السعودية تخوض معركة بالغة الأهمية مع الإرهاب التكفيري والمشروع الطائفي الذي تنشره إيران في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق أدواتها المختلفة مثل نظام العراق ونظام الأسد في سوريا ودويلة تنظيم حزب الله الإرهابي في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن. وفي هذا الإطار تأتي الحرب الإعلامية كعنصر فعال ومؤثر وقوي في المعركة، فهناك أبواق وأقلام ومواقع وصحف وقنوات وفنانون تخصصوا في الهجوم على السعودية ورميها بأسوأ وأحقر الألفاظ وتأييد صريح لإيران وأدواتها في المنطقة، وهذا طبعا موضوع متوقع ومسألة غير مستغربة أبدا. ولكن الشيء العجيب والمريب هو وجود بعض هذه الوجوه ضمن الإعلام السعودي نفسه، الخاص منه على أقل تقدير، وهي مسألة غير مفهومة وغير مقبولة البتة. إلى اليوم لا يزال هناك من يكتب في الصحافة السعودية ”بتعاطف” مع تنظيم حزب الله الإرهابي ويعتبره ”حركة مقاومة” ضد إسرائيل و”ينتقد” بخجل شديد ”تعاطي” بشار الأسد مع ”الأزمة” السورية، ومقدمو برامج أعربوا عن تأييدهم الصريح جدا لنظام الأسد وتمجيدهم لحسن نصر الله زعيم مرتزقة ميليشيا تنظيم حزب الله، ويعلنون ذلك في لقاءاتهم الإعلامية وحواراتهم الصحافية، ويجهرون بأكثر من ذلك في مجالسهم الخاصة، ويتقابلون إلى الآن مع رموز من نظام الأسد نفسه. وطبعا هناك جيش من الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات الذين أعلنوا تأييدهم الصريح جدا لبشار الأسد ولحسن نصر الله واعتبروهما نموذجين ل”الوطنية” و”المشرفة” ويجب ”دعمهما” ومساعدتهما بأي طريقة، ومعاداة كل من يقف ضدهما. ومع ذلك الموقف الصريح نرى شركات سعودية تقوم بإنتاج أعمال فنية كبرى وعملاقة في مجال الدراما التلفزيونية أو البرامج الاستعراضية الغنائية للمواهب الجديدة، فتجد الأبطال منهم يمثلون في الروايات الدرامية أو يشاركون في وصلات طربية أو كأعضاء في لجان تحكيم وغير ذلك. هناك رسالة متناقضة للمشاهد لها، فالمتلقي يرى ويشاهد ويسمع المواقف ”الصريحة” لهؤلاء والتي فيها تأييد لا يقبل الشك لفريق أعلن حربه وعداءه بحق السعودية، ثم يرى حضورهم ”المدفوع الثمن” على الشاشات التي تملكها أموال سعودية، وهذه مسألة غير قابلة للفهم أبدا. مقدم برامج مسابقات مشهور خرج من إحدى المحطات السعودية الفضائية وهي الأقوى عربيا بعد إعلان موقفه المؤيد لنظام الأسد (والذي لا يزال يكرره في كل مناسبة)، ليعود من بوابة محطة سعودية فضائية أخرى وسط ذهول الجمهور وعدم قدرتهم على تفسير ذلك الأمر. يتدخل ”هؤلاء” في دس السم في العسل لتمرير مواقفهم السياسية عبر تعليق أو عبر إيماءة أو عبر تغيير في سيناريو العمل الدرامي أو تعديل في بعض الجمل لتأكيد عقيدتهم السياسية وتوجههم المعلن، وهي مسألة في علم الإعلام تعد عنصرَ تأثير وتضليل خطيرا جدا، بل إن هناك منهم من يردد بفخر وتجبّر عن كيفية تمكنهم من استغلال ”طيبة وسذاجة” السعوديين وإثبات ”حضورنا”، ”دون تغيير في مواقفنا”، والأسماء ليست مجهولة، فهي معروفة من كتّاب الأعمدة للمذيعين والمقدمين والممثلين والمطربين. أرتال من الأموال تذهب بأسلوب غريب لأنصار نظام الطاغية بشار الأسد وبوقه الإعلامي حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله الإرهابي. سؤال خطير لا بد أن يطرح: هل الإعلام السعودي مخترق ”منهم”؟ من دون إجابة رادعة وبقاء الوضع على ما هو عليه سوف يكون لهذا السؤال إجابة مؤلمة. هم اختاروا موقفا مخزيا وحقيرا، السعودية ليست مجبرة على مجاملة وتحمّل ذلك أبدا.