يرى الزميل الكاتب الكبير جهاد الخازن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تنقصه الشراسة. وأنا أعتقد أن الشعب المصري يريده بغير شراسة. يكفينا ما نحن فيه من شراسة تستطيع التعرف على أبعادها بمجرد قراءة صفحة الحوادث في الجرائد. هذا على مستوى مصر أما على مستوى المنطقة العربية، فهي أيضا تستمتع بدرجة من الشراسة لم تعرفها من قبل، بل إن كلمة الشراسة كما تعرفها القواميس تتوارى خجلا بعد أن جاءت كلمة أخرى هي الوحشية، بعد أن فقدت الشراسة قوتها وعافيتها. يجب ألا ننسى أن الحكام الذين عرف عنهم الشراسة، هم بالتحديد من أضاعوا شعوبهم. ترى مَن مِن حكام البلاد المستقرة، كان شرسا؟ الشراسة كلمة ليس لها وجود في قاموس الدولة المعاصرة. وحتى على مستوى اللغة من النادر أن تقرأ هذه الكلمة هذه الأيام. وأنا أعتقد أنها لم تكن تعبر عن قوة الحكام، بل عن ضعفهم وعقدهم الشخصية. حتى اللغة تتغير، كلمة ”Aggression” التي كنا نستخدمها بمعنى عدوان منذ خمسين عاما، تستخدم الآن بمعنى حميد. فنحن نصف بها الشخص الجريء المقدام الواثق بنفسه فنقول عنه على سبيل الإعجاب إنه ”Aggressive” من المستحيل وصف رئيس دولة في عصرنا هذا بأنه شرس. كل ما تريده الناس من الحاكم هو أن يكون صارما في تنفيذ القانون لا أكثر. نحن نمر الآن بموسم لم نعرفه من قبل. وهو موسم تقييم أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد مرور عام على بقائه في السلطة كرئيس جمهورية. ثم قياس رأي عام على طريقة ”ما رأيك في أداء الرئيس السيسي بعد مرور عام من حكمه” ثم تظهر أرقام للمؤيدين وللمعترضين وللمتحفظين. طبعا هذه الموجة تفترض أن الشعب المصري كله خبير في التعرف على أداء الرؤساء. هي طبعا طريقة في إضاعة الوقت بشكل يبدو جادا. قبل ذلك كانت هناك موجة أخرى تبحث للسيسي عن مرجعية من الماضي القريب. ترى هل هو جمال عبد الناصر أم أنور السادات. طبعا هو لا هذا ولا ذاك، هو الرئيس عبد الفتاح السيسي. غير أنه في كل الأحوال هناك افتراض عند الغالبية الإعلامية، أن الأداء في مصر بوجه عام يرتبط ارتباطا وثيقا بالرئيس والرئاسة، وأن المؤسسات والهيئات وكل إدارات الحكومة ليست مسؤولة عن هذا الأداء. الجيش المصري منذ اللحظة الأولى اتخذ موقفه بوضوح في 25 يناير (كانون الثاني)، ليحدث ما يحدث، ولكننا لن نفتح النار على الناس في الشارع، وأنا أعتقد أن ما حدث فاجأهم تماما، وجعلهم يقومون بأفعال هي امتداد لطريقة نظام مبارك في التفكير. أما في 30 يونيو (حزيران) فقد كان امتحانا قاسيا للجيش، وأتذكر نصيحة أميركا للجيش الإيراني في ظرف مشابه ”على الجيش أن يقف على الحياد بين القصر والشارع” وكانت النتيجة إعدام قادة الجيش الإيراني، وإعدام النظام الشاهنشاهي، ثم تسليم البلد لعدد من المتطرفين المغامرين. لقد اختار السيسي الاختيار الصعب، والمعارك التي يخوضها هو وحكومته والجيش المصري والأمن المصري الآن، تثبت أن اختيار الشعب المصري كان الاختيار الصحيح.