تقول أغنية توني أورلاندو التي تمثل عاصفة غنائية اجتاحت أميركا في بداية سبعينات القرن الماضي؛ ”الشريط الأصفر” (Yellow ribbon): أنا عائد إلى موطني بعد انقضاء مدتي، والآن.. لا بد أن أعرف ما لي وما ليس لي. إذا كنت قد تسلمت خطابي الذي أبلغتك فيه أنه سيُطلق سراحي قريبا، وأنه عليك أن تعرفي ماذا ستفعلين إذا كنت ما زلت تريدينني.. فاربطي شريطا أصفر حول شجرة السنديان القديمة. لقد مرت سنوات ثلاث طويلة، فهل ما زلت في انتظاري..؟ إذا لم أرَ شريطا أصفر حول شجرة السنديان القديمة، فلن أغادر الأوتوبيس، وسأنسى حكايتنا ملقيا باللوم على نفسي وحدي.. إذا لم أرَ الشريط الأصفر حول شجرة السنديان القديمة. يا سائق الأوتوبيس.. من فضلك ألقِ نظرة من أجلي، فأنا عاجز عن تحمل ما يمكن أن أراه.. أنا حقا ما زلت سجينا، وكل ما أنا في حاجة إليه هو شريط أصفر بسيط يطلق سراحي. لقد كتبت لها، وقلت لها: من فضلك اربطي شريطا أصفر حول شجرة السنديان القديمة، إذا كنت ما زلت في انتظاري بعد أن مرت ثلاثة أعوام. إذا لم أرَ الشريط الأصفر فسأظل في الأوتوبيس، وأنسى حكايتنا، ولا ألومن إلا نفسي. الآن.. الأوتوبيس تملأه الفرحة.. لا أصدق ما أراه.. مائة شريط أصفر حول شجرة السنديان القديمة”. هذه أول أغنية حب في التاريخ، وربما آخر أغنية، لا يكتب مؤلفها كلمة واحدة عن الحب ومشتقاته. وهو أيضا ابتعد تماما عن مفردات الحب الشهيرة من سهر وسهد والعذاب الناتج من ابتعاد الحبيبة أو غيابها. ومع ذلك فقد نجح بالفعل في كتابة أغنية حب تتسم بالقوة والبساطة والبلاغة. وذلك لأنه استطاع بإبداع حقيقي استخدام ما نسميه ”المعادل الموضوعي” (objective correlative) هذا هو بالضبط ما أود التحدث عنه مع قرائي من المؤلفين الشبان من عشاق الدراما وكتابة الشعر الغنائي. من السهل للغاية أن نأتي بكل انفعالات البشر كما هي، ثم ”ندلقها” على الصفحات البيضاء. الشخص العادي فقط، أقصد غير المبدع، من حقه أن يصف ما يشعر به من أحاسيس وانفعالات وعواطف بحالتها الخام، أما المبدع، فيبحث عن معادل يحاكي ويماثل موضوعه. في هذه الأغنية، بطلها يخبرنا للوهلة الأولى أنه عائد لموطنه بعد انتهاء مدته. لا نعرف منه مدة ماذا؟ غير أننا بعد لحظات نعرف أنه كان مسجونا لثلاثة أعوام، ولا تذكر الأغنية شيئا عن جريمته، فلا أهمية لذلك، المهم هو أن تجيب حبيبته عن السؤال: هل تريدينني؟ لم يتكلم عن الأيام والشهور السوداء التي قضاها في الحبس مفكرا فيها، لقد اكتفى بوصفها بأنها كانت طويلة. والمعادل الموضوعي للإجابة التي ستحرره من السجن كانت تعليق شريط أصفر بسيط حول شجرة السنديان. الصورة جميلة، ليس شريطا واحدا، بل مائة شريط. انظر إلى الصدق فيما يمر به من قلق ولهفة، هو يخشى أن ينظر بنفسه إلى شجرة السنديان فيطلب من سائق الأوتوبيس أن يقوم بهذه المهمة بدلا منه.. ثم الفرحة تتفجر، ليس في قلبه فقط، بل في قلوب كل ركاب الأوتوبيس. نحن نبدع أكثر عندما نصل إلى معادل موضوعي يعبر في جمال وبساطة عما نشعر به من انفعالات ونقصده من معان.