تفاوتت التحليلات والتفسيرات المتعلقة بخسارة حزب التنمية والعدالة وزعيمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة للبرلمان، فمنها ما أظهر شماتة وتشفيا وفرحة هستيرية واعتبر ما حصل دمارا كاملا لمسيرة إردوغان السياسية وتحطيما مذلا لطموحاته، وهناك في الطرف الآخر من يقلل من الحدث، ولا يرى له أي معنى حقيقي، وأنه لا شيء تغير على الرجل أبدا. وتأتي الشماتة في خسارة الرجل من الذين ينتقدون دعمه ”الغريب واللامسؤول” لجماعة الإخوان المسلمين المثيرة للجدل، والاستعداد لعداء دولة كمصر في سبيل دعم الجماعة. وهناك طرف آخر يشمت في ما حصل لإردوغان وهم نظام الأسد المجرم وبوقه الإعلامي الإرهابي حسن نصر الله ومن معه، فهم لم يترددوا في إبداء سرورهم وبهجتهم في التعبير عن خسارة إردوغان، لأنهم يعتبرونه أحد أهم أنصار وداعمي الثورة السورية على نظام مجرم وفاسد، والطريف أن الذي ينتقد هو نظام أتى بالتوريث من أب لابن بشكل كوميدي وهزلي، ويدعمه رئيس عصابة يدين بولائه لرئيس دولة أخرى غير دولته. إن حقيقة ما حدث بتركيا وباختصار شديد هو أن الناخب التركي رفض ببساطة أن يمنح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المزيد من الصلاحيات التي قد تؤدي إلى سلطة نافذة قد تنقلب إلى تسلط خطير يضر بالبلاد وبالمواطنين فيها، ولكنهم في ذات الوقت لا ينسون إنجازاته الاقتصادية المبهرة، فهو أقام كيانا تركيا جادا ومحترما وتحول إلى علامة اقتصادية مميزة في العالم اليوم وباتت تركيا قاعدة اقتصادية يحسب لها حساب في المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية والخدمية والعقارية والتعليمية، كل ذلك لم يكن لينساه الناخب التركي، ولذلك لم يسمح له بالسقوط ولا الهزيمة. كان الأثر الفوري على الاقتصاد فور إعلان نتائج الانتخابات هبوطا حادا في مؤشرات البورصة التركية، التي انحدرت إلى أكثر من 7 في المائة، وهوت الليرة التركية بأكثر من 3 في المائة مقابل الدولار الأميركي، وتوقع المتابعون للشأن التركي أن يستمر المشهد هذا قائما حتى يتم الاستقرار على شكل الحكومة القادمة، وشكل الائتلاف التي يتشكل من خلالها، ولكن الخبر المهم جدا الآتي من نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا هو بروز الصوت الكردي بقوة استثنائية وحصول الحزب الديمقراطي على أكثر من 12 في المائة من الأصوات وتخطيه لحاجز العشرة في المائة المطلوبة والتي تؤهله للدخول في البرلمان والمساهمة في تشكيل الحراك فيه. والحزب يتزعمه شاب في الأربعينات من العمر (42 عاما) اسمه صلاح الدين دميرتاش وهو يساري الميول، ولن يكون بحسب المتوقع جزءا من التركيبة الائتلافية الجديدة التي يسعى إردوغان لتشكيل حكومته من خلالها، نظرا للهوة السحيقة بينه وبين إردوغان في الكثير من المسائل والأهداف السياسية. ومن أهم ما خسره إردوغان بخسارته للأغلبية الانتخابية هو منصب رئيس البرلمان الذي كان تابعا لحزبه وهذا المنصب مهم، لأنه دستوريا يعتبر المنصب الثاني في البلاد، ويصبح المنصب الأول حينما يكون الرئيس نفسه مسافرا خارج البلاد. تركيا في واقع الأمر هي أقوى اليوم من الفترة التي كانت فيها قبل نتائج الانتخابات، فهي ترعى مصالحها عبر مؤسسات قوية تحمي مصالح شعبها وليس عبر فرد واحد فقط، مهما كانت قوته وشعبيته، فهو في النهاية يظل فردا وسيرحل.