في كل مرة تبتكر لنا المخابرات الأمريكية مصطلحا جديدا، وتتركنا نلوكه في إعلامنا وفي مجالسنا، ويسيطر مثل المخدر على عقولنا. “داعش” ابتكار قديم جديد، ليخلف القاعدة، فبعدما انتهت مهمة القاعدة واكتشفت حقيقتها للرأي العام الأمريكي والدولي، وبعدما وجهت سلاحها إلى قلب أمريكا التي صنعتها ودربتها ومولتها بالمال العربي. اليوم تصدر إلينا المخابر الأمريكية أبو بكر البغدادي الذي قال عنه “سنودن” إنه صناعة مخبرية أمريكية صهيونية، ليكمل ما بدأته القاعدة في العقل العربي، ويعود بنا قرونا إلى الوراء خارج ركب الحضارة الإنسانية. المؤامرة هذه المرة ليست على الإنسان العربي وحده، بل على الدين الإسلامي الذي تصوره “داعش” في أبشع صوره، دين قتل دون رحمة، ودين سبي يقيم أسواقا للرق في القرن الواحد والعشرين، لا يعترف بحرية الدين ولا حرية الأفراد والمرأة في مفهومه مجرد وسيلة للمتعة والتكاثر، وآخر ما ابتكرته هذه “الداعش” جهاد النكاح الذي ينزل بأخلاق البشر إلى الدرك الأسفل. هذه هي الصورة التي تريد أمريكا والصهيونية أن ترسخ في ذهن البشرية في العالم المتحضر، المسلم إنسان همجي لا يقبل الآخر، والمسلمون مجرمون يتقاتلون فيما بينهم، مهووسون بالجنس والقتل والدمار، ولم يقدموا شيئا للإنسانية. والغريب أن إعلامنا العربي وكأنه يكتشف لتوه هذا التيار الظلامي، مع أنه كل لا يتجزأ، سواء سمي إخوانا مسلمين أو سلفية، أو سمي القاعدة أو داعش، كله صنع في مخبر واحد، الأمريكي الصهيوني، ومثل جرثومة إيبولا التي زرعتها أمريكا في إفريقيا لتقتل المزيد من شعوب القارة، تقتلنا جرثومة داعش بأبشع الطرق. ألم تقتل “داعش” تحت مسميات أخرى الجزائريين سنوات التسعينيات واغتصبت وسبت وخطفت ودمرت قرى وذبحت النساء والأطفال وحرقت الزرع وهدمت المصانع والمدارس ومارست كل أنواع البغاء؟ المضحك المبكي هو موقف الرئيس الأمريكي أوباما أمس، فبعد أن أقرت هيلاري وكاتبة الدولة للخارجية منذ أيام في كتابها الأخير “خيارات صعبة”، حسب ما تداوله الإعلام، أن أمريكا هي من صنعت “داعش” وكانت تنتظر من الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي أن يعلن عن الدولة الإسلامية في مصر تعترف أمريكا وحلفاؤها بها، إلا أن الانقلاب الذي قاده السيسي أخلط كل الأوراق، ها هو أوباما يعطي أوامر للجيش الأمريكي بتوجيه ضربات جوية لمعاقل داعش في العراق، وقال معلقا “أعتقد أن أمريكا لا يمكن أن تغض الطرف، ويمكننا التحرك بحرص ومسؤولية لمنع إبادة جماعية محتلمة”، أما الإبادة الجماعية التي يتخوف أوباما من حدوثها فهي التي تهدد مسيحي العراق واليزيديين، بعد أن اختطفت داعش بناتهم وباعتهن في سوق الرقيق، لكن أوباما لم يحرك ساكنا لما كانت وما تزال داعش تقتل في سوريا وتختطف الفتيات وتنفذ فيهن الإعدام وتمارس بهن جهاد النكاح. المفارقة أن موقف أوباما في سوريا هو إلى جانب داعش التي تقاتل نظام بشار، ولأن داعش هنا تقاتل مسلمين، فإن أمريكا لم تر في ذلك ما يستحق التدخل لمنع المجازر المحتملة، مثلما لم تتدخل أمريكا لمنع المجازر الأخرى ضد عراقيين مسلمين من شيعة أو سنة، بل شجعت على الصراعات الطائفية ووقفت إلى جانب الشيعة ضد السنة، ودخل العراق في دوامة عنف لم تنته. الخلاص من داعش بكل مسمياتها لن يأتي من أمريكا، هذه صنعتها لتقضي على كل أمل لبناء أوطان عربية قوية، وإنسان عربي يفكر ويبتكر ويصنع وينافس الإسرائيلي والغربي. ولتبقى بلداننا خرابا ومصيرنا وثرواتنا بيد الغرب يصنع بنا ما يشاء، حربنا على الدواعش لابد أن تبدأ منا وفينا، ولنبدأ بالمناهج التربوية، ونصحح منظومتنا الدينية، ونسعى لبناء أنظمة ديمقراطية حقيقية غير تلك التي ترضى عنها أمريكا. لنبدأ أولا ببناء الإنسان حتى لا تحوله داعش إلى قنابل موقوتة تدمر كل أمل فينا؟!