داعبت في مقالتي السابقة شخصية المرأة وخوفها من الفأر. وهو ما يفعله الرجال مرارا ويعتقدون أن المرأة غير قادرة على الفكاهة والسخرية. يكاد الرجال يحتكرون هذا الميدان لأنفسهم. إنه ميدان رجالي، وقلما شاركت فيه امرأة، رغم كل تذوق النساء لهذا النوع من الأدب وانجذابهن إليه وإلى شخصياته. قد يعود ذلك إلى أن ما يسمى بالنكات ذات الإيحاءات يشكل ركنا مهما من أركان الفكاهة. والحشمة المنتظرة من المرأة تمنعها من الخوض بمثل ذلك. كما أن السخرية سلاح هجومي عدواني، وليس من صفات المرأة المبارزة والهجوم. ربما أن هناك عوامل أخرى تكوينية. ومع ذلك فلكل قاعدة شذوذ. ولكل تعميم استثناءات. لقد عرف التاريخ كثيرا من النساء الظريفات وسأتعرض لبعضهن في مقالات قادمة إن شاء الله. رويت بعض النكات والظرافات عن أم كلثوم. كانت تتناول أكلة روسية فيها الكثير من البصل. فسألوها عما جمع روسيا بالبصل. فقالت: ”اثنينهم فيهم روس”. وعرفت المطربة العراقية عفيفة إسكندر، بمثل ذلك من روح الفكاهة، ولا سيما في سخريتها من زميلتها المطربة سليمة مراد. قالت لي يوما: ”سليمة ح تموت الناس كلهم وهي تبقى حية”. قالت ”حية” بلهجة من التورية. ممن اشتهرن بالظرف في عالم الفن والمسرح أيضا، الممثلة الفرنسية مادلين بروهان. كان لها لسان لاذع يمكننا أن نتحسس حدته ومضاءه من بعض ما روي عنها. جاءها يوما أحد أصدقائها ليشكو همومه، فقال: ”أنا رجل أعزب. ولكنني أحب كثيرا أطفال الناس الآخرين”. فبادرت إلى نصحه وقالت ”هذا أمر يسير! ما عليك غير أن تزج نفسك بالزواج”! وفي حكاية أخرى، التقت مادلين بروهان بأحد مديري المسارح. وكان بخيلا وكثير الإهمال بمظهره الخارجي. راح يتبجح أمامها بثروته الكبيرة التي جمعها مؤخرا من أحد عروضه المسرحية. فقالت له: ”أوه! سيكون عليك الآن أن تستحم وتعتني بمظهرك”. فأجابها بغضب وقال: ”ولكنني أستحم صباح كل يوم”. - ”حسنا! عليك الآن أن تغير الماء الذي تستحم به”. وكانت مادلين تكره إحدى زميلاتها في المهنة، المدام آلو، كرها شديدا، ولا تدع فرصة تمر دون أن تشير إليها إشارة ساخرة. وكانت المدام آلو بدينة جدا. شوهدت مادلين تؤنب وتهدد ابنتها ذات يوم وتقول لها على مسمع من غريمتها، ”إذا لم تسكت وتهدئي فسأجعلك تدورين 3 مرات حول مدام آلو”! ولم تفارق روح الفكاهة هذه الممثلة السليطة اللسان حتى على فراش الموت، بعد حياة قضتها في التبذير والمغامرات والحفلات الصاخبة. وكان أن حضر القس إلى فراشها ليستمع إلى اعترافها الأخير فسألها: ”أليس لديك ما تندمين عليه”؟ فقالت وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة: ”آه! أجل. أشعر بكثير من الندم.. إنني نادمة على كل ما لم أفعله في حياتي”!