اصطدمت زيارة أول عضو من حكومة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الجزائر، بمطالب بإعادة جماجم شهداء مجزرة الزعاطشة واسترجاع الأرشيف الوطني في أول امتحان لوعوده التي قطعها غداة حملته الانتخابية. طالبت حركة المواطنين الجزائريينبفرنسا غير الحكومية، السلطات الفرنسية بإعادة جماجم 37 شهيدا جزائريا تحتفظ بها العاصمة باريس داخل متحف ”الإنسان”. ووجهت حركة المواطنين الجزائريين التي تتخذ من العاصمة الفرنسية مقراً لها، رسالة إلى وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، الذي زار الجزائر أمس، تطالب فيها بإعادة جماجم المقاومين الجزائريين، جاء فيها ”أعيدوا لنا جماجم مقاومينا ال37، وافتحوا الأرشيف للمؤرخين.. تعلمون بأن لدينا علاقة مع الأموات بالنظر إلى تقاليدنا وتعاليمنا الإسلامية.. نحن نقوم بدفنهم”. وأعربت الحركة عن صدور قرار فرنسي لإعادة جماجم الشهداء الجزائريين ال37، ودفنها بأرض الوطن، بحلول أكتوبر المقبل بمناسبة ملتقى حول مظاهرات الجزائريين المطالبين بالاستقلال بباريس في 17 أكتوبر 1961 (ما يعرف بمجزرة باريس). وبحسب تقرير بثته قناة ”فرانس 24” مؤخراً، فإن هناك 18 ألف جمجمة محفوظة داخل متحف ”الإنسان” في باريس، منها 500 تم التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 37 قائداً من المقاومة الجزائرية قُتلوا ثم قطعت رؤوسهم على أيدي قوات الاستعمار الفرنسي - حينها - منتصف القرن ال19، في واحة الزعاطشة التي يطلق عليها الآن بلدة ليشانة الواقعة في ولاية بسكرة. ويوجد ضمن 18 ألف جمجمة بشرية بمتحف الإنسان في باريس 37 جمجمة تعود لمقاومين جزائريين بعضهم مجاهدون في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في أواسط القرن التاسع عشر، قتلوا ثم قطعت رؤوسهم ونقلت إلى العاصمة الفرنسية لدوافع سياسية وأنتروبولوجية. ونظرا لجدل حاد قائم بين فرنساوالجزائر حول حقبة الاستعمار والأرشيف المتعلق بها، حفظت هذه الجماجم في قاعة منعزلة في المتحف بعيدا عن مرأى العموم. ولم يكشف سر وجودها سوى في مارس 2011 بعد تحركات الباحث الجزائري علي فريد بالقاضي. فهذه الجماجم لا تعود إلى لصوص ولا قطاع طرق، ولكن إلى قادة بارزين في الثورة الجزائرية وفي مقدمتهم شريف بوبغلة الذي تزعم القتال ضد المستعمر في منطقة القبائل في مطلع 1850، والشيخ بوزيان زعيم ثورة الزعاطشة في 1949. وقال الأستاذ في جامعة سيرجي بونتواز في ضاحية باريس الغربية إبراهيم سنوسي، صاحب عريضة تطالب بإعادة هذه الجماجم للجزائر وجمعت 30 ألف توقيع، إن استعادتها ليست ”لأغراض انتقامية ولكن الهدف منها إنارة التاريخ بالحقيقة”. وأول أمس اتهم عبد المجيد شيخي، المدير العام للأرشيف الجزائري، السلطات الفرنسية بتعمد تعطيل الإجراءت النظامية والقانونية الكفيلة بتمكين الجزائر من إسترجاع أرشيفها الثوري. وأوضح المسؤول ذاته أن الإجراءات النظامية ”البطيئة” وتغيير المسؤولين على رأس المؤسسات في فرنسا، عوامل تعطل عملية استرجاع الأرشيف الخاص بهذه الحقبة الهامة من الذاكرة الجماعية للجزائريين، مشيرا إلى أنّ الطلب الأول الجزائري يعود إلى سنة 1964، مبرزا بأن السلطات السياسية باشرت منذ ذلك الحين العديد من المساعي من أجل استرجاع هذا الأرشيف ”المسلوب” أو ”المنقول” بفرنسا إبان وبعد الإستقلال. في السياق ذاته، أعلن المدير العام للأرشيف الجزائري، أن المباحثات التي باشرتها الجزائر من أجل استرجاع الأرشيف الوطني الذي تمتلكه فرنسا والذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية ستستأنف مع حلول شهر سبتمبر القادم.