أحيا الآتراك بقيادة رئيسهم رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، الذكرى المئوية لمعركة غاليبولي ”جناق قلعة” المخلدة لذكرى عشرات آلاف جنود السلطنة العثمانية وقوة بريطانية فرنسية مشتركة سقطوا في معركة من تسعة أشهر، انتهت بهزيمة فادحة لحلفاء الحرب العالمية الأولى، وذلك في مراسم ضخمة بعثت خلالها رسائل محبة وسلام لكافة شعوب العالم، لاسيما خصوم الماضي. لكن رسائل السلام التركية لم تلق صداها المرجو، في ظل إحياء مئوية أخرى هي إبادة الأرمن. ومن بين المشاركين في المراسم التي جرت على ضفة مضيق الدردنيل، ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز ورئيسا وزراء أستراليا ونيوزيلندا، فيما امتنع عدد من رؤساء الدول والحكومات عن تلبية دعوة تركيا من بينهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي فرنسوا هولاند، وآثروا التوجه الى يريفان لإحياء ذكرى ”الإبادة”، حيث تتزامن ذكرى غاليبولي مع إحياء الذكرى المئوية ل”الإبادة” الموافق ليوم 24 أفريل من عام 1915، حيث جاء في الرواية الأرمينية أنه تمت خلال ذلك اليوم إبادة مليون ونصف المليون أرمني على يد الجيش العثماني إبان الحرب العالمية الأولى. وبهذه المناسبة ترأس الأبوستوليك الكاثوليكوس، كراكين الثاني، رئيس الكنيسة الأرمنية قداسا لتكريس الواقعة على بعد عشرين كيلومترا من العاصمة يريفان، استذكر خلالها ثمانية وعشرين ناجيا عايشوا المأساة الواقعة وطالبوا الأتراك بالاعتراف بالإبادة، وهو المصطلح الذي ترفضه تركيا رفضا باتا وترفض تبعاته السياسية والأخلاقية، حيث أكد المسؤولون الأتراك أن الحديث عن إبادة جماعية على يد الجيش العثماني لا أساس له من الصحة، مؤكدين أن الأرمن الذين قضوا في تلك الحقبة سقطوا جراء الجوع أو في معارك وقفوا فيها مع روسيا عدوة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاألى. وردت تركيا خلال الأيام الماضية على العديد من التصريحات حول المجزرة، كما أنها استدعت سفيرها لدى الفاتيكان. بوتين يجدد دعمه للأرمن ويدعو لاتفاقات دولية تجنّب الشعوب الجرائم والإبادة ودعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمة ألقاها، في يريفان، أمس الجمعة، خلال مراسم إحياء الذكرى المئوية لما يعرف بمذابح الأرمن، إلى إبرام اتفاقات دولية لمنع ارتكاب أي جرائم ضد البشرية أو إبادة للشعوب، مؤكدا دعم بلاده لأي خطوة في هذا الاتجاه. وأكد بوتن ثبات موقف بلاده من مذابح الأرمن قائلا إنه لا يوجد أي تبرير ولا يمكن أن يكون هناك أي تبرير للإبادة الجماعية. وتابع قائلا: ”نحن نتعاطف بإخلاص مع الشعب الأرمني الذي عانى من أكبر الكوارث في تاريخ البشرية. وأكثر من 1.5 مليون مدني قتلوا وجرحوا، وأكثر من 600 ألف طُردوا من بيوتهم وتعرضوا للقمع على نطاق واسع”. وأكد الرئيس الروسي أن أحداث 1915 هزت العالم كله، بينما اعتبرتها روسيا مأساة خاصة بها، مشيرا إلى أن مئات الآلاف من الأرمن حصلوا على اللجوء في روسيا. وقال بوتين إن موسكو بادرت دوليا إلى اعتبار مذبحة الأرمن جريمة ضد الإنسانية. يذكر أن الأرمن أطلقوا نداءات تدعو إلى تجريم تركيا وتحميلها مسؤولية مزاعم تتمحور حول تعرض ”أرمن الأناضول” إلى عملية ”إبادة وتهجير” حسب تعبيرهم، على يد الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، أو ما يعرف بأحداث عام 1915. أردوغان: ”الاتحاد الأوروبي ينصحنا بفتح أرشيفاتنا لتقصي حقيقة أحداث العام 1915، ونحن مستعدون” وفي كلمة ألقاها الرئيس التركي، يوم الخميس، خلال قمة السلام في إطار فعاليات الذكرى المئوية لمعارك ”جناق قلعة” البرية، بحضور عدد من المسؤولين من رؤساء دول، ورؤساء حكومات من مختلف أنحاء العالم، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بخصوص معارك جناق قلعة البرية: ”لقد كانت من أكثر المعارك دموية في تاريخ البشرية. لذلك علينا أن نفكر جيدا في استخلاص الدروس والعبر منها بشكل يمكننا من استكشاف الحاضر والمستقبل، وأنا واثق من قدرتنا على فعل ذلك”. وذكر أردوغان أن هناك جنودا من تركيا والبلقان وبريطانيا وفرنسا، وبلدان أخرى كثيرة، ودعوا دنيانا قبل 100 عام في جناق قلعة”، مشيراً إلى أن ”تركيا خاضت تلك المعارك كتفا بكتف مع من جاؤوا لدعمها من سراييفو وسكوبيه وباطوم وغزة وبيروت وغيرها من المد”. وبخصوص أحداث العام 1915، قال الرئيس التركي: ”الاتحاد الأوروبي ينصحنا بفتح أرشيفاتنا لتقصي حقيقة أحداث العام 1915، وأنا طيلة عملي رئيسا للوزراء على مدار 12 عاما تقريبا، وعملي رئيسا للبلاد منذ ما يقرب من عام، لم أترك محفلا دوليا في الخارج أو اجتماعا شاركت فيه داخل تركيا، إلا وقلت وما زلت أقول إننا مستعدون تماما لفتح أرشيفاتنا، وكثيرا ما كررت أن لدينا ما يقرب من مليون وثيقة ومعلومة حول هذا الأمر. بل لو كان لدى أرمينيا أو غيرها من الدول وثائق أخرى حول الموضوع فليظهروها لنا لتقصيها، كما أننا أيضا مستعدون لفتح أرشيفاتنا العسكرية”. وبالمناسبة، وقف أعضاء البرلمان النمساوي وبرلمانات أوروبية أخرى يوم الاربعاء دقيقة صمت إحياء لذكرى ضحايا ”الإبادة الارمنية” في سابقة من نوعها في تاريخ هذا البلد الذي كان في ما مضى حليفا للسلطنة العثمانية، والذي لم يسبق أن استخدم رسميا هذا التعبير لوصف تلك المجازر. وإثر ذلك، حذّر وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، من أن اعتراف البرلمان النمساوي الرمزي ب”الإبادة” الأرمنية خلال الحكم العثماني ستكون له ”انعكاسات سلبية” على العلاقات التركية النمساوية. وجاء في بيان للخارجية التركية أن ”تبني هذا التصريح سيكون له ومن دون شك انعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية”. وبحسب نفس البيان أبلغ جاوش اوغلو نظيره النمساوي بأنه ”لا يمكن للبرلمانات أن تصدر أحكاما على قضايا تاريخية”. وأعلنت أنقرة مساء الأربعاء أنها استدعت سفيرها لدى النمسا للتشاور احتجاجا على هذا الاعتراف الضمني. وأدان من جهته رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو أمام البرلمان الخميس ”خطاب الكراهية” ضد بلاده في ما يتعلق بتلك المجازر، نافيا مرة اخرى حصول ”إبادة”.