبياء.. إعلام موسوليني كان يقارن دائما بينه وبين المسيح. أما في الاتحاد السوفياتي والصين، فكانت تمارس طقوس العبادة حيال ستالين وماو تسي تونغ.أقرأ في رسالة بعث بها نيكولاي بوخارين إلى ستالين.. كان الرجل من كبار مفكري الشيوعية ومناضليها مع لينين، ولما توفي الأخير وقف إلى جانب خلافة ستالين له في الصراع بين الرفاق. يقول في الرسالة: ”أعرف تماما أن الخطط العظيمة والأفكار العظيمة لها الأسبقية عندك على كل شيء، وأعرف أنه من المعيب لي أن أقحم نفسي الصغيرة في المسؤوليات الكونية التاريخية الملقاة، أولا وأخيرا على كتفيك”. الرد؟ أُعدم بوخارين مع سواه من ”الرفاق” في ”محاكمات موسكو” الشهيرة. في مصر والعراق وليبيا والجزائر وسوريا، تناثر الرفاق في السجون بتهم مختلفة، أبرزها الانحراف والخيانة. لم ترتفع منصات الإعدام في القاهرة، لكنها ارتفعت في بغداد ودمشق. جميع أهل الصفوف الأولى في الثورة الجزائرية، بمن فيهم أحمد بن بيلا، كانوا هم من انتهوا أولا. قال فيدل كاسترو لصديق عربي زائر: ”إذا اختلف وزير داخلية سابق مع وزير داخلية حالي يكون الخلاف أفظع بكثير من الخلاف بين أحد الوزيرين ورأسمالي أميركي”. لم يخترع كيم إيل سونغ جديدا ولم يبتكر سابقة.. كان كل ما عليه أن يقلد ماو وستالين. يقول نشيد وضعه عمّال جنوب أوسيتيا ل”ستالين”: ”نحب يدك، أيها الأب الحبيب، بسبب السعادة التي منحتنا. أنت شعاع الشمس الحيوي. والآن الفلاح يشبع والجندي يبلي في الحرب البلاء الأفضل”. لا بد من إسباغ صفات ”الألوهة” على الزعيم.. إنه دائما ملهم ومتفوق. عندما تحدث سيف الإسلام القذافي عن الإصلاح في الجماهيرية وإلغاء اللجان الفاسدة والطاغية، وضع شرطا واحدا: الاستنارة بإلهام القائد. إنه فوق الأحكام!