في حرارة الصيف المرتفعة انتصبت الخيام في فضاء رياض الفتح بالعاصمة، تدل أنها موضوعة من أجل نشاط ثقافي أو فني، وفعلا الأمر يتعلق بمهرجان الأدب وكتاب الشباب في طبعته الثامنة. مهرجان هجره الزائرون لدرجة أصبح القائمون عليه يشحذون الناس ويتوسلونهم في سبيل حضور الندوات. نفس الضيوف حاضرون في كل الطبعات.. والغائب الأكبر هم الشبان رغم أنهم المعنيون بالدرجة الأولى. الروائي سمير قسيمي: ”منظمو المهرجان يثبتون فشلهم من سنة إلى أخرى” أكد الروائي سمير قسيمي أن منظمي المهرجان يثبتون فشلهم من سنة إلى أخرى في استقطاب الجمهور ودور النشر المشاركة بسبب قلة أو حتى انعدام الاشهار، رغم الميزانية المهمة المرصودة له، مضيفا أن الملتقى خرج عن أهدافه من حيث طبيعة المدعوين والمواضيع المتناولة، حيث يتجاوز سن المدعوين ال55 سنة، وهم بالطبع لا يمثلون الأدباء الشباب. كما أن الكثير من المدعوين لم يصدروا عملا منذ 7 سنوات، وهنا يطرح السؤال حول سبب دعوتهم. وفي السياق ذاته يقول قسيمي أن القائمين على المهرجان قاموا بدعوة الكتاب العرب الذين يكتبون بالعربية لعلاقتهم بالجوائز، سواء فازوا أو شاركوا، ما يدل أن المنظمين لا معرفة لهم بشكل وطيد بالأدب خارج منظومة الجوائز، ويضيف قائلا:”تقريبا جل المدعوين لا يتحدثون العربية ولا يكتبون بها، ومعظم هؤلاء من فرنسا أو من الدول الفرنكفونية”. وانتقد قسيمي مواعيد افتتاح المعرض التي اعتبرها لا تناسب إلا المقيمين في العاصمة، وبسبب إصرار المنظمين على نفس المواعيد تحرم ضواحي العاصمة و47 ولاية أخرى من حضور فعاليات المهرجان وعروض الكتب. ويعتبر المتحدث أن المهرجان يقسم ضيوفه الجزائريين إلى ثلاثة أصناف، وهم الجزائري المقيم في الجزائر الذي يكتب بالعربية، الجزائري غير المقيم في الجزائر والذي يكتب بأي لغة، والجزائري المقيم في الجزائر الذي يكتب بالفرنسية. وحسب قسيمي فإن الأول لا يُمنح أي مكافأة إذا تم إيواءه أو يمنح 5 آلاف دج، وبالنسبة للثاني يُمنح بين عشرة آلاف دج وعشرين ألف دج، وبالنسبة للصنف الثالث يمنح عادة عشر آلاف دج. في حين - يقول قسيمي - يصنف الضيوف القادمون من الخارج أي من المغرب العربي وبعض دول المشرق في خانة أخرى ويتم منحهم عشر آلاف دج، ومن دول الخليج عشرون ألف دج، والدول الأخرى عشرون ألف دج. ولم يهضم قسيمي طريقة معاملة الكاتب الجزائري المقيم في الجزائر الذي يعتبر كاتبا من الدرجة الثالثة، حسب هذه المعايير، متسائلا في الوقت ذاته ”لماذا لا يتم مساءلة المحافظ أو إقالته على الأقل بسبب احتقاره للكاتب الجزائري الحامل لجنسية جزائرية ويقيم في الجزائر؟ وهل الإبقاء على مثل هذه السلوكات يدخل في ما سماه وزير ثقافتنا عزالدين ميهوبي بالتغييرات التي سيعمل بفضلها على تحريك المشهد الثقافي؟ ولماذا يستمر أدباؤنا في قبول دعوات هذا المهرجان؟!”.
الشاعر محمد قراميت: ”يجب إعادة النظر في هذا المهرجان” قال الشاعر محمد قراميت إن الأدب وكتاب الشباب هو كل ما ينتجه الشباب الجزائري أو الأدباء الشباب، وكلمة شاب ذات دلالة التجدد بمعنى كل سنة تظهر أسماء جديدة إلى الساحة الأدبية، وهذه الأسماء تحتك بغيرها من الأدباء والكتاب العالميين لتساهم في صناعة المشهد الأدبي الجزائري. ويضيف قراميت أنه لا يلوم الوزير الحالي للقطاع لأنه حديث العهد بوزارة الثقافة، في حين انتقد القائمون على المهرجان الذي يهمشون الشباب المبدع وهو أحدهم، حيث يقول إنه لم تصله أي دعوة من هذا المهرجان رغم أنه وصل إلى طبعته الثامنة. وأضاف قراميت أنه على الوزير الحالي عزالدين ميهوبي تطهير قطاعه من مخلفات الوزيرة خليدة تومي، وإعادة النظر في هذا المهرجان من خلال الدعوات التي توجه للأدباء الحقيقيين من داخل الوطن وخارجه.
الروائي والإعلامي رياض وطار: ”هل نحن في فرنسا لنروّج للأدب المكتوب بالفرنسية؟” يعتقد الروائي والإعلامي رياض وطار أن القائمين على تنظيم المهرجان الدولي لأدب الشباب ليسوا على دراية أو تعمدوا في الإغفال عنه في ما يتعلق بالمعنى الحقيقي لاسم المهرجان الذي خلق لهذه الفئة من الأدباء بهدف تمكينهم من إبراز قدراتهم وتسليط الضوء عليهم، خاصة أولئك الذين يقطنون بالمدن الداخلية، والذين رغم المستوى الراقي لنصوصهم إلا أن الحظ لم يسعفهم للظهور بشكل يليق بمقامهم نظرا لبعد مقر سكناهم عن العاصمة، مركز تواجد وسائل الإعلام بمختلف انواعها. ويرى وطار أنه يجدر على المنظمين الالتفات إليهم وتسهيل مهمة تواصلهم بالجمهور، خاصة القراء لنصوصهم وبالتالي التعريف بهم، مضيفا:”ما الحاجة إلى دعوة أسماء هي أصلا مكرسة في المشهد الأدبي والإعلامي المحلي والعربي وليست بحاجة إلى من يعرفها، أكثر بل ليست أصلا بحاجة إلى مثل هذا المهرجان نظرا لمشاركاتها في مهرجانات دولية ذات شهرة كبيرة، والغريب في الأمر أن أغلبها تكتب بالفرنسية بينما همشت المعربة.. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل نحن في فرنسا لنروج للأدب المكتوب بالفرنسية؟ وهل سمعنا بمهرجانات أدبية فرنسية تروج للأدب باللغة العربية؟” واستغرب المتحدث أن تخصص ميزانية معتبرة للترويج لأدب لا يعنينا لا من بعيد ولا من قريب، موضحا في نفس السياق ”لست ضد اللغة الفرنسية باعتباري أكتب باللغتين لكي لا يفهم مقصودي خطأ، ولكن مع الترويج لأدب يعبر عن اهتمامات الشعب باللغة التي يفهمها، وحسب علمي فإن اللغة المفهومة عند عامة الجزائريين هي العربية.” وانتقد وطار تكرار نفس الأسماء وكأن المشهد الأدبي الجزائري لا يعرف إلا سواها، فيما هو يعج بأسماء شابة متمكنة في الأدب وفرضت نفسها سواء بالجزائر أو خارجها. وفي الأخير تمنى المتحدث أن يتدارك المشرفون على المهرجان هذه الهفوة وأن يأخذوا العبرة من تجاربهم السابقة ويقوموا بدعوة أسماء تستحق فعلا أن يلتفت إليها.
الروائي محمد رفيق طيبي: ”لماذا يتم تغييب من ليست له وساطة؟” قال الروائي الشاب محمد رفيق طيبي، المتوج مؤخرا بجائزة رئيس الجمهورية علي معاشي في فئة الرواية، أنه واثق تماما أنّ الرأي الذي سيدلي به لن يغيّر شيئا، وهذا ليس تقليلا من دور الصحافة في صناعة الوعي وكشف الحقائق وإنما إيمانا بتجذر أشياء عفى عليها الزمن في العالم المُتقدم ولم يعد لها أيّ وجود. وأوضح طيبي أن السؤال عن تغييب الشباب في مهرجان الشباب يحولنا لطرح سؤال آخر.. وهو لماذا يتم تغييب من ليست له وساطة؟ وفي نظره الجواب فوري وتافه ”أنت لا تملك وساطة للحضور فكيف تُفكر في هذا المهرجان، ومع ذلك الوساطة ليست قضيتنا”. ويعتبر المتحدث أن المعضلة في كون الذين وجهت لهم الدعوات لا صلة لهم بالشباب، منهم من تجاوز الكهولة ومنهم من دخل في مرحلة الهرم الأدبي والبيولوجي، وكثيرون لم يقدموا أعمالا أو أشياء توجب دعوتهم منذ سنوات أيّ ما يُطلق عليه العطالة الأدبية. واستغرب رفيق طيبي بشكل رهيب كيف تُمنح لمجموعة من الشباب تألقوا في الشعر والرواية جائزة رئيس الجمهورية علي معاشي المخصصة لهم (أقل من 35 سنة) ثم لا توجه لهم دعوات للحضور رغم أن الوقت كاف والمساحة موجودة، وهذا إن وُضع تحت المساءلة تكون النتيجة هي عدم وجود رؤية أو إطلاع من طرف المنظمين قد تصل إلى الوصف بسوء الذوق أو اللامبالاة والعشوائية، مضيفا ”سبق أن أشرت إلى ذلك وتحدثت عن هذا المهرجان وكان محل نقاش رفقة الروائي محمد جعفر وأيضا سمير قسيمي، الذي فكك فشل هذا الحدث بلغة الأرقام والأدلة، موضحا التجاوزات الخطيرة التي تحدُث في ظل صمت وتعتيم شامل”. ويرى طيبي أنه ليست لديه رغبة في التوجه نحو الحلول، فالحديث عنها في ظل الرداءة في نظرهم مجرد لغو يعتبره أصحاب الجذور التي لا تُقتلع حديث جرائد صفراء، لكن في نفس الوقت لا وجود لمسلك خارج تغيير الأشخاص أصحاب الفكر المتحجر الذين لا يؤمنون بالتداول ولا يعترفون بوجود جيل جديد آفاقه رحبة وله ما يقول”. وفي الأخير يعتبر المتحدث أن الأمر متعلق بإقالة محافظ المهرجان ووضع برنامج جديد وفق رؤية حداثية تصنع أفقا يضم الجميع، وهذا ما ننتظرُه من الوزير عزالدين ميهوبي الذي تفاءل أهل الأدب دوما بوجوده على رأس هذا القطاع، وهو الخبير بشؤونه والمُطلع على أمكنة المطبات والحواجز.
الخبير في السياسات الثقافية عمار كساب: ”الشباب الجزائري المبدع غريب في مهرجانات بلده” يعتبر الخبير في السياسات الثقافية الدكتور عمار كساب، أن الكل يعلم أنه منذ عدة سنوات أصبحت المهرجانات الفنية والأدبية في الجزائر عبارة عن ”زردات” وضعت على رأسها وزارة الثقافة من يُسمون ب”محافظي المهرجانات”، ينظمونها وكأنها ملك لهم، يرسلون الدعوة لمن يشاؤون من أصدقاء ومقربين ويهمشون من يشاؤون من فنانين وأدباء شبان. وأضاف كساب أنه أصبح بذلك الشباب الجزائري المبدع غريبا في مهرجانات بلده. ويرى كساب أن مهرجان الأدب وكتاب الشباب واحد من هذه المهرجانات، يعود كل سنة، نعرف تواريخه لكن طقوسه غريبة علينا، وكذلك الأسماء الأجنبية الني يتم دعوتها ولم نسمع عنها من قبل قط، مضيفا ”ما معنى أن يهمش مبدعون شباب جزائريون أو من أصول جزائرية، و يتم دعوة أرنستو لونڤار مورينو في طبعة 2015، لم و لن نقرأ له لأنه يكتب بالإسبانية، وحتى من يقرأ الإسبانية لن يجد كتبه في الجزائر! وماذا يعني كذلك دعوة 11 كاتبا فرنسيا في طبعة هذا السنة؟ هل هي سنة فرنسابالجزائر؟!” ويعتقد المتحدث أنه حان الأوان للشباب المبدع في الجزائر بإدارة ظهره لمهرجانات فارغة كهذه، ولما لا مقاطعتها حتى تختفي يوما، لأنه سيأتي اليوم الذي ستفرغ خزينة الدولة ولن يبقى من هذه المهرجانات إلا ملفات الفساد والسرقة والنهب.
الشاعر رفيق جلول: ”هناك تهميش مفتعل لعدة أغراض” يرى الشاعر رفيق جلول أن ما علينا الحديث عنه بصراحة هو ما الذي تقدمه هذه المهرجانات والفعاليات الثقافية للمبدع الشاب أو لغيره؟ ”علينا أن نتحدث بموضوعية هل نملك كمبدعين جمهورا كافيا ليستوعب ما نكتب؟ قبل أن نلوم الهيئات المنظمة على تهميش المبدع الشاب في هذه التظاهرة التي نتطرق إليها”. ويضيف رفيق جلول:”صحيح أنه هناك تهميش مفتعل من قبل هؤلاء لعدة أغراض منها تبادل المصلحة والوساطات بين ذلك والآخر، إنما ما فائدة هذه الفعاليات؟”. وانتقد المتحدث ظاهرة الإقصاء قائلا ”لتجربتي المتواضعة في مشاركة الفعاليات وأيضا بعض التجارب التي خضتها في الإقصاء من بعض الهيئات ومن بعض المنظمين المبدعين خصوصا، لأن ظاهرة إقصاء المبدع لا يمارسها الإداري فقط، أيضا يمارسها المبدع مع من يراه مختلفا معه أو مخالفا لمصالحه. هذه العقلية التي تجتاح المبدعين الجزائريين، والتي تعمل على قمع المبدع الحقيقي سواء كان شابا أوكهلا هي ممارسات متخلفة يمتاز بها المبدع الجزائري. هذه التي أسميها خلفية رجعية باعتبار المصلحة فوق كل شيء لأصارحك بهذه اللهجة والتي يحتمل استغرابها، في حين هذه الفعاليات لا تنفع بشيء، وما نرى في هذا إلا السلبيات والقمع والإقصاء المفتعل.. وهذا ليس في مصلحة الإبداع كما يدّعون”.