يبدو أن سياسة التنقل إلى الدول الأجنبية قبل بداية كل موسم كروي أصبح فرضا لابد منه لدى غالبية النوادي الكروية الجزائرية المحترفة لإقامة معسكرات تحضيرية، رغم النتائج الجد متواضعة لهذه المحطات والتي تظهرها أولى الامتحانات التي تواجه هذه النوادي بعد العودة. وعيد ينتظر المتربصين في الخارج والويل لمن يسقط في أول امتحان تجارب جديدة توحي بنجاح معسكرات داخل الوطن ولكن.. طفت إلى السطح هذه الأيام صيحات مدوية تندد بهذه السياسة التي تكلف هذه الأندية الملايير دون فائدة، والمفارقة العجيبة التي تبقى لغزا يحير الجميع هي أن الغالبية من هذه النوادي تشتكي من الإعانات المالية لكنها تنفق الملايير في الخارج، في وقت صنعت فيه نوادي أخرى لها باع طويل في مثل هذه المعسكرات الاستثناء هذه المرة بعدما تيقنت أن الأمر ليس متعلقا بإجراء تربصات خارج الوطن بحجة غياب المركبات الرياضية السياحية في الجزائر، والبحث عن سبل تمكنها من الإعداد الجيد للمنافسة، بل الأمر في حقيقته يتعدى ذلك إلى أمور جوهرية متعلقة بغياب الاستقرار في اللاعبين والمدربين وكذا غياب خطط لأعوام ترسم خارطة طريق واضحة المعالم وقضايا أخرى لم يتم الانتباه إليها. رغبة منا في معرفة تفاصيل هذه القضية التي تحمل في ثناياها الكثير من المتناقضات والتي تتكرر مع بداية كل موسم في صمت رهيب، تزامنا مع فترة تتواجد فيها 9 نوادي في تونس، و3 نوادي في تركيا ونوادي أخرى في المغرب وفرنسا وغيرها من البلدان الأجنبية، قمنا باستنطاق بعض الوجوه الرياضية، حيث تضاربت مواقفهم واختلفت وجهات نظرهم بين مؤيد ومعارض لظاهرة حج الأندية الكروية الجزائرية إلى الخارج، ولعل الأمر المتفق فيه هو تيقن الجميع بأن الإشكال لا يكمن في إجراء تربصات داخل أو خارج الوطن، بل في مفهوم وهوية التكوين في حد ذاته الغائب في أجندات وبرامج الفرق الجزائرية التي لم تطرق أبوب الاحتراف بعد، ليبقى هذا المصطلح مجرد شعار رنان يستعمل من طرف مسيري الأندية في الأوقات التي تساعدهم فقط، دون النظر إلى موقع معنى الاحتراف على هذه الخارطة التي اختلط فيها الحابل بالنابل. هرادة عراس رئيس مولودية العلمة: ”أندية تصرف أموالا طائلة في الخارج ثم تعود إلى التسول في الجزائر” أبدى رئيس نادي مولودية العلمة، هرادة عراس، أسفه الشديد تجاه تبعات المعسكرات التحضيرية التي تقيمها النوادي الكروية الجزائرية خارج الوطن، سيما الأموال الطائلة التي تصب هناك في الأرصدة البنكية للمركبات السياحية، لتعود بعدها هذه النوادي إلى التسول في الجزائر، وهذا الأمر حسب الرئيس هرادة ليس مقتصر على التي تعاني ماليا بل حتى النوادي التي ترعاها الشركات الحكومية الكبرى، التي تجدها تزاحم النوادي الأخرى في إعانات الولايات والبلديات، وطوال هذه الرحلة لا يتم الإلتفاة إلى نتائج هذه التربصات التي لم تعد مجدية طالما هناك تجارب متكررة تؤكد فشلها المريع، من جهة أخرى يعذر رئيس ”البابية” بعض الأندية التي تلجأ إلى الخارج مكرهة نظرا لنقص الإمكانيات والمركبات في الجزائر ولو أن هناك - يقول عراس - بعض المرافق مثل المركب الأولمبي بمنطقة الباز بسطيف إلا أنه سوف لن يكون كافيا في حالة تربص كل الفرق داخل الوطن، وبالتالي لا ينكر هرادة حقيقة الضغط ونقص الإمكانيات التي تفرض على بعض النوادي اللجوء إلى خارج الوطن لإقامة معسكراتها التحضيرية ولو كلفها ذلك غاليا. حسان حمّار: ”التربص في الخارج مضيعة للوقت والأموال” أخيرا اقتنع رئيس نادي وفاق سطيف حسان حمار الذي له تجربة طويلة مع تربصات فريقه خارج الوطن، اقتنع أنه لا جدوى من التنقل على الخارج، مؤكدا أن الوفاق كان أمام حتمية للجوء إلى المركبات السياحية بتونس واسبانيا في ضل عدم توفر البدائل، ومع فتح أبواب المركب الأولمبي بمنطقة ”الباز” بسطيف قررت إدارة النادي السطايفي إقامة المعسكر داخل الوطن، وهو الأمر الذي سمح لمسيري الفريق من مباشرة مهام التحضير بأريحية كبيرة، بعيدا عن الضغط الذي كان يعاني منه النادي خارج الوطن، سميا - يقول حمار - ”في ظل التحركات الجانبية التي يباشرها المسيرون والمتعلقة بالاستقدامات والتحضيرات الجانبية بعيدا عن مكان التربص حيث أصبح كل شيء قريب ولا يكلف وقت وجهد كبيرين على عكس المواسم الماضية أين كانت الجهود مباشرة داخل وخارج الوطن، وما تخلفه هذه العملية من متاعب كبيرة وغالبا ما تؤثرا سلبا على تحقيق الأهداف المرجوة من تلك التربصات” ليكشف حمار أنه لم يسبق وأن حقق النادي الذي يشرف على تسييره على غرار كل النوادي الجزائري أهدافه بنسبة مائة في المائة في التربصات المقامة خارج الوطن، نظرا للصعوبات التي يتم مواجهتها، والتحدي الكبير الذي غالبا ما يدخل هذه الفرق في أنفاق مظلمة حسب محدثنا، هو تلك الفترة التي تأتي بعد العودة من التربص، خاصة إذا لم تحقق نتائج ايجابية في الامتحانات الأولى التي تعقب التربص، أين يفتح المجال واسعا لاطلاق سيولا من الانتقادات والتي لا تؤثرا إلا سلبا على نفسية اللاعبين والمسييرين على حد سواء. ”الوفاق أنفق 180 مليون فقط، بعدما كان ينفق مليار ونصف خارج الوطن” كشف حسان حمار عن أرقام مهمة بخصوص نفقات التربصات والتي لها تأثيرات كبيرة على خزينة الفرق الجزائرية التي تعاني من هذا الجانب، حيث أكد أن الوفاق في تربصه المقام بمركب ”الباز” والذي يشرف على انتهاء مدته وصلت مجمل نفقاته إلى أقل من 200 مليون سنتيم وبالضبط 180 مليون سنتيم بعدما كان يصرف النادي أزيد من مليار ونصف في التربصات التي تقام في تونس، مشيرا في الوقت ذاته أن المبلغ المذكور لم يأت من باب التقشف بل إن إدارة النادي رصدت قبل بداية التربص مليار و400 مليون سنتيم خصيصا لهذه المحطة، مؤكدا في الوقت ذاته أن التربص المقام في مركب ”الباز” سارت أطواره بنجاح كبير ودون تسجيل أية عراقيل، بل وأن هذا المركز حسب حمار أحسن بكثير من مراكز تونس والمغرب. كويسي مصطفى: ”التربص خارج الوطن لم يعد مجديا والسياربي ستعيد تربصها في سطيف” لم يتردد مناجير فريق شباب بلوزداد واللاعب الدولي السابق، مصطفى كويسي، في تأكيد فشل التربصات التحضيرية التي تقيمها غالبية النوادي الجزائرية خارج الوطن، كاشفا في الوقت ذاته أن السياربي ستعيد تربصها من جديد بعد العودة من المغرب في مركب ”الباز” بسطيف، هذا الأخير الذي خاض فيه الشباب تجربة في شهر جانفي الماضي والتي قال عنها كويسي أنها آتت أكلها، وبعيدا عن السياربي يرى محدثنا أن التنقل إلى الخارج قد يكون من مطلق نقص المركبات الرياضية في الجزائر لكن حسبه مركب ”الباز” يستطيع أن يغطي خدمات أزيد من 5 نوادي في آن واحد دون أي ضغط، وبالتالي يجب أن لا يكون التنقل إلى الخارج بهذه الأعداد، ولا يعاب علينا - يقول كويسي - إن تنقلت بعض الفرق إلى الخارج تجنبا لحدوث اكتظاظ داخل الوطن سيما الفرق التي تملك إمكانيات مادية تؤهلها لذلك، لكن لا ينبغي أن يحج الجميع إلى الخارج، ثم تكون العودة بعدها ”مصيبة” بدخول فرق في أزمات مالية لا مخرج منها، وبالتالي نسف كل المجهودات المبذولة في تلك التربصات. عبد الحكيم سرار: ”أي تربصات تتحدثون عنها؟ فالذهاب إلى الخارج مجرد ترفيه” تساءل رئيس نادي اتحاد بلعباس عبد الحكيم سرار عن أي تربصات تتحدث عنها النوادي الجزائرية التي تذهب إلى الخارج من أجل الترفيه ليس إلا مشيرا أنه أن قرار اختيار مكان التربص وطريقته ليست مقتصرة على شخص واحد في النادي بل بعد مشاورات ماراطونية بين مختلف الفاعلين، وبالتالي من يملك نظرة ايجابية لا يكمن له أن يفرضها إلا بموافقة الجميع وبالتالي -يقول سرار - ”لا أتهم كل الناس في قرار اللجوء على خارج الوطن لإقامة المعسكرات التحضيرية، فهناك ضغوطات تفرض علينا اللجوء إلى ذلك، سيما في ضل سيادة بعض العقليات البالية، حيث أضحى التنقل إلى الخارج معيارا لقوة الفريق حسب إعتقاد السواد الأعظم من متتبعي الكرة الجزائرية، وبالتالي تجد بعض الفرق نفسها مقحمة ضمن هذا التوجه الذي أصبح شرا لابد منه” ليضيف محدثنا في كلامه قائلا ”أنه لو تصفحنا برامج هذه التربصات لوجدنا كوارث إلا من رحم ربك” وبالتالي يعتبر سرار الحديث على التربصات التي تقيمها الفرق الجزائري في حد ذاته مضيعة للوقت، في ضل وجود مسائل أكثر أهمية تفرض نفسها يوميا للحديث عنها لكنها لم تنل فرصة، كقضية الاحتراف والكوارث التي تحدث في الانتدابات قبل أن نتكلم - يقول سرار - عن التكوين وواقعه في الجزائر. نور الدين زكري: ”الإشكال ليس في مكان التربص بل في الخطط والبرامج التحضيرية” ذهب التقني نور الدين زكري في حديثه عن قضية تربصات النوادي الجزائرية إلى أمور خفية، حيث أكد بأن المشكلة لا كمن في مكان تربص النادي بل في غياب الاستقرار والخطط الفنية، كما فتح زكري النار على رؤساء الأندية الجزائرية المحترفة، متّهما إياهم بنسف مشاريع فنية كبيرة كانت ستدفع بالكرة الجزائرية إلى مراحل جد متقدمة تمكنها من مجابهة الكرة الأوربية، لكن السياسة التي ينتهجها غالبية الرؤساء الفاشلون قضت على الجهود حسب زكري، الذي ينصح الجميع بعدم الاستغراب من ظواهر ”الشيتة” والأموال التي تمنح تحت الطاولة التي يعمد إليها بعض الرؤساء، وبكونه مدرب وعاش تجربة كقائد للعارضة الفنية لنادي وفاق سطيف سابقا، يؤكد زكري أن الإشكال لم يكن يوما في الجوانب الفنية التي يجب أن نتركها جانبا حينما نتكلم عن التعفن الذي عشش في الكرة الجزائرية، فكم من مشاريع فنية مميزة جدا في بعض النوادي على غرار وفاق سطيف، اتحاد الحراش، وغيرهما لكن في كل إخفاق أو تراجع طفيف لمستوى الفريق بسبب المشاكل المالية تارة وعدم وفاء الإدارة لوعودها تارة أخرى، يلجأ رئيس النادي مباشرة إلى سياسية التضليل وإيهام الأنصار بأن وضعية الفريق سببها فشل المدرب الذي يتحمل مسؤولية كل ما حدث، وهذا قصد إبعاد اللوم عليه، لتأتي بعدها إقالة المدرب أو إرغامه على الاستقالة بطرق ملتوية أشبه - يقول زكري - بعمل الساسة في الجزائر، وبالتالي الإشكال ليس في مكان التربص بل في هذه القضايا التي يجب أن تطرح للمعالجة الجادة.