أعلن بنيامين نتنياهو، في معهد جامعة تل أبيب لدراسات الأمن القومي، أن إسرائيل تدعم إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، حيث صرح قائلا ”إننا بحاجة إلى دعم التطلعات الكردية من أجل الاستقلال. إنهم يستحقون ذلك، هناك تغيرات تاريخية تحدث في جميع أنحاء المنطقة، وهي ذات تداعيات مهمة للأمن الإسرائيلي ولأمن العالم. لقد وصلت اتفاقية سايكس - بيكو التي شكلت حدود منطقتنا منذ ما يقرب من مائة عام إلى نهايتها”. وقبل أيام قليلة، أخبر شيمعون بيريس الرئيس أوباما بأنه يعتقد أن العراق لن يستمر كدولة موحدة من دون ”تدخل عسكري ضخم”، وهو مسار لا ينصح بانتهاجه، مضيفا أن الأكراد قد أنشأوا حكومة أمر واقع مستقلة خاصة بهم، بمساندة تركية. وخلال حديثه مع كيري، قال ليبرمان إن ”العراق ينهار أمام أعيننا، وإقامة الدولة الكردية هي صفقة منتهية”. أعتقد أن مثل ذلك الدعم يسبقه تاريخ طويل ومعقد. كتب عوديد يعنون مقالة في غاية الأهمية، نشرت في الأصل باللغة العبرية في مجلة ”كيفونيم” (اتجاهات)، وهي مجلة لليهودية والصهيونية، العدد رقم 14، شهر فبراير (شباط) 1982: ”العراق، دولة غنية بالنفط من جهة، وممزقة داخليا من جهة أخرى، وهي مرشح مضمون للأهداف الإسرائيلية. إن انحلال العراق هو أكثر أهمية بالنسبة لنا من انهيار سوريا. فالعراق أقوى كثيرا من سوريا. وتشكل القوة العراقية أكبر تهديد بالنسبة لإسرائيل على المدى القصير. الحرب العراقية - الإيرانية سوف تمزق العراق تمزيقا وتتسبب في السقوط الداخلي، حتى قبل أن يستطيع العراق تنظيم صراع جبهوي على نطاق واسع ضدنا. كل نوع من المواجهة بين الدول العربية يصب في مصلحتنا، وسوف يختصر الطريق إلى الهدف الأكثر أهمية وهو تفتيت العراق إلى طوائف كما هو الحال في سوريا ولبنان. في العراق، يمكن إحلال التقسيم إلى محافظات على أساس عرقي - ديني على غرار سوريا خلال العهد العثماني. لذا، سوف توجد ثلاث دول أو أكثر حول ثلاث مدن رئيسة: البصرة، وبغداد، والموصل. وسوف تنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن المناطق السنية والكردية في الشمال. ومن الممكن للمواجهة العسكرية العراقية - الإيرانية الحالية أن تعمق من هذا الاستقطاب”. إضافة إلى ذلك، ومن خلال مناقشة الوضع في الجزائر والمغرب، يقول عوديد يعنون بأنه ”سوف تكون هناك دولتان في كل بلد منهما: العرب والأمازيغ. ويبدو ذلك واضحا من خلال طرح اللغة الأمازيغية والثقافة البربرية الجديدة، حيث يمكننا رؤية استراتيجية الانفصال بادية في الأفق البعيد”. ومن المدهش في إسرائيل، التي تعتبر متحفا أو معرضا لجميع الأمم من كل ركن من أركان العالم، والتي تجمعت لبناء ما يسمى الدولة الموحدة، أنها رغم ذلك ترغب في تمزيق البلدان المسلمة. وبسبب ذلك، فإنه منذ بداية إنشاء دولة إسرائيل كان تمزيق البلدان الإسلامية مطروحا على الطاولة. على سبيل المثال، حتى يتسنى استكمال السيناريو الانفصالي في العراق، ومع مراجعة الأحداث التي جرت خلال الأعوام الخمسين الماضية، يمكننا أن نلاحظ أنه في عام 1964 حينما كانت الثورة الكردية في حالة يرثى لها، اقترح الناشط عصمت شريف فانلي على القائد الكردي الملا مصطفى بارزاني الاتصال بإسرائيل لطلب المساعدة. وسافر فانلي إلى إسرائيل حيث التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، كما التقى أيضا بشيمعون بيريس. وعقب تلك الزيارة، أرسلت الحكومة الإسرائيلية ممثلا دائما إلى كردستان العراق. وحاولت إسرائيل كذلك ترتيب عقد اجتماعات لفانلي مع مسؤولين أميركيين، لكن الولاياتالمتحدة رفضت ذلك. وفي عام 1966، لام عبد العزيز العكيلي، وزير الدفاع العراقي آنذاك، أكراد العراق على سعيهم لإقامة ”إسرائيل ثانية” في الشرق الأوسط. وزعم أيضا أن الغرب والشرق يدعمونهم من أجل ”خلق” إسرائيل جديدة في شمال الوطن، كما فعلوا ذلك من قبل في عام 1948 عندما أوجدوا إسرائيل، كما لو كان التاريخ يعيد نفسه. الآن، وبكثير من الأسى، فإننا نواجه تدشينا لسيناريو الانفصال أو التفرقة في منطقتنا، من حيث تقسيم العراق، وسوريا، وتركيا، وغيرها من البلدان، لماذا لا نسمع نداء الاستيقاظ؟ كما يقول القرآن، كتابنا المقدس، ينبغي علينا أخذ هذه النصيحة الإلهية بعين الاعتبار: ”واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”. إنني اتفق تماما أن صدام حسين من جهة، وأن نوري المالكي من جهة أخرى، تسبب كل منهما في كوارث للعراق. لكن تمزيق البلاد سوف يكون بمثابة النار التي تحرق المنطقة بأكملها، وليس العراق فقط. ينبغي على كل الدول العربية والإسلامية اتخاذ موقف شديد الوضوح ضد تفكيك العراق. لحسن الحظ أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد اتخذ موقفا ذكيا جدا في ما يتعلق بتمزيق العراق، ومسألة الاستفتاء في كردستان. ”إن الاستفتاء الذي يطالب به الأكراد الآن، ليس في واقع الأمر أكثر من بداية التقسيم الكارثي للعراق إلى دويلات صغيرة متناحرة، وكانت هناك خطة لتنظيم داعش للاستيلاء على مصر، وقد حذرت الولاياتالمتحدة وأوروبا من توفير أي مساعدات إليهم، وأخبرتهم بأنهم سوف يخرجون من سوريا لاستهداف العراق ودول أخرى”. لا بد أن نضع في اعتبارنا أن الوطن أهم بكثير من الحكومة، والعراق أكثر أهمية من نوري المالكي. إن كردستان ملك لجميع العراقيين، وليست ملكا للأكراد وحدهم. كما أن البصرة وبغداد تنتميان لكل العراقيين، بمن فيهم الأكراد والتركمان وغيرهم.