نالت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف منذ القديم شعبية واسعة وسط المجتمع الجزائري، وتميزت بتقاليدها وعاداتها الأصيلة، والتي كانت تعرف لم شمل العائلات وطبخ الأطباق التقليدية اللذيذة وإشعال الشموع والعنبر، وإعداد طبق “الطمينة” الحلو الذي يقدم بالتهاني عن المولود الجديد، ولكن بدأت هذه العادات الجميلة تغيب بعد أن التفت الشباب والأطفال واهتموا فقط بالألعاب النارية والمفرقعات. عرفت المفرقعات تطورا وتحسينات كبيرة في السنوات الأخيرة، حولتها لأسلحة نارية كما وصفها ضحاياها، والسبب في انتشارها الواسع يعود لهيمنة بارونات التهريب على هذه المواد المضرة أكثر منها ممتعة، والتي صار ضحيتها الحيوانات والعباد على حد سواء، بعد أن تحولت اهتمامات الشباب لفرقعة المارة والقطط بالشيطانة، البوق، القادوس، دوبل بونب وغيرهم الكثير.. علماء النفس الاجتماعي يصفون الظاهرة بالانحراف الأخلاقي وصف علماء النفس الاجتماعي بالجزائر ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنويا عن طريق استعمال الألعاب النارية والمفرقعات، رغم اتخاذ أشكالها وأحجامها منحنى خطيرا بعد أن أدخلت عليها تعديلات وتطويرات جعلت منها قنابل تتسبب في المآسي للمصابين على إثرها بالحروق والعمى والجروح الخطيرة، بلغت حد البتر للأطراف المصابة وغيرها من المصائب، والذين بلغ عددهم سنويا الآلاف، حسبهم، حيث وصفوا هذه الظاهرة الاجتماعية بالانحلال الأخلاقي في هذه المناسبة المقدسة والمباركة بشوارعنا، حيث تحولت الاحتفالات بمولد خير خلق الله من بسيطة وحميمية إلى انحلال أخلاقي، حيث كانت تقتصر على الذكر في المساجد وعمل حلقات للدروس ببيوت الله والذكر وإحياء سنته صلى الله عليه وسلم، والتسابق على ختم القرآن وعمل الأمهات للأطباق الجزائرية المميزة والتقليدية وإشعال العنبر في البيوت والأزقة، ولم شمل العائلة الكبيرة، إلى احتفالات مونديالية وهوليوودية يشوبها العنف والأذية للآخرين، جراء ما تتسبب فيه هذه الألعاب والمفرقعات من هلع وفزع للناس، وكذا من إصابات بلغت الآلاف سنويا للأسف الشديد، حيث أكد المختص في علم النفس الاجتماعي، الدكتور المحاضر بجامعة بوزريع، بوزرزور حمزة، أن هؤلاء الشباب والأطفال الذين يمارسون هذه الألعاب النارية والمفرقعات الحديثة رغم خطورتها مضطربون نفسانيا ويملكون شحنات سلبية كبيرة ومكبوتات تجعلهم يميلون لممارسة هذه الألعاب التي تعدت في السنوات الخمس الأخيرة موسم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف للاحتفال بفوز الفرق الرياضية المفضلة لدى هؤلاء الشباب على المستوى الوطني والعالمي كالمونديال وأعراس الزواج والختان، وغيرها من الأفراح التي يهرب إليها المضطربون والمكبوتون نفسيا لإفراغ شحناتهم السلبية بطريقة عنيفة، وقد حان للمجتمع الجزائري لأن يتبع طرقا أكثر حضارية نفسية واجتماعية ودينية من أجل تفريغ الشحنات السلبية دون إيذاء الآخرين، حيث ساهم غياب الظروف الاجتماعية والمرافق أيضا اللازمة للترفيه عن الشباب بالمجتمع الجزائري إلى هروبهم للألعاب العنيفة كتفريغ شحنات الكبت والمعاناة الاجتماعية، ما جعله تفريغ مبالغ فيه عبر الاحتفال بهذه الأسلحة التي يفترض أن تكون ألعابا. مرجعا أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى سماح بعض موظفي الجمارك الجزائرية للتجار بإدخال هذه المفرقعات وتسويقها الواسع بأسواق الجملة والتجزئة، إلى جانب التهريب، وهو ما يهدد بسلامة المواطنين وصحتهم، باعتبار تحولها إلى أسلحة نارية وليس مجرد ألعاب، ناهيك عن قلة الوعي والمرجعية - شباب أطفال ومراهقون- حيث يتحمل الأولياء مسؤولية انعدام المتابعة والرقابة لاحتفالات أبنائهم بهذه المناسبة المباركة، والأخطر هو تشجيع الأولياء لأبنائهم عن طريق اقتناء هذه الألعاب الخطيرة لصغارهم والسماح لهم بتفجيرها. وعليه يقترح الأخصائيون تكافل عدة أطراف للقضاء على هذه الظاهرة أو التقليل منها، عن طريق تنبيه الأئمة بالمساجد للأولياء عبر الخطب والدروس لمراقبة صغارهم وعدم السماح بممارسة مثل هذه الألعاب والسلوكيات المضرة، وكذا المؤسسات التعليمية والرياضية والشبابية وغيرها من المرافق التي يجب أن تساهم في منع هذه الظاهرة، بوضع مقترحات وبديل لهؤلاء لمحاربة العنف المتفشي في المجتمع، ووجوب إفهام الشباب والأطفال أن حرية كل شخص تنتهي عند بدء حرية شخص آخر، إلى جانب أيضا تفعيل دور الأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين عبر مختلف الهيئات والمؤسسات كدور الشباب والمدارس والجامعات، وغيرها ممن يتواجد فيها هؤلاء المشحونون والمضطربون لتفريغ شحناتهم النفسية بطرق سلمية. الاحتفال بالألعاب النارية والمفرقعات ثقافة عبدة النار من جهته، كان أمام مسجد “القدس” بحيدرة الشيخ قسول جلول قد أكد أن الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف يجب أن تكون باتباع سنته وهديه والتحلي بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وليس بتفجير المفرقعات التي تعددت أشكالها وأنواعها وكذا أحجامها وصارت تبعث على الرعب في نفوس المسلمين، وكذا إشعال الألعاب النارية المختلفة هي الأخرى، فهذه مظاهر الاحتفال لدى عبدة النار والمجوس، حسب الشيخو ولا يجدر بالمسلمين أن يتبعوا ثقافة وعادات وتقاليد الكفار تبعا لقوله صلى الله عليه وسلم “من تشبه بالكفار فهو منهم”، وهي من الأمور التي تمس بالعقيدةو لأن عبدة النار والمجوس هم من يتعبدون ويعظمون النيران، وهي بالتالي رسائل ضمنية تمس بالعقيدة وتشجع العنف، وهو على عكس ما يسعى الإسلام لغرسه في نفوس المسلمين، ثم إن هذه الألعاب والمفرقعات تبعث على الهلع والخوف لدى رميها فجأة في نفوس المسلمين، وهي متعددة الأشكال والأحجام، كما ذكر سابقا. وقد تم تطويرها حتى صارت تتسبب في مشاكل صحية وعاهات مستديمة للبشر، ثم يضيف المتحدث أن استعمالها في ترويع المسلمين أمر جلل عند الله، فقد نهى نبيه الكريم عليه السلام عن ترويع المسلم لأخيه المسلم وأوصى بالرفق بالحيوانات، إلا أن شباب وصغار هذا الجيل للأسف لا يتبعون هذه التعاليم، وذهبوا بعيدا بتصرفاتهم الهوجاء حتى صاروا يعذبون الهررة والكلاب الضالة بإمساكها وربط المفرقعات إلى جسمها وإشعالها، لتظل تلك الحيوانات المسكينة تتراقص وتتخبط أمامهم من الهلع وهول ما يتفجر على جسمها، وهم يتفرجون فرحون بما فعلوا للأسف الشديد، يقول. وأضاف الشيخ قسول ل”الفجر” أن هذه الألعاب النارية والمفرقعات تفسد العقول وتنهب الجيوب، وقد نهي عنها دينيا وممنوعة قانونيا، إلا أن هناك من يحب للأسف أن تشيع الفاحشة في الجماعة، ويمكن تشبيهها بالمخدرات والكحول، بحيث يقع في الحرام كل من اقتناها وسهل دخولها للسوق وسوقها، والأئمة في المساجد يحاولون منذ سنوات بعد أن عرفت هذه الظاهرة انتشارا واسعا وأخذت منحى خطيرا أن يوعوا الناس، ولابد للجهود أن تتضافر بين السلطة الأمنية والرقابة الجمركية والدينية من أجل توعية ومنع دخول مثل هذه الألعاب الخطرة للبلاد، وهو ما تشهده الجزائر خلال السنوات الأخيرة، حيث قل اقتناؤها بعد توعية أولياء الأطفال عبر خطب ودروس المساجد الذين كانوا يقتنون هذه الممنوعات لصغارهم وشبابهم، وتم تقليص حجم تجارتها بالوطن عن طريق المراقبة الأمنية المشددة وحتى الجمركية، إلا أن هناك، كما قال الشيخ قسول، من يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع، في إشارة منه إلى بارونات المال والأعمال الذين يروجون لهذه الألعاب بالمجتمع الجزائري، والذين يهربون بوسائلهم الخاصة هذه المواد الهادمة للمجتمع، على غرار “شيطانة، دوبل بونب، القنبلة المزدوجة، القادوس، البوق”، وغيرها من المفرقعات التي تحدث دويا كبيرا وإزعاجا للمواطنين ليلا ونهارا، وتتسبب في قتل البعض وإصابة البعض الآخر. بارونات التهريب تتحكم في أسواق الألعاب النارية والمفرقعات بالرغم من محاولات الحكومة الجزائرية للحد من تجارة الألعاب النارية والمفرقعات التي اتخذت في السنوات الأخيرة أشكالا وأحجاما وحتى أنواعا خطيرة، تضر بمستعمليها والمحتفلين بها والمحيطين بهم أكثر من إضفاء أجواء الفرحة والبهجة على المواسم الدينية كالمولد النبوي الشريف والأعياد، والاحتفالات المونديالية وغيرها، إلا أنها فشلت في القضاء عليها نهائيا، بل تمكنت فقط من تقليص حجم تسويقها وإدخالها عبر الحدود والمطارات والموانئ، بتكثيف جهود الرقابة والجمركة، وهو ما انعكس على السوق الوطنية، ولوحظ في السنوات الأخيرة تقلص عدد الباعة بأسواق التجزئة التي كانت تكتظ بالتجار أكثر منهم المستهلكين لهذه الألعاب، في مختلف الأسواق اليومية، لا سيما خلال اقتراب موسم المولد النبوي الشريف، حيث يأخذ تجار هذه الألعاب النارية حيزا لا بأس به من الأسواق وعدد طاولات وسط الأزقة والشوارع، لا سيما منها الشعبية، على غرار سوق “جامع اليهود” أسفل مدينة القصبة العتيقة بقلب العاصمة، وكذا أسواق الجملة بتاجنانت بالشرق الجزائري وغيرها، وبالرغم من هذه الجهود كلها وإحجام غالبية العائلات الجزائرية عن اقتناء هذه الأسلحة أكثر منها ألعابا لصغارهم من أجل الاحتفال بالمولد النبوي، تبقى جهود بارونات التهريب وترويج كل ما هو مضر تتربص بالسوق الجزائرية. غياب ثقافة المتابعة القضائية وتحديد المسؤوليات تأسف رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، حسين زهوان، على الوضع الذي بات يميز اقتراب موسم المولد النبوي الشريف الذي يعرف كل سنة منذ زمن ليس ببعيد تزايد عدد الضحايا جراء الإصابة بالألعاب النارية والمفرقعات المطورة، والتي باتت تشبه لحد كبير الأسلحة النارية، حيث وصل عدد الضحايا لا سيما منهم الأطفال الصغار الذين يعدون الضحية الأولى لهذه التصرفات الرعناء بالآلاف، ونظرا لغياب الوعي الثقافي وضرورة المتابعة القضائية، تتزايد الإصابات سنويا وتتفاقم الظاهرة دون رادع، مؤكدا أن انعدام أو حتى نقص المتابعة القانونية للمتسببين بالإصابات والعاهات جراء الاستعمال المفرط وغير المسؤول لهذه الألعاب خلال المولد النبوي الشريف وحتى الأعراس والمناسبات الأخرى، كما لوحظ مؤخرا، حال دون ضبط إحصاء المصابين بشكل محدد ومضبوط، حيث تعجز الجهات المسؤولة عن إعطاء رقم واضح ونهائي سنويا للضحايا بسبب عدم المتابعة والإقرار عن هذه الإصابات لدى المصالح المختصة، وقد ألقى رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان باللوم على غياب الأمن بالمؤسسات الاستشفائية من أجل تحديد المسؤولية والمتسبب في الضرر والتعويض، رادا ذلك أيضا إلى غياب ثقافة تحديد المسؤويات بالمجتمع الجزائري وتحديد الضحية وإيقاع العقاب أو تحصيل التعويض، إذ يغيب دور الحركات الجمعوية والمجتمع المدني، الأمر الذي يستوجب تفعيل دورهم في المجتمع. ضحايا أبرياء ذنبهم الوحيد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف برعونة تحولت الاحتفالات بموسم النبوي الشريف من نعمة إلى نقمة للبعض، لاسيما منهم صغار السن ممن تحولوا من فرحة إلى قرحة بعد الإصابة بعاهات مستديمة وجروح بليغة جراء استعمال الألعاب النارية والمفرقعات، خلال احتفالات المولد النبوي الشريف، فها هو نور الإسلام، صاحب السبع سنوات، يقضي بقية سنوات حياته أعمى، بعد أن أصيب بعينيه وهو يطل من نافذة بيته في الطابق الرابع على شباب الحي الذين كانوا يلعبون بالمفرقعات كبيرة الحجم والمطورة تحت اسم “شيطانة”، لتخترق وجهه مرورا بعينيه وترديه بصيرا، في الوقت الذي كان يعول فيه على قضاء احتفالات المولد بطريقة هادئة وممتعة مع أفراد عائلته، والمصيبة هو عدم معرفة المتسبب في هذا الحادث وتحديد المسؤولية ككل مرة تقريبا، ليبقى الضحية الوحيدة في هذا الموقف هو الطفل نور الإسلام الذي فقد البصر في سن جد متقدمة، وأهله الذين يقاسون بسبب رؤية فلذة كبدهم على هذه الحالة لبقية عمره وعدم اختلاطه بباقي الأطفال وعيش حياة هنية وطبيعية. مونية صاحبة ال14 ربيعا هي الأخرى تعرضت لإصابة بليغة على مستوى الذراع اليسرى من طرف ابن الجيران، الذي أطلق عليها لعبة مطورة من المفرقعات ابتيعت بآلاف الدنانير، لكنهم عجزوا عن التبليغ عنه لدى المصالح الأمنية بحكم حرمة الجيرة الطويلة بينهم، التي أدت في النهاية إلى بتر ذراعها بسبب عدم تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب، لأن المستشفى الأقرب لمنزلها عقب تعرضها لحادث اختراق الألعاب النارية بالعضو المذكور ونقله إليه على جناح السرعة، كانت خالية من طبيب جراح بسبب مشاركته لأهله في احتفالات المولد المقدسة لدى الجزائريين، ليتطور جرحها وتتفاقم معاناتها ويتعفن، لدرجة تقرر بتر نصف ذراعها، في الزيارة الثانية للمشفى، وها هي المراهقة البريئة تقضي بقية حياتها أيضا دون ذراعها اليسرى وهي منطوية عن العالم الخارجي مريضة نفسانيا، بسبب التفكير في قضاء ما تبقى من حياتها دون ذراع، وهناك غير هاتين العينتين الكثير من المآسي والجراح التي تسببت فيها الاحتفالات الهوجاء بمناسبة يفترض أن تكون للعلم ونشر الأخلاق الحميدة التي تميز بها نبينا الكريم، لا اللعب بعنف وأذية الآخرين والتسبب لهم بآلام ترافقهم مدى الحياة، وتقف بينهم وبين التمتع بكل ما في الحياة كأترابهم وهم في سن جد مبكرة لخوض هذه التجارب الأليمة.