أكتب هذه الكلمات من عاصمة المال الأميركية من مدينة نيويورك، بعد سويعات من وصولي إليها، فأخذت أتابع تعليقات الصحف الرئيسية فيها عن أهم الأحداث العالمية (ولأن القضايا الداخلية كثيرة بحجم البلد نفسها، وبعدد التنوع في الاهتمامات فيها) فوجدت في الصحف الرئيسية، وفي الصفحات الأولى منها إشارات واضحة إلى امتعاض الدول العربية من إيران ومن العلاقات المتقاربة بينها وبين أميركا، وهي الدولة التي تعتبرها الأغلبية الساحقة من الدول العربية سببا رئيسيا في القلاقل والعنف والإرهاب في المنطقة، واعتبرت هذه الصحف جميعا هذا ”نقطة سلبية” لإدارة أوباما في عجزها عن طمأنة حلفاء أميركا القدامى بخصوص إحدى سياساتها المثيرة للجدل. مع دخول الإدارة الأميركية في فترتها الأخيرة قبل انتهاء مدتها القانونية وقرب موعد الانتخابات الرئاسية تأخذ قضية الاتفاق النووي مع إيران أبعادا ”سياسية داخلية”، وإن كان الكثير من المؤشرات يقول إن الاتفاق سيتم إنجازه قبل انقضاء مدة أوباما وبموافقة الكونغرس الذي تقل حدة تحفظاته عليها بالتدريج. التحاليل الإخبارية في صحف مهمة ورصينة مثل ”نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال”، كانت تتفق أن السعودية تحت قيادة الملك سلمان قررت أن تأخذ بزمام القيادة في المنطقة، وجمع الدول المعنية حولها، وذلك لأجل تحقيق الأمن والاستقرار في وجه التدخلات الإقليمية الخارجية وتهديد أمن الدول الواضح، وكذلك في توحيد الصفوف بمواجهة المجاميع الإرهابية التي انطلقت من كل صوب وتحت كل راية. هناك إدراك واضح في واشنطن أن السعودية بها قيادة جديدة ولها رؤية استباقية وغير مترددة، وأنها لن تفكر مرتين في حماية مصالحها وحدودها ومنطقتها. الموضوع الثاني الذي يهتم به الإعلام الأميركي هو زيادة حجم التهديدات ”الفردية” المتوقعة داخل الولاياتالمتحدة الأميركية نفسها من تنظيم داعش الإرهابي، حيث بلغ عدد الولايات التي رصدت فيها التهديدات المعنية إحدى عشرة ولاية، ويرصد المحققون الفيدراليون الرسائل المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وهي وسائل اعتبرت أنها تمثل أرضية وتمهد لتهديد محتمل ومتوقع مما يجعل الإدارة الأميركية ترفع من درجة التأهب في كافة قواعدها العسكرية احتياطيا لحمايتها من أي إرهاب قد يحدث لها. ويراجع الأميركيون نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الحليف الأول لهم: بريطانيا، فالفوز المفاجئ والكاسح لحزب المحافظين، والهزيمة النكراء لحزب العمال (والأحزاب الأخرى) اعتبر في الإعلام الأميركي أن أوروبا تستمر في الاتجاه لمزيد من اليمين المحافظ السياسي، ويحاولون إسقاط أثر ذلك الأمر المهم على الانتخابات الأميركية الرئاسية القادمة، وخصوصا أثر ذلك على الحزب الديمقراطي الحاكم. مشكلة الحزب الديمقراطي أنه يحكم ولفترتين متتاليتين، وأن المرشح الرئيسي له هي سيدة (هناك قناعة مختلفة، ولكنها راسخة أنه آن الأوان لأميركا أن تحكمها سيدة) ولكن الناخب الأميركي معروف برغبته في التغيير، وأنه من الصعب جدا أن ينتخب رئيسا لبلاده من نفس الحزب لأكثر من فترتين. قراءة إعلام القوة العظمى الأولى في العالم ومعرفة كيف يتعاملون مع ”مختلف” الأحداث في العالم، تعطي بعدا آخر لتحليل الصورة بدلا من الاعتماد على قراءة واحدة. أوباما يعلم أنه قد تجاوز منتصف فترته الثانية، ويرغب في إنجاز يحتفي به، وهناك من هم في داخل حزبه يحذرونه من تبعات أي إنجاز غير مدروس وكل قرار سيأخذه في الفترة الأخيرة من مدته، إذا تغلبت عليه روح الإنجاز الشخصي على المصلحة العامة وفكر الأمن القومي، ستكون له تبعات غير بسيطة.