ما إن اتفق لافروف وكيري على وقف القتال في سوريا، حتى تراجعت أنقرة عن عزمها اجتياح الأراضي السورية وفقا للاتفاق الذي تم بينها وبين المملكة العربية السعودية من أيام. فقد قال وزير الخارجية التركي، أمس، إن إمكانية شن عملية برية تركية سعودية في سوريا ليست على جدول الأعمال. يأتي هذا الكلام أياما بعد الهيصة التي أحدثها وزيرا خارجية البلدين حول استعدادهما لبدء هجوم بري على سوريا بحجة محاربة داعش والإرهاب. وكانت المملكة نقلت طائرات حربية إلى أنقرة استعدادا لهذا الهجوم. لكن الفاينانشال تايمز كشفت أن أمريكا تحاول لجم حليفتيها المذكورتين حتى لا تقدما على عمل عسكري في سوريا. ليس من التجني على البلدين في شيء عندما نقول إنهما رهن إشارة أمريكا ومشروعها في المنطقة. وها هي تهديدات أردوغان تنطفئ بين عشية وضحاها بمجرد توصل وزيري أمريكاوروسيا إلى اتفاق مبدئي على وجوب وقف القتال هناك. فاللعبة واضحة وضوح الشمس. وحدهم الأغبياء يرفضون رؤية ذلك، وما زالوا يصدقون أن أنقرة ستبعث مجد الخلافة العثمانية، وتعيد للمسلمين مجدهم التليد رفقة المملكة. بينما هي مجرد بيدق في يدي أمريكا ووسيلة لتنفيذ مشروعها هناك، تماما مثلما استعملت سابقا صدام حسين في حربه ضد إيران لإضعافها قبل أن تتخلص منه بأبشع الطرق، وبعد أن ورطته في الكويت التي أضعفها هي الأخرى ورهنها بين يدي أمريكا. فماذا سيكون مصير الحشد الذي جمعته المملكة من أيام وشارك في مناورات ”رعد الشمال” والذي تشارك فيه أزيد من 20 دولة إضافة إلى دول مجلس التعاون. وكانت تريد من ورائه التدخل في سوريا بدعوى محاربة داعش، بينما كانت تبحث مواجهة سنية شيعية هناك، وتريد تقويض قوة حزب الله المقاتلة إلى جانب الجيش السوري النظامي؟! من الصعب التكهن بجدية عزم البلدين - روسياوأمريكا - على وقف القتال في سوريا. فلم يعد يخفى على أحد أن سوريا كانت دائما ضمن مخطط بريطاني أمريكي إسرائيلي يستهدف تدميرها لرفضها أي اتفاقيات مع إسرائيل، مثلما أكد ذلك ”جيفري سانشز” المستشار لدى الأمين العام للأمم المتحدة، الذي كشف أن هيلاري كلينتون لما كانت كاتبة الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية سنة 2012، كانت هي العقبة أمام أي حل سلمي للأزمة السورية، عندما قاد المبعوث الأممي كوفي عنان محاولات لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، لأن النية المبيتة وقتها كانت تدمير سوريا. كما أن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما، كشف سابقا في حديث تلفزيوني أنه كان في زيارة إلى بريطانيا قبل الربيع العربي بسنتين وحدثوه هناك عن المخطط الذي كانوا بصدد إعداده لضرب سوريا وإن كان سيشاركهم في تنفيذه. وقال إن استهداف سوريا كان بريطانيا أيضا. ولذلك السؤال الذي يطرح اليوم هو هل أمريكا حقا جادة في إيجاد حل للأزمة السورية، مع أن وزير خارجيتها قال من أسبوع إنه لا حل في سوريا في وجود الأسد، بينما ما زالت روسياوإيران تتمسكان بالأسد كشرط لأي حل. ثم ماذا ستكلف أمريكا إطالة الأزمة، ما دامت تتخطى إرادة الكونغرس، باللجوء إلى تمويل حروبها عن طريق أصدقائها في الخليج؟ فهل يريد أوباما الانتهاء من الأزمة السورية قبل مغادرته البيت الأبيض كي لا يترك إرثا ثقيلا لمن يأتي بعده؟ ليست هيلاري التي إن وصلت إلى البيت الأبيض من ستثقلها أزمات كهذه، فقد كانت شريكا نشطا للمخابرات الأمريكية في إثارة هذه الأزمات، سواء في العراق أو في ليبيا أو في سوريا. وحتى في مصر كانت وراء فرض مرسي رئيسا قبل أن يهتز الشارع المصري ويطيح به بمشاركة الجيش. لكن وكبديل للمواجهة مع إيران وحزب الله في سوريا ها هي المملكة تفجر غضبها في لبنان، الذي انتقمت منه هذه الأيام عسكريا واقتصاديا، فقد أوقفت المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، مثلما أكده مجلسها للوزراء أمس، كما قررت سحب ودائعها المالية من البنوك اللبنانية، وما زالت قائمة العقوبات مفتوحة! حدة حزام ***************** نوبة غضب!
ما إن دخل السائق على الرئيس في بيت نادي الصنوبر، حيث تركه منذ أيام بعد جلسة التصويت على الدستور، حتى صرخ في وجهه هذا الأخير، وهو يلقي بحزمة جرائد الأسبوع، في وجه سائقه: ”أهذا ما تسميه ديمقراطية؟ وهذا ما تسميه ترميم الهوية الوطنية؟ منذ عودتي وأنت تزن على أذني أننا لم ننجز شيئا في عهدنا، لأننا لم نؤسس للتعددية السياسية والإعلامية، ها أنا منذ أيام حبست نفسي في هذا البيت أطالع يوميا أخبار الوطن من الصحف التي ترسلها إلي، ومن القنوات التلفزيونية، فلم أجد أثرا للهوية ولا للوطنية التي كسرت لي راسي بها”، قالها بلهجة غضب. ”ماذا حدث سيادة الرئيس؟”، سأل السائق ضيفه، الذي وجده يجلس على الأرض وبرنوسه مكوم بجانبه وسط عدد من نسخ الصحف المبعثرة. ”هل حدث معك شيء ما سيدي؟ ما الذي أغضبك كل هذا الغضب؟”. لم يسبق لنجل عمي الطيب أن رأى زائره في مثل هذه الأوضاع النفسية، وكأنه أصيب بخيبة أمل، صحيح أن نوبات غضب انتابته مرارا منذ عودته، لكنه اليوم غير الأيام السابقة. ”ها أنا أجد الرئيس بومدين الذي عرفته في صغري، ها أنت تذكرني بصورتك ونبرة صوتك في خطبك التي كنا نرتشفها ارتشافا، هذا أنت حقا بومدين الزعيم والرجل الفذ الذي كانت تنحني أمامه الهامات، لكن قل لي سيدي ما الذي أزعجك؟”! لم ينتظر الرئيس حتى ينهي نجل عمي الطيب كلامه، وقفز من مكانه وبين يديه نسخة من صحيفة تنشر تغطية حول المقابلة الودية التي جمعت بين الفريق الوطني الجزائري، ونظيره الفسلطيني في ملعب 5 جويلية من يومين، ويسأل: ”هل من الوطنية أن يهان النشيد الوطني، ويهان الفريق الجزائري من قبل مناصرين جزائريين، وأين؟ في ملعب 5 جويلية الذي احتضن نصرا كرويا على الفريق الفرنسي في ألعاب البحر المتوسط سنة 1975، ذلك النصر الذي كان له طعم خاص، ربما لا تتذكر أنت هذا، لكن الجزائر كلها اهتزت لتلك المقابلة وكانت فرحة تضاهي فرحة الاستقلال. كيف لشباب اليوم أن يهينوا النشيد، رمز التضحيات والنضالات المريرة التي كابدها الجزائريون، رمز التهجير القسري لرجال المقاومة طوال الفترة الاستعمارية، كيف يصفّرون ويهينون بلادهم وعلمهم ورموزهم؟ هل هذا هو ترميم الهوية بإدراج الأمازيغية لغة وطنية في الدستور؟ نعم شيء جميل أن تعاد اللغة الأمازيغية إلى مكانتها الطبيعية، لكن ماذا نفعل بترميم مكانة اللغة والإنسان مدمر؟ أين هي الهوية التي تتحدث عنها، وهذا الشباب الذي رأيته عبر شاشات التلفزيونيات يعاني مشاكل نفسية معقدة، إذ كيف يناصرون فريقا آخر غير فريقهم ويحملون راية أخرى غير الراية التي سقط من أجلها بن مهيدي وعميروش، ومليكة بوزيت وفضيلة ومريم سعداني؟ أعرف أنه الفريق الفلسطيني، القضية الفلسطينية على العين وعلى الرأس، وتشجيع الفريق الفلسطيني أيضا لما يمثله من رمزية لشعب مضطهد يعاني من استعمار مدمر، لكن لن يكون هذا بشتم العلم ونشيد قسما. في زمني كان الجزائريون يبكون لما يسمعون هذا النشيد، كان الرجال والمجاهدون خاصة يجهشون بالبكاء، وهم يتذكرون رفاق الجهاد الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال الجزائر. نشيدنا غال وقضيتنا وثورتنا لا تقل قداسة عن القضية الفلسطينية، فلماذا التنكر لكل هذه التضحيات؟ ماذا فعلتم بالجزائر؟ ماذا فعلتم بالنشء؟”. ”هوّن عليك سيدي الرئيس، لا داعي لكل هذا الغضب، سنتحدث وسنفهم الموضوع ولماذا أوصلنا إلى حد يكره الشباب نفسه ورموزه. لكن قل لي، من هي مليكة بوزيت؟ لم أسمع عنها من قبل؟”. طبعا لن تسمع عنها، لأنها شهيدة وبطلة استشهدت في مدينتي بالشرق الجزائري، لكن شهداء ومجاهدي وأبطال تلك النواحي لم يكونوا محل اهتمام الإعلام، لا أثناء الاستعمار ولا بعد الاستقلال، وكأن البطولة كانت فقط في القصبة، وكأن معركة الجزائر هي التي أتت بالاستقلال، ”خلي البير بغطاه”، خلينا في الأهم، لأن لا معنى لاستقلال أفرغ من محتواه، والشباب هم على ما عليه من انفصام ودمار”! ”نعم، سيدي الرئيس، أعيد وأكرر أنكم أنتم من زرعتم حب هذه القضية والقضايا التحررية الأخرى في نفوس الجزائريين، فلماذا تغضب اليوم وتسخط، ألست أنت من قال ”مع فلسطين ظالمة أو مظلومة؟”، هل يعقل أن ندافع عن الظالم، أليس هذا خطأ فادح، ودلالة عن عصبية مقيتة راجع أولا لمقولتك ثم لُمْ الشباب الذي ما زال يردد دون شعور مقولة خاطئة!”. ”مقولتي ليست خاطئة أبدا، نعم مع فلسطين، لكن ليس معنى هذا أن أكون ضد الجزائر، لا يمكن أن يناصر شعب مسلوب الهوية والإرادة قضية أخرى مهما كانت عدالتها، حتى ولو كانت القضية الفلسطينية، نعم ناصرت فلسطين والقضية الصحراوية وكل القضايا العادلة. ألم تكن الجزائرمكة الثوار؟ نعم لأننا ذقنا مرارة الظلم الذي قاساه أجدادنا، فلا يمكن إلا أن أكون إلى جانب شعب يريد الانعتاق من رقبة الاستعمار، لكن الوضع الآن خطير، وما سمعته وما قرأته عن تصرفات الشباب في الملاعب وفي كل مناحي الحياة دليل على أن هناك مخططا يستهدف تخريب الجزائري والجزائر، ليس فقط بالمخدرات، وإنما بكل هذا الإعلام الوسخ، إعلام العار الذي صار يشكك في كل شيء، حتى أفراد الجيش الوطني الشعبي رمز قوة البلاد وسيادتها لم يسلموا من التشكيك في وطنيتهم، واتهموا بشتى أنواع الفساد. ولا أتحدث عن رموز الثورة الذين صرتم تخوّنونهم باسم حرية التعبير. نعم الأمر خطير، خطير، لكني لن أعود إلى مرقدي حتى أكتشف العلبة السوداء التي تخطط لدمار الجزائر، وهذه هي مهمتي الآن”!! - يتبع -