تتواجد على مستوى 37 شارع البكري ببلدية بن عكنون في الجزائر العاصمة قنصليات عدد من الدول الأوربية، هذه الأخيرة التي تعتبر الوجهات الأكثر استقطابا للجزائريين، سواء لمواصلة الدراسة أو تربصات العمل، كذلك تمثل وجهات سياحية بامتياز أو حتى البلد المختار لمواصلة العيش فيها. وهناك ستجد حتما عددا من الأشخاص الذين يتربصون بك منذ أن تطأ أقدامك المكان، وإذا اقتربت عند أحدهم يهمس لك بهدوء ليقدم لك خدمة معينة يجني منها الأرباح بطريقة غير قانونية، ليختار المواطنون دول أوربا لحظ أفضل ويختار المحتالون من جهتم جيوب هؤلاء لربح أوفر. اتجهنا إلى عين المكان في اليوم الأول من التحقيق، وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف النهار، حشد كبير من مختلف الشرائح ومن الجنسين في طابور على أبواب القنصليات كان الارهاق باديا على وجوههم، كونهم ينتظرون ذويهم الذين دخلوا القنصليات لإيداع ملفاتهم لساعات من الزمن، وغير بعيد منهم حشد كبير أغلبيتهم من الشباب أمام شباك يتلقون منه الرد على طلباتهم. لا يخلو المكان ممن اختاروه يوميا مصدرا لربح وافر وبطرق غير شرعية، أعينهم تنصب على الذين تبدو عليهم علامات الترف، كيف لا ووجهتم أوربا؟ كشك ”Le petit kiosque” يتعامل بشكل غير قانوني تقمصنا شخصية مواطنة جاءت لإيداع ملفها لدى القنصلية الفرنسية، تقربنا من الحارس الأول الذي يقف على بعد أمتار من المدخل، لنسأله عن أيام الاستقبال ويخبرنا أنها تمتد من يوم الأحد إلى غاية يوم الخميس من كل أسبوع، ويشير لنا أن ادخال الهاتف النقال عند إيداع الملف ممنوع، لنتبادل معه أطراف الحديث ونؤكد له أن حضورنا سيكون منفردا يوم إيداع الملف ولا أحد سيرافقنا لنترك له الهاتف، فكيف لا تخصص القنصلية مكان لاستلام هواتف المواطنين؟ ليخبرنا ”أن القنصلية يقربها كشك يستلم هواتفكم مقابل مبلغ مالي”، ويوجهنا اليه بعد ذلك. اتجهنا إلى الكشك الذي يتواجد أمام المدخل العلوي لحديقة الحيوانات، والذي يحمل اسم ”Le petit kiosque” يعمل به عدد من الشباب، واحد منهم يجلس عند مدخله. عند وصولنا سألنا الشاب الأول إن كان الكشك هو من يستلم هواتف المقبلين لوضع ملفاتهم بالقنصليات؟”، ومباشرة قال لصاحبه: ”يا موحا شد عليها التليفون”، دخلنا بعدها لنسأل البائع عن كيفية معرفته صاحب الهاتف بعد تركه له؟ علما أن عدد الزبائن كبير، ليجيبنا في قوله: ”تدفعين لي مبلغا وأعطيك وصلا به رقم معين، وأحتفظ أنا كذلك بنفس الرقم، أما الرقاقة فتحتفظين بها عندك”، لنخرج من عنده ونتبادل أطراف الحديث مع امرأة كانت قرب الكشك، وكانت قد استلمت رد القنصلية لملفها، ونسألها عن الوسائل الممنوع ادخالها زمن إيداع الملف، لتجيبنا أن الهاتف النقال ممنوع وامكانية تركه عند أهل الثقة موجود وهو الكشك الذي أمامنا، وفجأة جاء الينا الشاب الذي يجلس أمام مدخله ويقول لنا:” واش تسحقي، جيبي التلفون تاعك هنا، كامل الناس يجو عندنا”. خدمات باهظة الثمن وخدمات منعدمة ليكون اليوم التالي من التحقيق مفعما بترصد المحتالين بالمواطنين من جهة، وترصدنا لهم من جهة أخرى، فكشك ”Le petit kiosque” كان حوله زحام كبير، بحكم أنه الوحيد الذي أوكل على عاتقه الاحتفاظ بهواتف المواطنين الذين منعوا من قبل القنصلية الفرنسية من ادخالها، لنكون من بين المواطنين الذين قرروا تسليمه هواتفهم بعد سحب الرقاقة من الهاتف، وحين تم استلامه منا قال :” تخلصيني أومبعد، إذا لقيتي التيلفون تاعك”، وأعطانا وصلا به رقم وختم يدل على أن الكشك يعمل بطريقة قانونية، لكن لا يوجد أي ختم من قبل أية جهة رسمية يدل أن الاحتفاظ بهواتف المواطنين مقابل مبلغ مالي يقدر ب 100 دج هو عمل قانوني. وقد كثر علينا سؤال:” تسحقي تاكسي” من قبل السائقين غير القانونيين، أما سيارات الأجرة القانونية فهي متوفرة، ليكون ثمن نقل الشخص من مقر القنصليات إلى الجزائر الوسطى هو 500 دج إلى 600 دج، ومبلغ ركن السيارة في الموقف يساوي 100 دج، لتغيب نهائيا المراحيض العمومية، فقد صادفنا امرأة حامل سألتنا عن مرحاض عمومي، لنسأل البائعين في عين المكان ويؤكدوا أنه لا وجود لمراحيض عمومية، ويوجه أحدهم المرأة الحامل إلى مطعم داخل حديقة الحيوانات، لكنها منعت من دخوله بحجة ضرورة غلقها لعدم توفر المياه. أمضينا فترة زمنية وسط الطابور عند مدخل القنصلية الفرنسية التي تشهد أكبر نسبة منه على القنصليتين البريطانية والإيطالية، لنلاحظ بعضا من المتأهبين للدخول يتركون هواتفهم عند ذويهم، كذلك الحقائب الكبيرة وتسحب من الحقائب الصغيرة كل ما قد تحتويه من وسائل بإمكانها أن تسبب جرحا كالإبر وقاطع الأظافر والمقص وشفرة الحلاقة وغيرها. قمنا بمراسلة وزارة الشؤون الخارجية حول الموضوع، واتصلنا عدة مرات لكننا لم نلق أي رد، ليبقى السؤال الواجب طرحه هو: ما هي الخدمات التي يجب أن توفرها الوزارة الوصية لمواطنيها أمام مقر القنصليات؟ ومن يتحمل مسؤولية الحد من استغلال المحتالين بها؟