إذا كنت عربيا ومسلما فأنت على الأرجح ستكون أيضا من المؤمنين بنظرية المؤامرة ومن الذين ”يستشهدون” ويقدمون ”الأدلة والبراهين” التي تؤكد وجودها على العرب والمسلمين من زمن بعيد جدا. ولكن يبدو أنك لم تقابل أحدا من الأرمن.. هم أيضا لديهم ذات القناعات ويعتبرون أن ”المحرقة” التي تمر مائة عام على ذكراها تمت تغطيتها ومنع الحديث عنها ولا تعاطيها في الأخبار بسبب مؤامرة ”كونية” ساندت ”قوى الظلام والتطرف” بحسب تفسيرهم. وحتما أنت أيضا لم تجلس وتستمع إلى أي شخص كردي، فهو سيروي لك القصة تلو الأخرى عن المؤامرة الدولية العظيمة التي اشتركت فيها جميع القوى الكبرى دون استثناء لحرمان الأكراد من حقهم ”الطبيعي” في إيجاد كيان لهم أسوة بغيرهم من الدول الوطنية والأعراق، ويضربون المثل أنهم لا يختلفون عن إسرائيل ولبنان وأرمينيا، وهي دول ولدت جميعها بشكلها الحديث بعد الحرب العالمية الثانية. وطبعا يبدو أنك أيضا لم تجلس مع أحد من الصرب، فهم يعتقدون وبشكل قطعي بوجود مؤامرة كونية عليهم من الأميركان والألمان والكاثوليك والبروتستانت والمسلمين أدت إلى تفتيت دولتهم وتدمير هويتهم الكبرى إلى دويلات صغيرة ومجزأة حتى أصبح ما تبقى من الأصل الأساسي مجرد ”مسخ” مشوه لا يمت له بشيء أبدا. ومن الواضح وعلى الأرجح أنك لم تجلس مع يهودي، الذي سيروي ويسرد لك أن العالم والتاريخ والأمم والشعوب والدول والثقافات والأديان كلها وجميعها بلا استثناء تآمرت عليه في كل مكان وكل زمان وتشرد اليهود بسببها في شتى بقاع العالم حتى كانت جريمة المحرقة الكبرى على أيدي النازيين في أوروبا والتي ”اضطرت” العالم للاعتراف بكيانهم الجغرافي الجديد وإعطائهم حق قيام الدولة على أرض فلسطين. نظرية المؤامرة لا ملكية حصرية لها ولا امتياز مطلقا لها لصالح مجموعة واحدة من الأعراق ولا الأديان، ولكن يبدو أن الخلل الأخطر هو الوقوع في ”أسر” هذه الفكرة كوسيلة للخلاص من التفكير في أسباب الفشل الذي أدى به الظرف أو الظروف لأن تصل الأحوال بالشكل السلبي والمتدهور لأي من الشعوب المتبنية لنظرية المؤامرة، وعلى الأغلب لا يتبنى نظرية المؤامرة إلا الشعوب السلبية والمغلوبة والمنهزمة، وعن طريق التفاسير والتبريرات ”الأسطورية” عاجلا ما تجد ضالتها لإقناع نفسها أولا وبعدها إقناع غيرها عن أسباب ما هي عليه اليوم. في يوم من الأيام كانت اليابان تقنع نفسها (وألمانيا بشكل أقل) أنها ضحية مؤامرة عالمية وعنصرية ضد العرق الآسيوي الأصفر من حيث السماح له بأن يصبح قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، فتمكن الرجل الأبيض من ”كسر الاقتصاد والكبرياء الياباني” عبر تفتيت شركاته العملاقة التي كانت معروفة ذات يوم ”بالسوجا شوشا”، ولكن الأيام مضت، وتخلصت اليابان من عقدة المؤامرة وتفرغت للعمل والإنتاج الجدي وولدت شركات عملاقة ومهمة في كل المجالات المعروفة لتصبح اليوم ثالث أكبر اقتصاد في العالم. ومع نجاحها المبهر مكنت بصورة غير مباشرة أن تحرر ”العرق الأصفر الآسيوي” في القارة الأكبر ليتفرغوا لذات الشيء ولينعكس على تألقهم وثقتهم في مجال الاقتصاد بشكل لافت ومؤثر، فرأينا الإبهار في كوريا الجنوبية والصين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلند وتايوان وفيتنام. حاليا لا توجد مجاميع تتغنى بنظرية المؤامرة بشكل دائم ومستمر مثل العرب والمسلمين والأفارقة، فكل واحد منهم يقدم لك ما تجود به قريحته من قصص وروايات عما خطط له في ليل أظلم ”للقضاء عليه” بشكل كامل. أهم وصف دقيق لنظرية المؤامرة بالنسبة للشعوب بحسب علم النفس وأسلوب التحليل النفسي هو أن من يؤمن بنظرية المؤامرة كشعب إنما هو في حقيقة الأمر مصاب بعقدة نقص من النوع القوي وبحاجة للاعتراف والإقرار بأن لديه مشكلة وعليه مواجهتها والاعتراف بها والعمل على ”الخروج” منها بدلا من الاستسلام لها بشكل انهزامي بالمطلق. كلما زاد تكرار وإعادة محاور نظرية المؤامرة من محدثك كانت ”الحالة” صعبة ومعقدة وفي هذه الأجواء التي نعيشها يبدو أنه لا حديث إلا عن المؤامرة ونظرياتها!