اعتبر عمر علي محمد إبراهيم أبو عيش، سفير مصر بالجزائر، أن مرحلة حكم مرسي كانت ضبابية بالنسبة للجزائر، وانتظرت المسار الذي يمكن أن تأخذه قبل الإقدام على تحديد مسار العلاقات بين البلدين، محملا قطروتركيا مسؤولية تعفن الأوضاع في مصر وعدة دول عربية، فيما يرى أن المشاكل المحدقة ببلاده مصدرها معبر رفح. كيف تقرأون تحولات العلاقات الجزائرية المصرية بعد أشهر من انتخاب الرئيس السيسي رئيسا لمصر؟ العلاقات الجزائرية المصرية أخذت منعطفا حاسما بعد تسلم السيسي مسؤولية قيادة مصر، وشرف لنا أن الجزائر كانت أول دولة يزورها، وتلى ذلك انفتاح كبير واستعادة للروح المتميزة التي طبعت العلاقات الثنائية بين البلدين، وأعتبر نفسي محظوظا أن بدأت العمل في شهر أكتوبر حين بدأ التحضير للجنة المشتركة والتي كللت بالتوقيع على 16 اتفاقا في مختلف المجالات. ويجري في الفترة الحالية تنفيذ الاتفاقيات ومن المزمع أن تكون جاهزة للتوقيع في أقرب الآجال. ماذا قال لكم الرئيس بوتفليقة خلال تقديمكم أوراق اعتمادكم كسفير لمصر؟ لما استقبلني الرئيس بوتفليقة لتقديم أوراق اعتمادي، قال لي إن مصر الآن عرفت من تستحق، وأكد أن علاقته بالسيسي متميزة، وهذا دليل على العلاقة الحقيقية بين البلدين. ذكرتم أن العلاقات الجزائرية استعادت روحها، هل يمكن أن نعرف أسباب تدهورها من قبل؟ في الحقيقة التدهور كان لسببين، الأول تداعيات مباراة في كرة القدم، وكنت دائما أحمل إعلام البلدين المسؤولية، ولولا أن في البلدين حكماء وعقلاء وميراثا تاريخيا حقيقيا لما تم تجاوز الأزمة، وبالفعل تم تكريم المدربين شحاتة وسعدان، في مبادرة جزائرية أعدت من طرف الجانبين، وأتساءل لماذا لا تكون الرياضة وسيلة لاستعادة الروح الطيبة التي اعتدناها؟ أما الأمر الثاني فيتمثل في الأحداث التي ألمت بمصر والدول العربية، فقد كانت الأوضاع غير واضحة بعد اتجاه مصر نحو ثورة شعبية قام بها شباب مثقف يريد تطوير بلاده، ويرفض ممارسات النظام السابق، فكانت ثورة حقيقية تلقائية لم يكن للإخوان مشاركة فيها، حيث تم اختيار ذكرى تاريخية للتعبير عن رفض ممارسات الشرطة، ولم تكن تهدف إلى تغيير مبارك، وبين الفترة من 26 إلى 28 جانفي لم يكن فيها للإخوان حضور، والغريب بعدها أننا فوجئنا باقتحامات للسجون المصرية من سيناء، وشعرنا بأنه مخطط لاستغلال الغضب تمهيدا لتدخل الإخوان لإسقاط النظام المصري. وشهدت القاهرة في ذلك التوقيت حرقا واقتحاما للسجون، وتم تهريب مساجين خطيرين متهمين في قضايا أمن الدولة، وتنظيم الإخوان بعد هذه الفترة، ادعوا كذبا وزورا أنهم قادوا الثورة، وكانت المرحلة بالنسبة للجزائر ضبابية، جعلها تترقب بطبيعة الحال المسار الذي تأخذه الأحداث في مصر. واحتار المصريون حينها بين اختيار شخصية من خارج النظام ممثلة في مرسي، وأخرى من داخل النظام، خصوصا وأن الفارق بين المترشحين كان ضعيفا جدا بواحد بالمائة، وهي تجربة قاسية استغلها المتأسلمون لإضفاء الشرعية على حكمهم، وهذا الدرس استوعبه الشعب المصري بعد أشهر من حكم مرسي، حين اكتشفوا حقيقة الإخوان، وثاروا على الأكذوبة الكبرى بعد أن نزل إلى الشارع لأول مرة، 30 مليون مصري، وهذا الحدث كسر ترتيبات قوى إقليمية، وأثار هيستيريا لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويمكن القول إن الدعم الغربي لهؤلاء كان غريبا، خصوصا وأن قادة الإخوان يحملون الجنسيات الأمريكية والفرنسية، فكيف يكون لمزدوجي الجنسية أن يحكموا البلد، وأن يثق الشعب فيهم؟ لكن ألا يعد تصنيف تيار الإخوان المسلمين في مصر تنظيما إرهابيا “تسرعا” يدفع ثمنه المصريون اليوم بعمليات إرهابية وعنف؟ استخدام أي مجموعة للعنف ضد المدنيين والمنشآت العامة، ألا يكفي لتصنيفهم في خانة الإرهاب؟! مرسي تعهد بالتزامات قبل الانتخابات لكنه لم يف بها، وكان عندما يخاطب الشعب يقول عشيرتي وليس شعبي. وأؤكد لك أن من تم الزج بهم في السجون من القيادات الإخوانية هم الذين تخابروا مع الأجانب، والجزء الأكبر من القيادات الأخرى تعيش داخل بيوتها، إذ يوجد حوالي 400 ألف إخواني فقط، فهل تم وضعهم جميعا في السجون، لا بل اقتصر الأمر على الأفراد الذين ثبت تورطهم في العنف والتخريب، ولاسيما في اعتصام رابعة العدوية، وهنا أود أن أشير إلى أن مرسي أدخل خلال فترة حكمه، كميات كبيرة من السلاح وهي أمور معروفة. هل هناك اتصالات بين قيادات من الإخوان والنظام؟ السلطات حولت كل المجرمين إلى السجون، وهم يحاكمون، ولا توجد اتصالات، فنحن نعلم أن كل فكر إخواني متطرف مصدره فكر قطب، وأحيلك على ما حدث في الجزائر التي كانت ظروفها صعبة وقد تركت لوحدها في حربها ضد المتأسلمين، والحكومة الجزائرية كانت على حق، ونجحت في ذلك بدفع الإرهابيين إلى خيار ترك السلاح أو المواجهة، وهو ما يقوم به عبد الفتاح السيسي بإبقائه الباب مفتوحا، وأؤكد لك أن الإرهاب لا يكسر دولة، والجزائر خير دليل على ذلك. ذكرتم تورط تنظيمات من حماس والقسام وحزب الله المدعومة من قطروتركيا في دعم الرئيس السابق مرسي، هل تحملون الدوحة وأنقرة مسؤولية تعفن الأوضاع في مصر؟ حزب الله كان له عناصر ولم يكن له دخل في البداية، وتركيا جاء دورها فيما بعد، لكن اقتحام السجون قاده التنظيم العالمي للإخوان، وأود أن أشير إلى أنه تم إثبات تورط مرسي في إرسال أوراق رسمية إلى قطر. كيف تقيّمون علاقتكم مع قطروتركيا؟ بالنسبة إلى قطر نقيمها كأي دولة عربية، وقد لعبت دولة خليجية والملك السعودي الراحل دورا بارزا في إقناع قطر بالعدول عن عدة مواقف. أما مع تركيا التي أخذت نموذجا اقتصاديا ناجحا، كشف رئيسها أردوغان اليوم عن الهدف الحقيقي لحكمه، حيث ينتقد سجل الحريات وحقوق الإنسان في مصر، بينما هو يضرب بها عرض الحائط مع شعبه، وقد انتابته هيستيريا كبيرة بإقصاء الشعب المصري للإخوان من الحكم، والكل يعلم أنه متورط وابنه في قضايا فساد. نحن طردنا السفير التركي وأوصلنا فكرة بأن مصر لن تتحول إلى منطقة عثمانية، وتصريحاته لن تؤثر في المصريين، ومكانها سلة المهملات، ورفضه محاربة “داعش” في سوريا يطرح التساؤلات. وماذا عن انقلاب موقف قناة الجزيرة بعد الأحداث الأخيرة؟ شهد خطابها لدى تنصيب الأمير القطري الجديد تحولا، لكن عادت إلى سابق عهدها مؤخرا، ونشير هنا إلى تدخل الملك السعودي الراحل لحلحلة الوضع. وبخصوص ليبيا، هل زارت قيادات من فجر ليبيا القاهرة؟ لا لم تزر، لكن قبائل ليبية زارت البلاد، ونحن ندرك أن المجتمع الليبي قبلي، وكلمة مشايخ القبائل مسموعة، وكان المقصود من الزيارات لم شمل الأطراف على طاولة الحوار، وأيضا كيف سيتم التعامل مع الحدود المضطربة. وكيف تقيّمون علاقتكم مع تونس؟ تظل دولة عربية والعلاقات حاليا متميزة، لكن مع النهضة لم تكن لنا اتصالات معها، سواء سابقا خلال توليها الحكم أو بعده. ما حقيقة التوتر بين الرباطوالقاهرة مؤخرا؟ المكاشفة أنه لما تترك الموضوع بأيد خارج السلطة يحدث ما حدث، فقد فوجئنا ببث التلفزيون الرسمي المغربي لتقرير يصف السيسي بالانقلابي. سارعنا للتحدث معهم، وقالوا إنهم لم يكتشفوا من أذاع الخبر، لذلك أصررنا على التعامل مع الأمر بشكل مباشر، دون وسائط. لكن السبب كان زيارة وفد مصري رسمي لجمهورية الصحراء الغربية. هل هذا صحيح؟ لا يوجد وفد مصري رسمي، وإنما هناك وفد من القطاع الخاص يتبع صحف مستقلة، وأؤكد لك أن الموضوع مطروح على الأممالمتحدة، والموقف المصري لم يتغير من الصحراء الغربية مدة عشرين سنة، لذلك مصر تؤيد الطرح الأممي. كم عدد الجزائريين طالبي التأشيرة إلى مصر؟ حوالي 800 إلى 1000 جزائري يوميا، أي حوالي 12 ألف تأشيرة في سنة 2014، وغرضها السياحة أو المشاركة في فعاليات دولية. والجزائريون لهم وضع خاص في تسهيل الحصول على التأشيرة، التي لا تتجاوز أسبوعين. وكم عدد المصريين في الجزائر؟ حوالي 5 آلاف مصري، والذين ارتبطوا بعلاقات مصاهرة وعددهم يتضاعف من سنة إلى أخرى، بسبب تواجد الشركات المصرية الكبرى، وأؤكد أن علاقات المصاهرة في الجزائر أكثر من أي دولة عربية، فالجزائر تأتي في المرتبة الأولى. وفيما يخص الاستثمار الجزائري في مصر؟ ضعيف للأسف ومحدود، ونبقى نوجه دعوة إلى المستثمرين الجزائريين للمشاركة في منتدى اقتصادي يقام في القاهرة، شهر مارس المقبل، وستكون لهم الأولوية، وسنلتقي بمنتدى رجال الأعمال للكشف عن الفرص الاستثمارية المصرية، فهناك مشاريع فلاحية وخدماتية يمكنهم أن يساهموا فيها، كما نحاول إنشاء خط جوي بين مصر ووهران. حدثنا عن العلاقة بين مصر وإسرائيل؟ الحكومة المصرية مرتبطة باتفاقيات سلام موقعة قبل عقود، لكن هذا لا يسمح بتراجع مصر عن الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني. ونعتبر علاقتنا بإسرائيل، تندرج في إطار لعب دور وسيط عربي بعيدا عن تدخل الأجانب، وما يحدث في القدس نرفضه، ونتمسك بحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم. وعقد تصدير الغاز سوف يتوقف قريبا، ومن بعدها لن يتم التجديد لتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. تعتبرون أصل المشاكل المحدقة بمصر مصدرها معبر. رفح كيف ذلك؟ فعلا كل المشاكل التي تعاني منها مصر، من معبر رفح، وكانت هناك 173 نفق أرضي تم تدميرها جميعا، بعضها كان يمر من خلالها عربات، وكنت أتخيل أن يتم تمرير عبرها أدوية وأغذية لكن هناك مخدرات وأسلحة وإرهابيين، وهو ما يهدد الأمن القومي، كما تم اكتشاف 70 منزلا بها أنفاق. ما مستقبل علاقات مصر مع الملك السعودي الجديد؟ نفسها العلاقة مع الملك الراحل، فهي علاقات تاريخية أخوية، خصوصا وأنه يوجد في السعودية 2 مليون مصري مقيم هناك، وكنت نائب القنصل في بداية التسعينيات في السعودية. هل هناك زيارات مرتقبة لمسؤولين مصريين إلى الجزائر؟ يتم الترتيب لزيارة وزير السكن لاحقا، كما يتم تنفيذ اتفاقيات اللجنة المشتركة بين البلدين، وفيما يتعلق بمباراة الأهلي ووفاق سطيف، فيتم التحضير لنقل الجمهور المصري المشجع إلى متحف الجيش برياض الفتح، للتقرب أكثر من بطولية الشعب الجزائري وكفاحه ضد المستعمر الفرنسي. وفي الشأن الثقافي، يجري العمل على إنتاج فيلم سينمائي مشترك من طرف رجل أعمال مصري شاب.