في الأيام القليلة الأخيرة وقبل انتهاء الاتفاق النووي الإيراني المؤقت، تخيم حالة عدم الوضوح على كل أجواء المحادثات النووية في فيينا. نشأت حالة عدم الوضوح في ضوء إعطاء الوفد الإيراني إشارات مختلطة ومتخبطة للصحافيين الأجانب توحي بأن إيران ستواصل المحادثات حتى يوم 20 يوليو (تموز) أو أنها ستختتم المحادثات قبل ذلك الموعد النهائي بيومين على أن تغادر يوم الجمعة. ويمكن تفسير هذه الإشارات المتذبذبة والمختلطة والمتخبطة للوفد الإيراني، والتي أزعجت الوفد الأميركي بشكل واضح، بأنها تعني عدم قدرة إيران اتخاذ قرارها بقبول الشروط الأميركية والتوصل إلى اتفاق شامل أو تمديد المحادثات، كما أنها استخدمت تلك الإشارات وسيلة للضغط على نظرائها الأميركيين. وبينما انتشرت الشائعات بين الصحافيين يوم الأربعاء بأن إيران ستغادر فيينا قبل يومين من الموعد النهائي الرسمي للمحادثات، أدى خطاب الرئيس أوباما الإيجابي في وقت لاحق من يوم الأربعاء، وما جرى تداوله بعد ذلك من أنباء حول اجتماع وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الكونغرس يوم الخميس، إلى طمأنة الإيرانيين بعض الشيء. وبينما تسعى الولاياتالمتحدة إلى تخفيض القدرات النووية الإيرانية إلى حد كبير مقابل التوصل لاتفاق من شأنه أن يرفع تدريجيا العقوبات المفروضة على إيران، لم يكشف المفاوضون بالتحديد عن الخلافات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل، وكيف يمكن أيضا التغلب على تلك الثغرات من خلال تمديد المحادثات في المستقبل القريب. خلال الأشهر الستة الماضية، نجم عن التخفيف المتواضع للعقوبات المفروضة على إيران تعزيز قطاع السيارات - أكثر ثاني قطاع نشاطا بعد النفط والغاز في إيران - حيث التقط هذا القطاع أنفاسه مع توقيع الاتفاق المؤقت في جينيف في نوفمبر (تشرين الثاني) بين إيران ومجموعة 5+1 (الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا)، وكان ذلك بمثابة أول بادرة للآثار الإيجابية للمفاوضات. أسفرت العواقب المباشرة للعقوبات الدولية المفروضة على إيران عن قيام قطاع السيارات تسريح ما بين 115 ألف – 130 ألف عامل منذ صيف 2011. وساعدت المفاوضات المكثفة إلى حد كبير بين إيران والقوى الغربية، ولا سيما الولاياتالمتحدة، على تحسين الاقتصاد المشلول بعض الشيء، بما في ذلك قطاع السيارات. وذلك وفقا لما أفاد به صندوق النقد الدولي الذي أوضح تحسن حالة الاستقرار وفرص النجاح في إيران، قائلا: “لا تزال تلك الأوضاع غير مؤكدة إلى حد كبير”، وذلك بحسب تقرير نشره صندوق النقد الدولي يوم 21 فبراير (شباط) 2014. ولكن تقييما جديدا قد يظهر المزيد من التحسن في قطاعات السيارات، وكذلك النفط والغاز خلال فترة الأشهر الستة الكاملة بفضل هذا الاتفاق المؤقت. من المرجح إلى حد كبير قيام المفاوضين الإيرانيين والغربيين بتمديد الاتفاق المؤقت، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا التمديد سيكون لمدة ستة أشهر أخرى أم أقل من ذلك. لا يهم مدة هذا التمديد، ولكن من المهم إحراز التقدم الكافي فيما يتعلق باستمرار تجميد البرنامج النووي الإيراني المتقدم مقابل تخفيف المزيد من العقوبات. السيناريو المحتمل عقب 20 يوليو هو إما أن توافق إيران أو الولاياتالمتحدة الأميركية، باعتبارهما الطرفين المفاوضين الرئيسين، على شروط الآخر، أو نبذ المحادثات كليا، وهو الأمر الذي لا تأمل الولاياتالمتحدةوإيران - وبالأساس الدول المجاورة لإيران - في حدوثه. وأوضح الرئيس أوباما يوم الأربعاء 16 يوليو أن إيران بذلت جهودا كبيرة للإيفاء بوعدها بتقليص برنامجها النووي، ولكنه ذكر أنه سيجري محادثات مع الكونغرس في الأيام المقبلة بشأن تمديد الموعد النهائي للمحادثات النووية، موضحا أنه “لا يزال هناك فجوات كبيرة”. ولكن إيران نظرت إلى حديث الرئيس أوباما باعتباره تلميحا لتمديد الموعد النهائي للمحادثات النووية الإيرانية، وهو ما يعني اتفاق الجانبين على تمديد المحادثات لما بعد 20 يوليو. وكان التوجه العام في إيران يتوقع أن ينجم عن يوم الأحد (20 يوليو) التوصل إلى اتفاق شامل، والقيام بعمل يُسجله التاريخ، وألا يعود المفاوضون الإيرانيون إلى إيران بأيدٍ فارغة. ويبدو أن ظريف عمل على ضمان تمديد الموعد النهائي في ظل تخفيف المزيد من العقوبات المفروضة على أن يتم الإعلان عن ذلك يوم الأحد، فقد يدخل ذلك السعادة إلى قلوب الإيرانيين، الذين يشعرون بالقلق وينتظرون نتيجة المحادثات، كما أن ذلك من شأنه أن يمهد الطريق أمام الاجتماعات القادمة. وبالتأكيد، فإن تفاصيل التمديد المحتمل للمحادثات سيجعلنا على بصيرة بتفاصيل المفاوضات التي لم يجر الكشف عنها. وإذا لعبت إيران لعبة لدفع الأميركان قبول شروطها، من خلال تبني موقف صارم وغير قابل للتفاوض بحلول الموعد النهائي للاتفاق المؤقت، فإنها بذلك تكون أخطأت، وأضاعت الفرصة من بين يديها بالنظر لوجود أصوات مسموعة أيضا للشركاء الآخرين للولايات المتحدة في هذه المحادثات.