”جروني على الأرض من شعري وسحلوني.. عروني وضربوني وداسوا علي كالحشرة”. كانت على سرير المستشفى حين روت الناشطة المصرية ”هند نافع” لأول مرة ما حصل معها فيما يسمى بأحداث مجلس الوزراء عام 2011، حين شاركت في تظاهرات ضد حكم المجلس العسكري حينها، فجرى ضربها وتعريتها وسحلها من قبل عناصر أمنية. ظهرت في شهادات فيديو بالكاد تستطيع الكلام من كثرة الكدمات. بعدها حاول قلة من الصحافيين تسجيل لقاءات معها، لكن لم يكن ذلك سهلاً بسبب ضغط العائلة. ففي مجتمع ريفي كالذي تنتمي إليه هند كان من السهل التضييق عليها مجتمعيًا. صحيح أنها كانت جريئة لتنزل وتتظاهر وتطالب بحقها، لكنها شعرت بالحصار من قبل عائلتها التي تقريبًا حمّلتها مسؤولية تعرضها للاعتداء، وبالتالي كان هناك شبه حظر لخروجها من المنزل خصوصًا أن هناك قضية في المحاكم وأن تهمًا تلاحقها. في إحدى المقابلات التي سجلت معها قبل 3 أعوام حين بدأت محاكمتها، تحدثت هند همسًا من غرفتها في منزلها مع صحافية تسجل بكاميرا خفية شهادتها حتى لا يلحظ أهلها.. حينها نفذت هند إضرابًا عن الطعام لأيام لتقنع عائلتها بحاجتها لتخفيف خناقهم لها. راج في تلك المرحلة وما زال أن تتهم فتيات ونساء بالمسؤولية عن تعرضهن للاعتداء، وظهر تعبير ”إيه اللي وداها هناك” ليكون شعارًا مشهرًا في وجه أي فتاة أو امرأة تريد التعبير عن حقها في التظاهر، فيجري اتهامها بالمسؤولية إذا تعرضت لمكروه. قبل أسابيع وفي غمرة أحكام المؤبد والإعدام التي يصدرها القضاء المصري، نال ”هند نافع” نصيب حيث حكم عليها بالسجن المؤبد بتهم تظاهر وتخريب وإرهاب. طبعًا لم يلتفت كثيرون لحقيقة أنها تحولت من ضحية إلى متهمة وهو أمر تكرر مع غيرها. ألم تتظاهر شيماء الصباغ وتقتل أمام الكاميرات، ومع ذلك وجدنا من اتهمها بالمسؤولية قبل أن يدان عنصر الأمن الذي أطلق النار عليها!! اليوم، وبعد أربع سنوات على بدء محنتها، ظهرت هند التي غادرت مصر في فيلم يوثق تجارب ناشطات عربيات بعنوان ”عواصف الربيع” وعرضه موقع صحيفة ”نيويورك تايمز” الأميركية، وهذا الظهور هو ما حرك حملة ضدها. فكيف لشابة تعرضت للاعتداء الجسدي والحظر الاجتماعي، وشاهدت كيف أفلت المعتدون من المحاسبة ليحكم عليها هي بالسجن المؤبد، أن تتحدث في فيلم يُعرض في الغرب. ويحكِ يا هند..! جُوبِه ظهور هند والدعم المعنوي لها في مقالات في الصحافة الغربية بحملة تخوين في بلدها واتهام عبر مواقع إعلامية من تلك التي تشتهر بولاء أعمى رخيص. لم يهتم أحد لشهادة فيها الكثير من الألم والحقائق. ففي الفيلم تروي هند ما حصل معها وكيف خسرت علاقتها بعائلتها ومدى المرارة التي تشعر بها حيال حقيقة أنها تحولت من معتدى عليها إلى جانية. تحكي كيف تابعت تفاصيل محاكمتها عبر الإنترنت، وقد ظهر محاميها شارحًا أنه مُنع من حضور جلسات المحاكمة، وكيف أن هناك تهمًا بحق ”هند” لأمور حصلت بينما هي تُعالج في المستشفى. وبالتالي، فإن ضعف حجج الأحكام وعشوائيتها يبدو جليًا. تلك الوقائع والتفاصيل لا تبدو مسموعة. هناك في مصر اليوم ضجيج إعلامي كبير، لكنه ذاك الضجيج الذي يمتاز بالصوت الصاخب من دون مضمون أو فكرة. فمثلاً يسهل أن نقول إن تقرير ”هيومان رايتس واتش” عن تزايد القمع والانتهاكات، تقرير مسيَّس يستهدف الوطن، وإن تقرير مركز النديم الحقوقي الذي وثق 600 حالة وفاة وتعذيب خلال السنة الأخيرة، ينال من هيبة الدولة. التهم كثيرة وجاهزة ومطلقوها قادرون على إحداث الضجيج فعلاً، لكن ذلك لا قدرة له على حجب حقائق باتت أقوى من أي محاولات تمويه. والصوت الذي لم تستطع هند إيصاله في مصر سيصل وهو وصل عبر أفلام ستعرض في الخارج وسيشاهدها الجميع.