ألم نقل إن لا جدوى من البقاء في جامعة الدول العربية هذه؟.. الجامعة التي تقف مع الظالم وتضطهد المظلوم لا جدوى منها. ها هو ملك المغرب يتخذ قرارا بإلغاء عقد دورة اجتماع الجامعة الذي كان مقررا مارس الداخل في الرباط، ويمرر الدورة إلى موريطانيا، بدعوى أن لا جدوى من هذا الاجتماع بما أنه يعرف مسبقا أنه لن يتخذ أي قرارات، وقد اتخذ الملك هذا القرار بعد التشاور، مثلما قال بيان خارجية المغرب مع عدد من الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. من جهة الملك محق في اتخاذ مثل هذا القرار، لولا أن المملكة دعمت سياسات عدائية لقضايا عربية ومنها القضيتان السورية والليبية حيث يدعم المغرب الجماعات الإرهابية بالتسهيل لإرهابيين مغاربة الالتحاق بليبيا. كما أن المغرب أيضا يشارك بقوة في التحالف الذي تشرف عليه المملكة العربية السعودية وتركيا للتدخل في سوريا بحجة مكافحة ”داعش”، بينما تدعم هذه الدولة إرهابا آخر اسمه جبهة النصرة والجيش الحر، وكلها تنظيمات دمرت سوريا تحت مسمى الديمقراطية. نعم ما الجدوى من هذه الجامعة واجتماعاتها، عندما تكون دولة مثل سوريا التي أسست الجامعة ممنوعة من حضور جلساتها، ومنح كرسيها لإرهابيين دمروا البلاد وتآمروا عليها؟ في السابق وقبل ”الربيع العربي” وسقوط مبارك كانت قرارات الجامعة تتخذ مسبقا بالتنسيق بين مصر والمملكة السعودية، ثم تعقد جلسات الجامعة ومجلس وزراء الخارجية الذي يسبق عادة القمة للمصادقة على قرارات تراعي مصالح بلدان بعينها، واليوم الجامعة العربية صارت مثل السلطة في بعض بلداننا العربية رهينة المال والفساد، فبعد أن كانت الكلمة العليا لمصر كقوة إقليمية، وقوة ناعمة مثلما يحلو للراحل هيكل تسميتها، انتقلت قوة الموقف الآن إلى دويلة مثل قطر، وصارت هي من تصور سياسة هذه المؤسسة العربية لأنها عرفت دور المال في شراء الذمم والمواقف. أليس في إحدى دوراتها هدد وزير خارجية قطر السابق وزير خارجية الجزائر، قائلا له ”إنكم ستندمون على دعمكم لسوريا”. حتى قبل الربيع العربي لم تحل الاجتماعات الدورية لهذه المؤسسة العربية أية مشكلة، بل حتى القرارات الجريئة على قلتها مثل تلك المتخذة في قمة ”اللاءات الثلاثة” بالخرطوم سنة 67، التي عقدت على خلفية هزيمة العرب في الحرب مع إسرائيل تلك السنة ”لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني”. هذا القرار الذي شكل أساسا لسياسات الحكومات العربية، لم يعد له اليوم أي معنى، فصرنا نسمي إسرائيل بالاسم في الإعلام، وصار للمحاور الإسرائيلي مكان في فضاءاتنا الإعلامية مثلما تقوم به الجزيرة تحت مسمى ”الرأي والرأي الآخر”، وصارت دول عديدة تعترف بهذا الكيان ومنها من عقدت معه المعاهدات وفتحت له السفارات في أرضها، مثل مصر، مقر الجامعة نفسها، ومثل الأردن، وهناك من ”يتعامل” مع الكيان في السر والعلن مع إسرائيل مثل المغرب الذي ”يسترجل” ملكه اليوم ويلغي القمة! ليعترف العرب أنهم ليسوا دولا وأن ساستهم غير قادرين على إسماع صوتهم للعالم، وأنهم خانوا قضاياهم وتآمروا على العراقوسوريا وعلى فلسطين أساسا، وأن حفنة من اليهود جردتهم من أرضهم وعرضهم وهي اليوم من يملي سياساتهم وتفعل بهم وفيهم ما تشاء! نعم لا جدوى من جامعة عربية وليس فقط من قمة، وكان الملك يكون محقا لو أنه اتخذ القرار لأسباب أخرى غير تلك التي قدمها! حدة حزام ************** حديث عن الهوية!
لم تعجب الرئيس مسألة إدراج الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور الجديد، وانتظر الانتهاء من التصويت ليعلق على هذه المادة، قائلا: ”كيف سيدرسون هذه اللغة الميتة، سيكلفهم هذا ميزانية وسيضرب الإجراء الوحدة الوطنية؟ ثم بأي حروف ستكتب هذه اللغة؟ الجزائر عربية مسلمة، يجب أن يفهم الجميع هذا، وتدريس الأمازيغية معناه تشكيك في انتمائنا للوطن العربي. صحيح أن أصلنا أمازيغ، لكن كيف لأقلية أن تفرض رأيها على الأغلبية الساحقة، هل الأمازيغية لغة علم، هل هي لغة أبحاث؟”. ”هون عليك سيدي الرئيس، تجربتنا الديمقراطية على مساوئها مكنتنا من فهم الكثير من الأمور. ربما تكون الأمازيغية لغة أقلية، ولغة ميتة مثلما ترى، لكنها لغة يتحدث بها ما لا يقل عن عشرة ملايين جزائري، ولو كانت ميتة لما صمدت أمام قرون من التعريب ومحاولة طمس الهوية الأمازيغية من قبل العرب، ومن قبل الرومان والأتراك وكل من مر على المنطقة. مشكلتنا نحن الأمازيغ أننا شفويون، نتناقل تراثنا بالحديث، ولم نطور الخط التيفيناغي الموجود بقوة في آثارنا في الجنوب. ثم لماذا في عهدكم منعتم القبائل والأمازيغ بصفة عامة حتى من التحدث بالأمازيغية؟ بل حتى إن الرئيس الذي سبقك كان يهدد بالسجن كل من تحدث بهذه اللغة، بينما كان المسكين مفتونا باللهجة المصرية، التي كان يتحدثها معتقدا أنها هي العربية، مع أنها كانت خليطا بين العربية والتركية وكثيرا من الفرعونية التي صمدت مع العصور. سبق وقلت لك إنك أمازيغي، أنظر وجهك في المرآة، كل ما فيك أمازيغي، لونك ونظرتك الحادة، وسرعة غضبك، وشجاعتك، كل شيء فيك أمازيغي”. ”نعم أنا أمازيغي، وعربني الإسلام، والعربية هويتي”. ”لماذا لم يعرب الإسلام الفرس؟ آه سيدي الرئيس، لماذا تعيدني إلى قضايا تحدثنا فيها، ألست مقتنعا أم أنك مصمم على هذه المغالطات التاريخية؟ يبدو أن التيار البعثي قد فعل بكم ما فعل. ثم لماذا تريدون مواجهة بين الأمازيغية والعربية؟ لقد سقطتم في نفس الأخطاء التي سقط فيها المدافعون عن الأمازيغية، بينما يتقبلون بكل بساطة الحديث بالفرنسية، يلعنون المتحدثين بالعربية، مع أن الاستعمار الفرنسي حارب اللغتين”. وأضاف السائق الذي وكأنه هو الآخر يكتشف أصوله الأمازيغية، وتتحرر معها عقدة لسانه للدفاع عن هذه الهوية وهذه اللغة، ”شكرا للسلطة، أنا مع إحياء لغتنا ومع تعليمها لأبنائنا. أنا شخصيا نادم أنني لم أتعلم من والدتي هذه اللغة التي كانت تتحدث بها مع أبي ومع الكبار من العائلة، ولم نتعلمها منها، واليوم يقشعر بدني كلما سمعت أحدهم يتحدث بالشاوية، تعود بي الذاكرة إلى جلسات حميمية بين كبار العائلة، وكثيرا ما تدمع عيناي لمجرد سماع نبرة شاوية. لماذا لم تمت العبرية، وها هي إسرائيل تبعثها من المدافن، وتعيد لها مكانتها. العبرية اليوم هي لغة بحث وعلم وهوية، ورواد العلوم والاكتشافات والبحوث اليوم هم يهود وإسرائيليون. والأمازيغية ليست أقل شأنا من العبرية، ثم المسألة مسألة ترميم الهوية المشروخة، مسألة اعتراف بثقافة شعب ظلم عبر التاريخ تماما مثل اليهود، ليس في الجزائر فحسب، بل في كل شمال إفريقيا، من جزر الكناري إلى صحراء سيوة بمصر، مساحة شاسعة، فكيف تقول إنها لغة أقلية؟ ألم يقل بورقيبة إن الأمازيغ يوجدون حيثما يوجد طبق الكسكسي؟ أليس الكسكسي أهم طبق على موائدنا، الطبق الذي يجمع أفراد الأسرة كل جمعة، وفي المواسم والأفراح والعزاء؟ نعم! أعتقد أن السلطة الحالية محقة في وضع الأمازيغية في المكانة التي تستحقها. نعم هي ليست لغة علم، لكن العربية هي الأخرى ليست لغة علم وبحث، لكن مع شيء من الاجتهاد والمثابرة ستكون كذلك، أما العربية فيجب تحريرها أولا من سطوة الدين، فهي ليست لغة مقدسة مثلما يدعون لأنها لغة القرآن. لا علينا لست هنا للحديث عن العربية، فالأمر يتعلق بالأمازيغية، والمثل يقول: ما ضاع حق وراءه مطالب، والأمازيغ ناضلوا من أجل لغتهم وهويتهم، والسلطة الحالية - قلت - ذكية لأنها سحبت قضية الأمازيغية من بين أيدي التيار المتطرف وانفصاليي فرحات مهني، الذين بعدما يئسوا من تمكين أبنائهم من الحديث وتعلم لغتهم في المدارس، صاروا يطالبون باستقلال منطقة القبائل، ولو استمر تجاهل هذه المطالب لحدث انفجار مع الوضع الأمني الهش الذي تعيشه منطقة شمال إفريقيا، ولما اقتصر الاستقلال الذاتي على القبائل، فربما لحقت منطقة الشاوية وإباضيو غرداية، وتوارڤ الجنوب، وماذا كان سيبقى في الجزائر؟” يسكت الرئيس، الذي لم يكن يرى أبعاد الأزمة بالشكل الذي تطورت عليه بعد وفاته، ثم إن حرية التعبير طرحت المسألة بقوة للنقاش، وفهمنا من هذا الجوانب الإيجابية للاعتراف بهوية ولغة شعب، ليس أقلية مثلما تقول، لأنه من المستحيل أن يكون المستعمِر أكبر عددا من السكان الأصليين للبلد. زد على ذلك، ضع نفسك في مكان أطفال يتكلمون الأمازيغية في بيوتهم لأنها لغة الأم، ثم يصطدمون عند دخول المدرسة بلغة غريبة عنهم، العربية ونطلب منهم أن يكونوا مواطنين أسوياء، ونحن نرفض هويتهم الأصلية. ألم تكن مسألة استرجاع الهوية الأساس الذي قامت عليه الثورة الجزائرية، فكيف نسترجع جزءا من الهوية، ونهمل الجزء الأساسي منه؟”. يطلب الرئيس من سائقه سيجارا كوبيا من ذلك الذي أحضره له، ويلوذ من جديد بصمت ثقيل، منشغلا بدخان السيغار، وبالحركة أسفل المقصورة وسط قاعة المؤتمرات مع نهاية أشغال هذا الاجتماع الاستثنائي. - يتبع -