المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي:التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر يعيش عصره الذهبي    الجزائر-الاتحاد الأوروبي : مراجعة الاتفاق لبناء شراكة متوازنة ومستدامة    رئيس الجمهورية يأمر بالإسراع في إنهاء الأشغال : صوامع تخزين الحبوب.. خطوة نحو تعزيز الأمن الغذائي    رخروخ يعاين أشغال مشروع الخط السككي عنابة بوشقوف    وزير الخارجية التونسي:حريصون على تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الجزائر    أعلن عن تضامنه الكامل مع الجزائر حكومة وشعبا.. البرلمان الإفريقي يدين ب"شدة" تدخل البرلمان الأوروبي    السيد عرقاب يتحادث بدار السلام مع نظيره الجنوب افريقي ونظيرته التونسية    كأس الجزائر: تقديم موعد مباراة شباب بلوزداد-مولودية الجزائر الي 16 فبراير المقبل    إشادة واسعة بقرار رئيس الجمهورية بشأن تحمل الدولة الزيادات المقررة في تكاليف الحج    المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي يثمن قرارات اجتماع مجلس الوزراء المتعلقة بالقطاع    رئيس المجلس الشعبي الوطني يستقبل سفير مملكة بلجيكا لدى الجزائر    توقيع اتفاقية بين الصيدلية المركزية للمستشفيات وكلية الصيدلة بجامعة علوم الصحة    السيد قوجيل يتسلم تقريري فوج العمل المكلف بالنظر في مشروعي قانوني الأحزاب والجمعيات    صناعة صيدلانية: تدشين وحدة إنتاج الأدوية المضادة للسرطان بالجزائر العاصمة    رياح قوية على عدة ولايات من الوطن ابتداء من يوم الثلاثاء    تدشين المتحف الوطني العمومي لشرشال بعد ترميم العديد من محتوياته    الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين, دور ريادي في دعم الثورة التحريرية    الانطلاق الرسمي من سطيف للمرحلة الثانية لعملية الإحصاء الاقتصادي للمنتوج الوطني    كرة القدم/الرابطة الأولى موبيليس: مولودية الجزائر تستهدف كرسي الريادة    كرة القدم: اختتام التربص ال3 من التكوين الخاص للحصول على شهادة "كاف أ"    المناطق الشمالية ستعرف سلسلة من الاضطرابات الجوية    وفاة شخصان في حادث غرق قارب صيد في مستغانم    أمن العاصمة يوقف شبكة تزور وثائق تأشيرات السفر    الرئاسة الفلسطينية تعلن رفض أية مشاريع لتهجير سكان غزة    حركة "حماس" : الشعب الفلسطيني يرفض بشكل قطعي أي مخططات لتهجيره عن أرضه    أساطير مُنتظرون في القرعة    حجز أسلحة نارية بسطيف    شايب يلتقي جزائريي إيطاليا    اتّفاقية بين سوناطراك والجمارك    حماس: ⁠الاحتلال يتلكأ في تنفيذ بنود الاتفاق بذريعة الأسيرة أربيل يهود    الديوان الوطني للحج والعمرة: اجتماع تنسيقي تحضيرا لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    التحوّل الإيجابي للجزائر يزعج "صانع القرار" الفرنسي    احذروا من محاولات زعزعة استقرار الوطن    2000 منصب شغل جديد لمشروعي غارا جبيلات ومنجم الفوسفات    الكيان الصهيوني يمعن بانتهاك سيادة لبنان    "محطة فوكة 2" التحلية تدخل مرحلة التدفق التجريبي    معلم بمدخل كل بلدية    نحو اقتناء معدات طبية ب500 مليار    عبد القادر عمراني يخلف إيريك شايل    الكتابة عن تاريخنا أفضل رد على المشككين    ضغوط جزائرية تلغي حفلا للراحل الشاب حسني في المغرب    بن سبعيني يرد على منتقديه ويوجه رسالة قوية    زكري: لست مدربا دفاعيا وهدفنا هو البقاء    ندوة فكرية حول ذكرى الإسراء والمعراج    توفير مناخ ملائم للمتعاملين الاقتصاديين والمصدّرين    اجتماع تنسيقي بالديوان الوطني للحجّ والعمرة    خنشلة: فريق عمل من المركز الوطني للبحث في علم الآثار لإجراء خبرة حول الموقع الأثري "العناقيد" بعين الطويلة    محمد كواسي, المجاهد ورائد الصورة الفوتوغرافية في الجزائر    أنشيلوتي يرد على أنباء انتقال فينيسيوس إلى السعودية    أعاصير فاشية وأنواء عنصرية    تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم    الجزائر تشارك في صالون القاهرة    أحكام خاصة بالمسنين    4 اتفاقيات تعزّز علاقات الجمارك مع الشركاء    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتغافل الملالي والجنرالات عن حقيقة وظائفهم
نشر في الفجر يوم 22 - 05 - 2015

يتذكر كل المتابعين لوسائل إعلام الجمهورية الإسلامية في هذه الأيام تلك الكلمة العامية الفارسية التي قد تصف الوضع السياسي في طهران حاليا أفضل من أي اصطلاحات لغوية معقدة.
والكلمة المعنية هي (بالباشو) التي يصعب في الحقيقة ترجمتها حرفيًا إلى أية لغة من اللغات. وأقرب المعاني لتلك الكلمة في اللغات الأوروبية، ومن بينها اللغة الإنجليزية، هي كلمة (نشاز النغمات أو تنافر الأصوات)، ولعلها تساوي لفظة (دوشة) في اللغة العربية باللهجة المصرية.
ومع ذلك، فهناك درجات أخرى من المعاني تحملها لفظة (بالباشو).
فهي تصف موقفًا تتعالى فيه وتُسمع أصوات كثيرة ولكن من غير أن يفهم أحد منها شيئًا، في حين أن الجو العام يوحي بفقدان السيطرة على الأوضاع والإنذار بتفشي الفوضى.
لذا، فلماذا نفترض أن هناك حالة من ال(بالباشو) تسري بين جنبات طهران؟
أحد الأسباب، هو حديث المسؤولين وأشباه المسؤولين في إيران عن أشياء كثيرة جدا في الوقت ذاته، ومن بينها أشياء لا صلة لها في الأساس بمسؤولياتهم الرسمية، ولعلهم يفعلون ذلك لفترات طويلة جدا من الوقت.
نادرا ما يمر يوم من دون أن يلقي فيه أحد الجنرالات خطابًا ما، أو يدلي بتصريح ما، أو لعله يكتب مقالة ما يطرح من خلالها رأيه في قضية ما، بدءًا من تنقية اللغة الفارسية من الكلمات العربية الدخيلة (وكانت بقلم الجنرال فيروزآبادي رئيس أركان الجيش) وحتى تدريب قوات البيشمركة الكردية، وانتهاء ب”تحرير” مدينة القدس المغتصبة (وكانت بقلم الجنرال نقدي قائد قوات الباسيج).
وغني عن القول إن المفاوضات الحالية مع دول مجموعة (5+1) المزعومة حول البرنامج النووي الإيراني هي من بين القضايا الساخنة التي تتفاعل معها مقالات جنرالات النظام.
أولئك الذين يتابعون، بل ويجمعون تلك المقالات، قد يصيبهم الذهول، ليس من عدد الجنرالات الذين يكتبون المقالات، ولكن من كم الجنرالات الهائل في جيش الجمهورية الإسلامية. وإحدى الدراسات طرحت عدد الجنرالات من كل الطبقات، حيث إن هناك فئات مختلفة من الجنرالات وفقًا لاختلاف الأفرع العسكرية والجيوش، ليبلغوا 100 جنرال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أولئك المنتمون للجيش النظامي يحافظون على التقليد الإيراني القديم بعدم خروج المؤسسة العسكرية على الجمهور بتصريحات علنية.
ومع ذلك، فإن صمتهم تعوضه بالتأكيد حالة الثرثرة العلنية من الجيوش الإيرانية الموازية التي عمل على إنشائها الخميني وخلفاؤه. إن أولئك الرجال يعشقون الحديث بقدر ما يعشق أي ببغاء ريشه الزاهي.
وإيران اليوم بها أكبر عدد ممكن من الملالي، وعدد أكبر منهم ممن يعشقون الحديث العلني بشأن كل الموضوعات المطروحة تحت قبة السماء. ووفقا لإحدى التقديرات أن هناك أكثر من 400 ألف ملا وتلامذتهم في إيران. ومن رحمة الله، ورغم كل شيء، أن السواد الأعظم منهم لا يعيرون القضايا العامة اهتمامًا وليست لديهم تلك النزعة الخمينية إزاء ”ولاية الفقيه”.
وحتى الآن، فإن القطاع العريض المتبقي منهم كبير بما فيه الكفاية ليسهم وبفعالية في إثراء حالة ال(بالباشو) العامة.
أحد الملالي (وهو آية الله يونسي) يتحدث عن إحياء الإمبراطورية الفارسية العظيمة وعاصمتها بغداد. وملا آخر (وهو آية الله حجتي كرماني) يزعم أن كل من يناقش سلطات ”المرشد الأعلى” فهو أشد كفرا من الكفار.
وأسخن الموضوعات بطبيعة الحال هو الاتفاق النووي الذي يشهد مفاوضات سرية حاليا. ولقد خرج علينا ”المرشد الأعلى” علي خامنئي بما سماه ”الخطوط الحمراء” الواجب مراعاتها حيال أي اتفاق قريب. ولكن لا تنتهي القصة عند هذا الحد بالطبع. فقلما يمر يوم من دون أن يصدر بعض الجنرالات والملالي ”خطوطهم الحمراء” الذاتية. والنتيجة عبارة عن متاهة مذهلة من التحولات والانعطافات يعجز أحذق الدبلوماسيين الخبراء عن التحايل عليها أو تطويقها.
يتعاظم انطباع حالة ال(بالباشو) نظرًا لكبار الشخصيات في المؤسسة الرسمية الذين قرروا خوض غمار الحديث والكتابة حول ما ليس ضروريًا أو مرغوبًا. وبوصفه زعيم الكيان المتشدد في النظام الإيراني، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي يتحدث إلى الناس في كل يوم تقريبًا، كما أنه يشدد من لهجة حديثه في كل مرة عن سابقتها. وتقول إحدى النظريات أنه ينشئ ستارًا من الدخان اللفظي، ذلك الذي يستطيع الاختباء وراءه إذا ما خضع نظامه الحاكم للاتفاقية النووية المنتظرة.
ولقد اعتمد آية الله الخميني الراحل الأسلوب ذاته في عام 1988 حينما اتخذ قرارًا باحتساء ”كأس السم” وقبول قرار الأمم المتحدة رقم 598 القاضي بإنهاء الحرب العراقية الإيرانية. وتكمن الفكرة في الاختباء والتخفي مع التظاهر بتحقيق ”أعظم انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام”.
ويتقاسم هاشمي رفسنجاني تلك الرقصة المزدوجة مع علي خامنئي. ورفسنجاني هو الملا الذي يقود ما يعرف بالتيار المعتدل ويأمل في استخدام الاتفاق النووي مع واشنطن كنقطة انطلاق تعود به إلى سدة الحكم من خلال انتخابات العام المقبل للمجلس الإسلامي الإيراني (البرلمان) ومجلس الخبراء كذلك.
يصف أصدقاء رفسنجاني الرجل بأنه دينغ شياو بينغ الإيراني، نسبة إلى الزعيم الصيني الذي قاد عملية التحول السياسي في الصين الشيوعية من حالة الرفض الدولي إلى احتلال موضع العنصر الرئيسي في النظام الرأسمالي العالمي.
ومن إضافات حالة ال(بالباشو) العامة تأتي جولات الرئيس حسن روحاني الداخلية، حيث يلقي الخطابات التي تنتقل من المستور إلى العجيب في آن واحد. ولأنه قضى النصف الأول من ولايته دون أية إنجازات يفتخر بها، فلقد علق آماله، هو الآخر، على النتائج التي تعود بها الاتفاقية النووية بعيدة المنال. ومع ذلك، وكما يقر بذلك مساعدوه أنفسهم، وعلى الملأ في بعض الحالات، أنه حتى مع إبرام الصفقة، فمن غير المرجح لروحاني أن يتمكن من إنجاز الكثير في غضون العامين المتبقيين من فترة رئاسته للبلاد.
هناك مجتمعات تعاني من حالة صمت مطبق عميقة، وتنطلق تحركاتهم في هدوء عجيب على غرار الأفلام السينمائية الصامتة. كما أن هناك مجتمعات أخرى تعاني الكثير من اللغط والغضب، ولا تعبر عن شيء قط. وفي تلك المرحلة من مراحل ال(بالباشو)، فإن إيران تنتمي بلا شك إلى النمط الثاني.
في حين يتحدث جنرالات النظام عن اللغويات والقدس، فهم متقاعسون عن حماية حدود البلاد. فلقد رفع قائد حرس الحدود الإيراني تقريرًا يفيد بوقوع أكثر من 80 حالة اختراق مسلح للحدود خلال العام الماضي فقط من قبل الجماعات المسلحة المتمركزة في باكستان. ومع ذلك، فهو يدلي بكثير من الخطب والتصريحات حول الحاجة إلى إذلال الشيطان الأميركي الأكبر. وفي حين أن الجنرال سليماني، الذي يتيه بالتقارير الصحافية الذاتية مع ألبومات كاملة من الصور الشخصية التي تصوره في أماكن عدة من العراق، فإن العصابات المسلحة تطوف أرجاء بلاده، تسطو على البنوك، وتخطف المواطنين، وبالتأكيد، تسيطر على شبكات واسعة من التهريب.
وليس الملالي في موقف أفضل. فمتى كانت آخر مرة نشر فيها الملا آية الله حجتي دراسة دينية؟ والجواب: لم يفعل قط! وهو يدرك تمامًا أن ما يفعله ليس إلا تكرارات جوفاء مثل الببغاء لرواسم خمينية حول الشيطان الأكبر والخطر الرهيب لأسطوانات الأفلام المستوردة من أوروبا! وهل يعد آية الله خاتمي من خبراء العقيدة الإسلامية؟ كلا بالطبع. فهو ليس إلا خبيرًا ذاتيًا في أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم لمحطات الطاقة الإيرانية التي لا تمتلكها إيران بالفعل ولا نية لديها بالأساس لبنائها!
لذلك، فما هو أفضل تعريف ممكن لحالة ال(بالباشو) الإيرانية العامة؟ قد يكون التعريف على هذا النحو: هي وضع ما لا يضطلع فيه الفرد بمهام مسؤوليته ويشتغل في الوقت ذاته بقضايا تفوق ما يتقاضى راتبه عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.