من سوء حظ المخرج الجزائري جمال عزيزي أن فيلمه ”اللوحة المثقوبة” عرض مباشرة بعد الرائعة السينمائية الإسبانية ”شجرة الزيتون” للمخرجة إيثيان بولان، الذي جعل الجمهور يتخم فنيا، في وقت خرج نفس الجمهور نادما على مشاهدة الفيلم الجزائري الذي جاء خاليا من أي عنصر فني وكأن المخرج حمل كاميرا وصور فقط. لا تجوز المقارنة بين فيلم ”شجرة الزيتون” وفيلم ”اللوحة المثقوبة” الذي يعالج قصة الشابة ”ألما” التي تقرر البحث عن شجرة الزيتون التي هي ملك للعائلة وتم اقتلاعها وأخذها إلى ألمانيا، حيث يصور المخرج معاناة هذه الشابة في البحث عن تركة أجدادها، خصوصا وألم الضمير وهي تشاهد جدها يتألم لفدان شجرته التي تملك أكثر من دلالة في التعبير على التمسك بالأرض. تقود ”ألما” هذه الرحلة رفقة عمها وصديقها إلى اجتياز الحدود الإسبانية الفرنسية من أجل الدخول إلى ألمانيا وبالضبط مدينة دولسدورف أين توجد شجرة الزيتون. في هذه الرحلة تجعلك المخرجة مشدودا لكل لقطة من الفيلم من خلال لعبها على تغيير زوايا التصوير خصوصا خلال الرحلة على متن الشاحنة، حيث وصل بها الأمر لاعتماد 8 زوايا تصوير في أقل من 15 ثانية، مظهرة جمالية ودقة كبيرة في العمل تجعل المتفرج مدهوشا من روعة وبراعة التصوير. لم يخل العمل من الشاعرية والرومانسية والالتزام، حيث يصور الفيلم علاقة ”ألما” بصديقها، وفي نفس الوقت ذلك الرابط بينها وبين جدها، وبينها وبين عمها الذي يقرر خوض المغامرة معها في البحث عن تركة أجدادها، في وقت يظهر الالتزام في علاقة الفتاة وجدها وعمها بشجرة الزيتون التي تعتبر آخر غرس من أرض العائلة، وكيف تجعل هذه الشجرة ومسألة استرجاعها قضيتها الأولى عبر الدخول في غمار رحلة شاقة لا تعلم نتائجها. رحلة استرجاع الذات صاحبتها الكثير من المواقف ترصدتها عدسة المخرجة، ملتقطة أدق التفاصيل من الصراع والألم إلى الحلم والضحك، مختصرة جملة من الأحاسيس ترجمها ممثلون أبدعوا في سرد وقائع الفيلم تتقدمهم الممثلة الرئيسية آنا كاستيو في دور ”ألما” وخافيير غوتيراز في دور ”ألكاشوفا”، وبيب أمبروز في دور ”رافا”، ناهيك عن الممثل مانوال كوكالا الذي لعب دور الجد، وكان لصمته دلالات توحي بعمق الألم والمعاناة والتعلق بالأرض في صورة شجرة الزيتون، ما يجعلنا نتأكد أن الكاستينغ القوي للمخرجة ساهم بصفة كبيرة في نجاح الفيلم. يحتوي الفيلم على جمل سينمائية فنية راقية، فالفيلم يضم عشرات العبارات المؤثرة والقوية التي تلهم الجمهور وتجعله يتعاطف مع قضية ”ألما”، كما استطاعت المخرجة إيصال فكرة الفيلم بسهولة وبساطة متناهيتين، وهنا يكمن الإبداع فكيف يمكنك أن تلهم الناس وتجذبهم عبر قصة بسيطة وحوار أبسط كان للجمل الصامتة دور كبير فيها، فالقيمة الفنية الحقيقية لا تترجم بالكلام فقط، فتعابير الوجه والصمت تختزل العديد من الأشياء وتعطي دلالات أعمق وأبعد من الكلمة، ولقطة العم ”ألكاشوفا” يبكي وهو ينظر إلى ”ألما” وهي فوق الشجرة تختزل معاني الحزن وتمرر رسالة مفادها أن الجد قد رحل، وهنا يكمن ذكاء المخرجة التي صورت ذلك المشهد بروعة، والذي يمكن اعتباره الأقوى في الفيلم. الحياة لا تتوقف رسالة مررتها المخرجة عبر قصة فيلم ”شجرة الزيتون”، وجسدتها في غصن الشجرة الذي أخذته ”ألما” وقامت بغرسه، في دلالة أن النسل لا يتوقف ولابد من الاستمرارية، باعثة برسائل أخرى تفضح الرأس مالية المتوحشة التي لا تبالي بالإنسانية وتضرب بالأعراف عرض الحائط من خلال الاعتداء على الطبيعة.
”3000 ليلة”.. معاناة أسيرة تدور معظم أحداث الفيلم الفلسطيني ”3000 ليلة”، لتصور جانبا من معانات أسيرات فلسطينيات، ونضالهن رغم الحجز والاعتقال. وعرض الفيلم الروائي ”3000 ليلة” لمخرجته مي المصري، بالمسرح الجهوي عز الدين مجوبي في إطار المسابقة الرسمية للطبعة الثانية من المهرجان، حيث يتطرق العمل طيلة 103 دقيقة إلى قصة ”ليال” التي أدت دورها الممثلة ميساء عبد الهادي، تلك الشابة الفلسطينة التي تنساق ظلما إلى سجون المحتل الإسرائيلي، ويحكم المستعمر عليها بثماني سنوات سجنا، وخلال الأيام الأولى من حجزها، تكتشف أنها حبلى، وتضع مولودها نور وهي مصفدة الأيدي والأرجل، كل هذا لم يشفع لها، وزج بها في زوبعة من الأحداث والصراعات مع سجانات المحتل، والمحتجزات اليهود المشبعين بالعنصرية، والمسلطين على المعتقلات العرب، في مرحلة ما تضطر البطلة إلى المقاومة للاحتفاظ بفلذة كبدها رفقتها في الزنزانة. ومع تعقد الأحداث، تجد نفسها أمام خيار الاستغناء عن ابنها، أو مواصلة المقاومة وراء القضبان من أجل قضيتها. فيلم ”3000 ليلة يبدأ بمشهد احتجاز شابة فلسطينية، تساق وهي معصبة الأعين إلى سجون الكيان الإسرائيلي، لتنحصر باقي الوقائع بين جدران الزنزانة، عبر لقطات متوسطة وضيقة، فرضها الديكور المحدود للسجن. واعتمدت المخرجة على تباين شخصياتها، في العمر والانتماء، لتعكس وحشية المغتصب الصهيوني الذي لا يفرق بين عجوز وطفل، ورجل أو امرأة، أما النهاية فكانت عبارة عن رسالة أمل، ودعوة إلى التشبث بالقضية وحلم الأرض إلى أخر رمق. واعتبرت المنتجة اللبنانية صابين سيداوي أن الفن السابع أداة مقاومة، ودعم السينما الفلسطينية هو دعم للقضية. وأكدت المنتجة على الدور المهم للسينما الملتزمة في خدمة القضايا العادلة والإنسانية، وعن المعوقات الذي يواجهها هذا الاتجاه قالت: ”هناك صعوبة في إيجاد تمويل للأفلام الملتزمة التي تحمل قضية، فالشق التجاري فرض نفسه بقوة، كما أن اللوبي الإسرائيلي متغلغل بقوة في معظم المهرجانات الغربية الهامة، لذا فموضوع مثل فيلم 3000 ليلة، أكيد أنه سيلقى رفضا وعرقلة، وموضوعه هو مصدر إزعاج للكيان الصهيوني الذي سيسعى إلى سد الطريق أمامه... ”. وعن موضوع الفيلم الذي تدور أحداثه في سنوات الثمانينات من القرن الماضي، أوضحت سيداوي أنه صيغ بعد جمع مجموعة من القصص الحقيقية لأسيرات فلسطينيات، وأن الممثلات كلهن عربيات، حتى من أدين أدوار المجندات الإسرائيليات، وأضافت أنه صور في سجن حقيقي بالأردن. وقالت: ”قصة الفيلم هي واحدة من آلاف القصص الحقيقية، لحشد من الأسيرات الفلسطينيات اللاتي أسرن ظلما، فهناك من اقتيدت إلى المعتقلات وهي في طريقها إلى الدراسة أو العمل، ولم تسلم لا العجائز ولا الأطفال من آلة القمع الإسرائيلية...”.