وجاء اعتراف شركة “توتال” ليضع حدا للتذبذب الذي ميز موقف الحكومة من مشروع الغاز الصخري. فبينما هوّن وزير الطاقة والمناجم من مخاطر استغلال هذا الغاز الذي أشعل أسابيعا من الاحتجاجات الرافضة له في الجنوب, جاءت تطمينات الوزير الأول الذي قال إنه ما زال في المرحلة التجريبية فقط. لا أدري لماذا كشفت “توتال” المستور على موقعها الإلكتروني, الذي تحدث عن مشروعين بأهنت وتيميمون, مثلما ذكرت أمس صحيفة “الخبر” يتضمنان استغلال واستكشاف الغازات غير التقليدية وقال إنه في طور التطوير, ما يعني أنه تجاوز المرحلة التجريبية. لا يهم ماذا ستكون ردة الفعل الرسمية من هذه الاعترافات التي كشفتها الشركة الفرنسية, لكن الأكيد أن الفرنسيين, سياسيين واقتصاديين, لا يهمهم ولم يكن يهمهم موقف الرسميين الجزائريين تجاه الرأي العام الوطني. وقد تكون “توتال” ولأسباب ما اعتمدت تسريب الخبر, لوضع المسؤولين الجزائريين أمام مسؤولياتهم, مثلما فعلت في كل مرة مع مسألة نقل الرئيس من أجل العلاج في فرنسا, فكانت الجهات الرسمية الفرنسية تسرب في كل مرة الخبر إلى الإعلام لإجبار الجزائر على تحمل مسؤولياتها, حتى لا تبدو شريكا في أكاذيب السلطات الجزائرية. ما لا يقوله المسؤولون الجزائريون بهذا الشأن أنهم عازمون على استغلال الغاز الصخري مهما كانت المعارضة, وهذا ما قاله مسؤول سابق في سوناطراك, حيث أسر لمقربيه أن الجزائر ستستغل الغاز الصخري أحب من أحب وكره من كره. وربما خدمة لهذا الخيار, خرجت رئيسة حزب العمال على غير عادتها مدافعة عن هذا المشروع, لأنها تدرك أن معارضته هي ضرب من الخيال, فاختارت جانب السلطة, والمقابل مكاسب سياسية وغير سياسية كالعادة. اعتراف “توتال” هذا سيزيد الطين بلة, وسيشعل من جديد حركة الاحتجاجات في عين صالح, وسيضع الحكومة في مرمى الشيطان, فقد أفسد بهذا محاولات الحكومة حل المشكلة سلميا, ربما تخوفت “توتال” مما راج منذ أيام بأن الرئيس أعطى وعدا بالتراجع عن استغلال هذا الغاز, وهو ما جعلها تكشف حقيقة تطور الأعمال على الأرض, وبما أنها تمسك وثائق العقد المبرم بينها وبين الجزائر, والذي كان أحد ضماناته دعم فرنسا للعهدة الرابعة, فإنها بهذا الاعتراف تدفع بالسلطة لتحمل مسؤولياتها, بضمان الأمن لشركاتها, وعدم تعرض المتظاهرين لها لمنع العمل والاستغلال. أعود لأذكر أن حزب الخضر في فرنسا منع شركة “توتال” من استغلال الغاز الصخري في فرنسا, مع أن فرنسا تتربع على احتياطي كبير, وسبق للرئيس الفرنسي هولاند وأعطى ضمانات لمواطنيه بأنه سيمنع استغلال الغاز الصخري في فرنسا, وربما أعطى “توتال” البديل, الجزائر التي يستغل وضعها السياسي الداخلي لوضع يد فرنسا على الجنوب من جديد, وهكذا يضرب هولاند عصفورين بحجر واحد, يضمن تأييد الخضر له, مثلما أكد ذلك “ميلاشان” الذي قال إننا منعنا في بلادنا استغلال الغاز الصخري لما له من أضرار على البيئة فامنعوا استغلاله مثلنا في بلادكم. ومن جهة أخرى, يحقق حلم فرنسا باستعادة الصحراء التي فشلت خلال مفاوضات الاستقلال في فصلها عن الشمال وإقامة إمارة بها يكون أميرها حمزة بوبكر والد رئيس مسجد باريس دليل بوبكر. وها هي سلطتنا المستنيرة تقدم الجنوب هدية لفرنسا بعد نصف قرن من الاستقلال!؟