أثار ما كتبته عن جدع الأنوف والآذان كثيرا من التعليقات. أعجبتني منها هذه الرسالة الكريمة من البروفسور علاء بشير، الجراح الخطير والرسام المبدع، الذي كان الطبيب الخاص لصدام حسين وأسرته قبل هجرته لبريطانيا حيث يعمل الآن جراحا أول في مستشفى نوتنغهام. وقد التقيته مؤخرا في المعرض الفني الساخر الذي نظمه بلندن عن براميل النفط وما تحكيه البراميل من أسرار! والآن كتب إليّ يقول: ”قرأت ما كتبت عن قطع الأذن والأنف، وذكرني ذلك بما شاهدت خلال مهنتي الطبية، وليس لتذكره علاقة بمسبباته الاجتماعية أو السياسية. في هذا الصدد أذكر ثلاث حالات. في منتصف عام 1995 كنت في عيادتي في منطقة المنصور في بغداد وتقريبا عند الساعة السادسة مساء دخلت عليّ الممرضة مع شاب وسيم، من مظهره يبدو أنه كان من العراقيين المهاجرين للغرب. كان ماسكا أذنه اليسرى بمنديل والدم يقطر منها، وفي اليد الأخرى الجزء الذي قطع منها. قال إنه غادر العراق قبل 25 سنة، وإنه جاء لحضور مراسم عزاء والدته قبل خمسة أيام، وإنه أراد توصيل أخته لدارها بسيارة أخيه ووقف عند إشارة المرور الحمراء، ولم يرق للسائق الذي خلفه الانتظار طويلا وأشار عليه بالتحرك إلى الأمام رغم وجود الضوء الأحمر. قال (لما رفضت خرج علي من سيارته وقضم أذني هذه)! ومن موضوع قطع الآذان أذكر أنني عالجت أحد الجنود العراقيين الناجين من الموت في معركة البسيتين المشهورة مع الإيرانيين كانت إحدى أذنيه مقطوعة. سألته كيف حدث ذلك دون أي إصابة أخرى في جسمه، قال (كانت خسارة الجيش العراقي جسيمة في تلك المعركة، وبعد منتصف الليل جاء مجموعة من الإيرانيين وبأيديهم أكياس وسكاكين يقطعون آذان الشهداء من الجنود العراقيين لغرض تسجيل عددهم. واقتربوا مني فتظاهرت بأنني ميت، فقطعوا أذني دون أن أتحرك تماما). وكانت لي تجربة أيضا مع عدد من الأكراد الذين كانت الجهات الرسمية تحيلهم لي للعلاج من الأكراد الموالين للحكومة والذين تعاقبهم الجهات المتمردة من الكرد ضد الحكومة في الثمانينات من القرن الماضي. ولكن في هذه المرة كانوا يقطعون أو يجدعون الأنوف بدل الآذان، لأن الأذن يسهل إخفاؤها لكن يصعب إخفاء الأنف كما أعتقد. أخي الكريم الأستاذ خالد، هذا ما وددت أن أضيفه من تجربتي لموضوعكم المهم كما اعتقدت عند قراءتي. ودمتم سالمين.. علاء بشير”. يا عزيزي الدكتور، ألا تلاحظ الروح العصبية للعراقيين التي تجعل سائق سيارة يخرج من سيارته ويعض أذن السائق الآخر ويقطعها عند اختلافه معه؟ في مصر شهدت مخانقة في شارع قصر النيل بين سائقين انتهت بكلمات {صلي ع النبي!.. صلي ع النبي}.. وانتهت المخانقة بسلام.